الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

المسرح المغربي.. وجه مشرق في الخارج و”فضيحة” محلياً.

بقلم: سعيدة شريف
منقول عن موقع: رصيف 22

عرف المسرح المغربي خلال هذه السنة تتويجاً رفيعاً لأكثر من مرة في أغلب المهرجانات المسرحية الاحترافية العربية، وأبانت مجموعة من التجارب المسرحية الجادّة عن وجه مضيء، إذ فازت مسرحية “شطارا” للمخرج أمين ناسور بالجائزة الكبرى لمهرجان المسرح التجريبي في القاهرة، كما فازت مسرحية “حدائق الأسرار” للمخرج محمد الحرّ، بالجائزة الكبرى وبأربع جوائز أخرى من ضمن ستة في مهرجان قرطاج المسرحي، وفازت مسرحية “بريندا” للمخرج الشاب محمد أمين ساهل بالجائزة الكبرى لمهرجان الأردن المسرحي.
غير أن هذا الوجه المضيء للمسرح المغربي في الخارج يأبى إلا أن يصبح مظلماً داخل المغرب، وتحديداً في “المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي” في دورته 22 في مدينة تطوان، في الفترة من 22 إلى 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، بسبب التنظيم السيّئ، إذ أُجّل لأكثر من مرة، وأربك مواعيد العديد من العروض المسرحية في الداخل والخارج، خاصةً أنه موعد سنوي ينتظره المسرحيون المغاربة للتنافس بعروضهم التي قدّموها خلال السنة.
ساء المهرجان بسبب حفلي الافتتاح والاختتام، اللذين لا يمتّان بأيّ صلة لأبي الفنون، قبل أن تعلن نتائج المسابقة الرسمية للمهرجان، والتي كانت كارثيةً بكل المقاييس، لأن أغلب العروض المتميزة المشاركة فيه، والتي حصلت على جوائز قيّمة في مهرجانات عربية محترمة، لم تحصل على أي جائزة، لتتعالى أصوات الاحتجاج بعدما مُنحت الجائزة الكبرى في المهرجان لمسرحية “غيثة” للمخرج إدريس الروخ، وما تلاها من جوائز.
تلك الجوائز “غير المنصفة”، بشهادة المتتبعين للشأن المسرحي المغربي، وظروف العرض السيئة، التي يتحمل مسؤوليتها بحسب المنتقدين مدير المهرجان ومدير الفنون في وزارة الثقافة، والتي احتج عليها المخرج المسرحي محمد الحر، كانت النقطة التي أفاضت الكأس، وكشفت عن المستور في منظومة المسرح لان عن النتائج المخيبة للآمال للدورة 22 من المهرجان، والذي تم “تهريبه بسبب بعض الحسابات غير المسرحية”، بحسب المنتقدين، من مدينة مكناس إلى مدينة تطوان ، عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من التدوينات لمهنيّي القطاع تندد بالوضع الذي آل إليه المسرح المغربي. وحمّل مسرحيون ومهتمون بالشأن الثقافي في المغرب، وزير الثقافة محمد المهدي بنسعيد، مسؤولية هذا “الوضع الكارثي”، لأنه المشرف على القطاع، عادّين أنه قد “شابته الكثير من الاختلالات” التي وصفها البعض بـ”الفضائح” التي وصلت إلى المجال السينمائي أيضاً، ما دفع بكثيرين إلى نشر وسم #المهديبنسعيدارحل، كما تكلل هذا الغضب بولادة تنسيقية للفرق والفعاليات المسرحية المغربية المحترفة المشاركة في المهرجان الأخير، وقد خرجت ببيان استنكاري تحتج فيه على تدبير القطاع المسرحي من طرف الوزارة.
انتقد البيان “الغموض غير المبرر الذي أحاط بتحديد أعضاء اللجنة، حتى أنه لم ترد أسماؤهم في أي منشور رسمي أو إعلامي للوزارة، ليتبين أن معظمهم من الدار البيضاء، ومنهم من لا علاقة له بمهن المسرح وتخصصاته، وعدم تحديد مدير مسؤول عن المهرجان، ولا عن افتتاحه واختتامه، لتظل كل الصلاحيات في يد مدير الفنون الذي لم يكن موجوداً في تطوان طوال مدة المهرجان”.
وأضاف الغاضبون أن المهرجان نُظّم “بلا روح وبلا إستراتيجية إعلامية وتواصلية، ولم تتوافر فيه الحاجيات التقنية والتجهيزات اللازمة للعروض المسرحية المشاركة، وبغياب وسائل الإعلام والمتابعة الصحافية للمهرجان وفعالياته، والاستهتار بقيمة المواعيد النقدية للمهرجان”.
سرد البيان حالات عدّها اختلالات وتراجعات يعرفها قطاع المسرح في المغرب، ويخشى المسرحيون من أن تلقي بظلالها على المواعيد المسرحية المقبلة في المغرب، وعلى رأسها “مهرجان المسرح العربي” الذي اختارت الهيئة العربية للمسرح تنظيمه في مدينة الدار البيضاء من 10 إلى 16 كانون الثاني/ يناير الجاري.
أحمد أمل وتتويج أفضل العروض :
الكاتب والمخرج المسرحي أحمد أمل، الذي ترأس لجنة تحكيم المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي في دورته 22، صرّح لرصيف22 بعد تردد كبير، بأن اللجنة التي تكونت من الأعضاء: مريم أوعلا وفاطمة الجبيع ومحمد صلو ورشيد دواني وأيوب العياسي وعز العرب العلوي، احتكمت إلى الاثني عشر عرضاً المقدّمة، واختارت أفضلها بناءً على معايير ذوقية تمت فيها مناقشة كل مقوّمات العرض المسرحي من سينوغرافيا وتمثيل ونص.
حول عدم حصول أي من العروض المسرحية المغربية المتوّجة خارج المغرب بأرفع الجوائز في المهرجان، قال أحمد أمل: “نحن لا ننظر إلى السيرة الذاتية للفرق المسرحية المشاركة، بل إلى الرقعة الجغرافية التي نحن فيها، وبهذا كان هناك إجماع على المسرحية المتوّجة وعلى بقية الجوائز. وكل المشاركين هم أبنائي وطلبتي ويصعب تفضيل واحد على آخر، ولكن قانون المسابقة يفرض علينا اختيار الأفضل والعمل الذي سيرفع من الذوق الجمالي”.
عضوة تتحدث عن “فساد”:
هذا التصريح لا يجد توافقاً حتى داخل اللجنة، إذ تحلّت المختصة في السينوغرافيا وعضوة اللجنة مريم أوعلا، بالجرأة الكافية لانتقاد سير عمل اللجنة قائلةً إن “اختلالات” عدّة شابت عملها.
جاء في بيان أوعلا الذي نشرته على صفحتها في فيسبوك، أن الكثير من الاختلالات شابت أشغال اللجنة ومخرجاتها، إذ كانت هناك محاولات “للتأثير علي تقييمها للأعمال المسرحية “عبر “تبليغها بأحكام مسبقة عنها من قبل عضوة من الأعضاء سبق لها معاينة العروض”، وأضافت: “تعرضت للترهيب غير المباشر عبر اتهامي كلما دافعت عن الجودة في عمل من الأعمال بالانتصار لخريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، والحال أنني دافعت عن الأعمال بناءً على معايير فنية وتقنية، من دون الربط بينها وبين أي مؤسسة لا جامعية ولا جمعوية، ومن دون أي تمييز بين الأكاديميين والهواة بين المتبارين، لكونه مهرجاناً وطنياً”.
ترى أوعلا أنه تم “الاحتكام إلى المعطيات الشخصية حول حاملي المشاريع والعاملين فيها وممتلكاتهم وممارساتهم وعدد الجوائز التي سبق لهم الفوز بها، وليس إلى جودة أعمالهم أو مهنيّتهم في ضرب سافر لأخلاقيات التحكيم والتباري”.
ختمت أوعلا بيانها قائلةً إنها قبل اتخاذها هذه الخطوة وضعت وزارة الثقافة في الصورة، وكشفت لها كل “الخروقات” التي شابت عمل اللجنة، والتي جعلتها في البداية تنسحب، ثم تعود لمواصلة العمل، بعدما تم إقناعها بمواصلة العمل بمهنية وعدل، ولكن لا شيء من ذلك تحقق.
“تدمير المكتسبات”:
من جهته، صرّح المسرحي المغربي بوسلهام الضعيف، مخرج مسرحية “النورس” المشاركة في المهرجان الوطني للمسرح لرصيف22، بأن ما يقع الآن في المسرح المغربي، وخصوصاً تبعات المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي الأخير، هو نتيجة لتراجعات عديدة عرفتها السنوات الأخيرة، أجملها في “ترحيل أو تهريب المهرجان الوطني من مكناس إلى تطوان في صفقة مجهولة لا يعرفها إلا من ساهموا في التهريب، والدعم الذي أصبح يعطى خارج دفتر التحملات في الكواليس للعديد من الفرق، وحتى لبعض المسؤولين النقابيين، وغياب سياسة ثقافية واضحة لدى الوزارة، التي أصبحت تُبعد الكفاءة وتفسح المجال للإداريين الفاشلين لتدبير القطاع بلا تخصص ولا تكوين، وتدمير المكتسبات من طرف المسرحيين أنفسهم”.
قال الضعيف إن ما حدث في مهرجان تطوان كان متوقعاً، “فرائحة الفساد كانت تُشمّ من بعد، إذ لم يتم الإعلان عن لجنة انتقاء العروض المشاركة في المسابقة الرسمية، كما أن المهرجان كان بلا تصور ولا روح، ولم يمتّ إلى المدينة بصلة، ولم تكن له علاقة بالمسرحيين، ولضرب أبي الفنون تم تنصيب لجنة لا علاقة لها بالمسرح”.
رائحة الفساد كانت تُشمّ من بعد، إذ لم يتم الإعلان عن لجنة انتقاء العروض المشاركة في المسابقة الرسمية، كما أن المهرجان كان بلا تصور ولا روح
وأقر الضعيف بأن “ما وقع للمسرح في المهرجان كان منتظراً، لأننا نتحمل المسؤولية كمسرحيين، لأننا لم ندق الخزان ولم نندد بالفساد”.
“سرطان ينخر جسد المسرح”
المسرحي محمد الحر، المتوج بالجائزة الكبرى وبأربع جوائز من ضمن ستة في مهرجان قرطاج المسرحي الأخير عن مسرحيته “حدائق الأسرار”، قال في تصريح لرصيف22، إن “ما يعيشه المغرب اليوم من غليان واحتجاج للمسرحيين، هو نتيجة متوقعة تتجاوز جوائز المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي الأخير، سببها الغبن الذي طال المسرحيّين لسنوات عديدة مع مدير مديرية الفنون، الذي حول الاحتفال بالمسرح وتتويج أحسن الأعمال إلى مأتم أو صلاة جنازة على ما تبقّى من هذا الفن النبيل في المملكة المغربية. حفل الاختتام انتهى بصوت الاحتجاج الذي أتى من الجمهور المتتبع الذي لم ترقه النتائج التي خذلته”.
أضاف الحر أن “المسرح المغربي يعيش اليوم طفرةً كبيرةً، ولديه صدى هائل في العالم العربي على الأقل إن لم نقل إن هناك دولاً غربيةً أصبحت تهتم بهذا المسرح، وأصبحت لديه صورة من صور الريادة، ولكننا نعيش على العكس من ذلك في وطننا حالةً من اليتم والغبن واليأس واليتم والتخلف، حيث لم تستطع الجهات المسؤولة أن تواكب هذا التقدم، ولا تقديم الدعم الكافي، خارج الدعم الموسمي المقدم، والمرافقة والإنصات لمجموعة من الأسماء الشابّة التي تشكل اليوم العمود الفقري للمسرح المغربي في الداخل والخارج، وهي فرق قليلة، نجدها في المقابل تحاربها وتتآمر عليها بوسائل صبيانية ومخزية”.
يُذكر أن 12 مسرحيةً شاركت في المهرجان، فيما ذهبت الجائزة الكبرى لمسرحية “غيثة” للمخرج إدريس الروخ، ومُنحت جائزة الأمل مناصفةً إلى كل من أمين بلمعزة عن دوره في مسرحية “بريندا”، وسارة الحليمي عن دورها في مسرحية “العائد”.
أما جائزة السينوغرافيا فعادت للسيناريست عبد الحي السغروشني عن مسرحية “الممر”، بينما عادت جائزة الملابس للفنانة نورا إسماعيل عن فرقة تفسوين للمسرح، وفازت كل من قدس جندل عن دورها في مسرحية “شاطارا” وحنان الخالدي عن دورها في مسرحية “غيثة” مناصفةً بجائزة أحسن تشخيص نسائي، كما عادت جائزة أحسن تشخيص رجالي مناصفةً بين الفنان أيت بنجدي عن تجسيده دور الكوميسير الطاهر في مسرحية “الكوميسير الطاهر والمفتش بوعلام”، والفنان يوسف التاقي عن دوره في مسرحية “العائد”. وفاز يوسف التويجر بجائزة النص عن مسرحية “العائد”، فيما حازت المخرجة فاطمة الزهراء الهويتر جائزة الإخراج عن مسرحية “عيد ميلاد سعيد”.

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *