اسماعيل الحلوتي
على الرغم مما ظل يرافق المدرسة العمومية من لغط واتهامات بالقصور وتراجع جودتها مقارنة مع المدرسة الخصوصية، ولاسيما أن الإصلاحات وإعادة الإصلاح المتوالية لم تفد في النهوض بمستواها، والعودة بها إلى ما كانت تلعبه من دور ريادي في السابق. إذ أن الكثير من الأسر المغربية فقدت الثقة فيها واختارت التوجه نحو تأمين مستقبل أفضل لأبنائها، من خلال اللجوء الاضطراري إلى التعليم الخصوصي الذي أصبح يشكل علامة فارقة وتمايزا اجتماعيا، بين من هم قادرون على منح أبنائهم تعليما متطورا وذا جودة بالمدرسة المؤدى عنها، وغيرهم ممن يعجزون عن القيام بذلك لضيق ذات اليد.
فإنه بصرف النظر عن تردي وضع التعليم العمومي كما تؤكد ذلك عديد التقارير الوطنية والدولية، طالما أبان تلاميذ المدرسة العمومية عن نبوغهم وتفوقهم في المسابقات الدولية والامتحانات الإشهادية، وتربع بعضهم على عرش قوائم الحاصلين على أعلى المعدلات في الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا في الدورات العادية برسم العديد من المواسم الدراسية، إذ تجاوزت معدلاتهم أحيانا 19 من 20 في مختلف المسالك والشعب وخاصة العلمية منها، ناهيكم عن مستوياتهم في المواد العلمية واللغات الأجنبية.
ويأتي حديثنا هنا والآن عن تلاميذ المدرسة العمومية بمناسبة إحراز الفريق الوطني المغربي على المرتبة الأولى ب(159 نقطة) متبوعا بالفريق الجزائري الحاصل على (118 نقطة) ثم الفريق الجنوب إفريقي ب(105 نقطة) في الدورة الثلاثين من الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات، التي احتضنت فعالياتها مدينة كيغالي برواندا في الفترة الممتدة ما بين 12 و22 ماي 2023 وعادت فيها جائزة “ملكة إفريقيا في الرياضيات” لإحدى التلميذات المغربيات.
فحسب بلاغ صادر عن وزارة التربية الوطني والتعليم الأولي والرياضة، عرفت هذه الدورة مشاركة 32 دولة، وهو ما يشكل أكبر عدد من الدول المشاركة منذ إحداث هذه الأولمبياد. ويمثل كل دولة فريق من ستة أشخاص متبارين (ثلاث إناث وثلاثة ذكور)، يجتازون اختبارين اثنين على مدى يومين متتاليين، حددت لإنجاز كل اختبار منهما مدة أربع ساعات ونصف. وقد حصد المتبارون المغاربة ميداليتين ذهبيتين وثلاث ميداليات فضية وميدالية نحاسية واحدة، موزعة بين أعضاء الفريق المغربي على الشكل التالي: ميدالية ذهبية لكل من التلميذة هبة الفرشيوي الحاصلة على (35 نقطة) والمتوجة بلقب الدورة بالنسبة لترتيب الإناث، والتلميذ أيمن حجيفي (30 نقطة)، فيما حصل على الميدالية الفضية كل من التلميذ زكرياء درو (29 نقطة) والتلميذة زينب الشرقي (23 نقطة) وصيفة لملكة إفريقيا في الرياضيات، ثم حازت التلميذة مروة زيدوني (13 نقطة) الميدالية النحاسية.
والتلميذة هبة الفرشيوي المتوجة عن جدارة واستحقاق بلقب “ملكة إفريقيا في الرياضيات” برسم الدورة الثلاثين من الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات “PAMO 2023” ليست سوى منتوجا خالصا للمدرسة العمومية المغربية مثلها مثل مجموعة أخرى من تلاميذ القطاع العام المتفوقين، حيث تتابع دراستها بالثانوية التأهيلية الجولان ببيوكرى، التابعة للمديرية الإقليمية اشتوكة آيت باها بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة.
وعلى غرار السنوات الفارطة لقي هذا التتويج الجديد إشادة واسعة ليس فقط من قبل المهتمين بالشأن التربوي ببلادنا، بل كذلك من قبل عديد الأسر المغربية ووسائل الإعلام الوطنية ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي، الذين عبروا عن اعتزازهم وافتخارهم بهذه الفئة المتألقة من تلاميذ مؤسساتنا التعليمية العمومية في مختلف جهات المملكة الشريفة.
إذ سبق لفريق مغربي آخر من ستة تلاميذ 3 إناث و3 ذكور من المدرسة العمومية المغربية، أن توج في قلب العاصمة التونسية بميداليتين ذهبيتين و4 فضيات، في فعاليات أولمبياد الرياضيات الإفريقية لسنة 2021 في دورتها 28 التي تم تنظيمها عن بعد في تونس يومي 23 و24 ماي 2021 بمشاركة 11 بلدا، وذلك بعد انتزاع المرتبة الأولى بمجموع (178 نقطة) متفوقا على فريق جنوب إفريقيا الحاصل على المرتبة الثانية بمعدل (151 نقطة) فيما حل ثالثا الفريق التونسي ب(113 نقطة). وهكذا حقق حينها المتبارون المغاربة النجباء نجاحا مبهرا، حيث توجت التلميذة آية أكرجوط ذات 16 سنة من مستوى السنة الثانية بكالوريا بلقب “ملكة الرياضيات الإفريقية”، وهي نفسها التي تمكنت من الحصول في نفس السنة على الميدالية الذهبية في الدورة الثانية للأولمبياد العربية في الرياضيات المنظمة عن بعد تحت إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واللجنة التنظيمية المحلية المصرية…
إننا فخورون جدا بمثل هذه التتويجات ونرفع القبعة لهؤلاء الأبطال المغاربة من التلاميذ المتفوقين، الذين يؤكدون على أن المدرسة العمومية هي الأخرى تزخر بالطاقات الواعدة والقادرة على خلق الحدث في الكثير من المسابقات العلمية. ولا نريد لوزارة التربية الوطنية في شخص الأكاديميات والمديريات الإقليمية أن تقف عند حدود تهنئتهم والاكتفاء بمنحهم جوائز بسيطة من قبيل حواسيب أو هواتف نقالة، لأنهم يستحقون كل الدعم والتشجيع المتواصلين إلى حين تخرجهم من كبريات الجامعات وأرفع المعاهد التعليمية داخل المغرب وخارجه، لكونهم كثيرا ما يرفعون رأس المغرب عاليا بين الأمم، ويجعلون رايته ترفرف خفاقة في السماء.