إسماعيل الحلوتي
على إثر نظرة التنمر الإلكتروني التي رافقت منتخب “لبؤات الأطلس” إبان مشاركتهن الأولى في بطولة كأس العالم للسيدات في كرة القدم، التي استضافت نسختها التاسعة كل من أستراليا ونيوزيلاندا في الفترة الممتدة من 20 يوليوز إلى غاية 20 غشت 2023، سواء في المباراة الافتتاحية ضد منتخب ألمانيا أو في دور الثمن ضد منتخب فرنسا.
وجهت فاطمة التامني برلمانية عن فيدرالية اليسار سؤالا كتابيا لوزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار، حول العنف الرقمي ضد النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذي أضحى يشكل في السنوات الأخيرة تهديدا معنويا للمرأة في مختلف مناصب المسؤولية، كما في الممارسة السياسية والعمل الجمعوي والتألق الرياضي وغيره من الأنشطة الثقافية. رافضة تواصل هذه الظاهرة وتناميها اللافت في المجتمع المغربي، دون أن تستطيع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الموقعة من قبل المغرب والقوانين الوطنية وحملات الوزارة الوصية التصدي لها وكبح جماحها…
فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي التي كان من بين أبرز أهدافها تيسير عملية التواصل الفوري والمباشر، تقريب المسافات بين الناس وإتاحة الفرصة لهم في تبادل الأفكار والمعلومات والانفتاح على العالم والثقافات، إلى جانب الترفيه ومواكبة الأحداث وتطوير المعارف، مصدر تهديد وابتزاز من خلال لجوء بعض المنحرفين إلى ممارسات دنيئة من وراء شاشات حواسيبهم وهواتفهم الذكية، بغرض تصفية الحسابات الضيقة وإلحاق الأذى بحياة الأشخاص وعائلاتهم والمس بأعراضهم.
حيث لم يعد العنف منحصرا في العنف الجسدي، بل صار متعدد الوجوه والأشكال التي من شأنها ترك آثار عميقة في النفس بذات القدر الذي يخلفه العنف الجسدي، ومنها ما بات يسمى ب”العنف الرقمي”. وهي ظاهرة لم يستطع الباحثون الاتفاق على تحديد تعريف موحد لها، فتعددت أسماؤها: العنف التقني والإلكتروني، العنف عبر الإنترنت، العنف عبر الهاتف المحمول، الاستقواء الإلكتروني وغيره…
فحسب رأي بعض الخبراء والباحثين المغاربة وسواهم، يعتبر “العنف الرقمي” من السلوكيات المتعمدة والمتكررة التي تأتي على شكل مضايقات أو ابتزاز أو إهانة شخص أو تهديده بواسطة وسائل التكنولوجيا والاتصال والتواصل وعبر شبكة الإنترنت القائم على أساس النوع، أي استخدام تكنولوجيا المعلومات من طرف شخص ما أو عدة أشخاص لإلحاق الضرر بشخص آخر أو مجموعة أشخاص آخرين سواء نفسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو جنسيا، وذلك باستعمال الهواتف الذكية واللوحات الإلكترونية في منصات التواصل الاجتماعي. ويتميز هذا النوع من العنف بكون ضحاياه لا يستطيعون في معظم الأحيان الدفاع عن أنفسهم بيسر، كما يعرف بأنه كل فعل مرفوض يمارس عبر مواقع الصحف الإلكترونية، واستخدام كاميرات الموبايل والبلوتوث والتسجيلات الصوتية، بالإضافة إلى اختراق خصوصيات الآخرين بهدف الإساءة إليهم وإلحاق الضرر بهم…
ولعل الفئة الأكثر عرضة للعنف الرقمي هن النساء والفتيات والقاصرات والقاصرين، وهناك كذلك بعض الرجال الذين يتعرضون بدورهم لمثل هذا الصنف من العنف، إذ أنه ومن خلال إحصائيات قامت بها إحدى المؤسسات الاجتماعية سنة 2019، هناك 60 في المائة من الأقارب هم من يمارسون هذا النوع من العنف على النساء، فيما تعود نسبة 40 في المائة لمجهولين يتعمدون تعنيف نساء وفتيات رقميا دون معرفة مسبقة…
فالمرأة هي الأكثر تعرضا للعنف عبر الأنترنت، الذي يعد انتهاكا صارخا لحقها في حرية التعبير واعتداء سافرا على حقوقها الإنسانية التي تكفلها لها المواثيق والاتفاقيات الحقوقية الدولية على غرار شقيقها الرجل. إذ أنها تتعرض للعنف الرقمي يوميا أثناء استخدامها لشبكة الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال عدة أشكال كاستقبال رسائل تهديد بالقتل أو اعتداء جنسي أو عنف بدني، كما تتعرض لمحاولات تتبع وانتهاك للمعلومات الشخصية عبر البرامج الضارة أو قد يتم نشر معلومات عنها أو صور مسيئة لها بهدف المس بكرامتها والتشهير بها من طرف شخص ينتحل هوية مجهولة وغالبا ما يكون على دراية بجزء من حياتها. وتعرف الأمم المتحدة في هذا الإطار العنف الرقمي ضد المرأة بأنه: “أي عمل من أعمال العنف، يرتكب ضد المرأة وتساعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل الهواتف الذكية والأنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني في تفاقمه”.
صحيح أن المشرع المغربي أصدر قانون 13.103 لحماية ضحايا العنف من النساء، وهو قانون لا يقتصر فقط على العنف الجنسي والجسدي، وإنما يتضمن أيضا العنف الرقمي المرتبط أساسا بمواقع التواصل الاجتماعي، لما لهذا النوع من العنف من تداعيات وخيمة على ضحاياه، حيث يتسبب لهن في مشاكل عائلية تدفعهن إلى العزلة والانطواء، ويصبحن عرضة للقلق والإحباط والاكتئاب والمشاكل النفسية التي قد تصل أحيانا إلى حد محاولة الانتحار.
وصحيح كذلك أن هناك استراتيجية أمنية تهدف إلى محاربة الإجرام الإلكتروني والعنف الرقمي، وأن إدارات حكومية هي الأخرى تبذل جهودا مضنية قصد محاربة مختلف أشكال العنف ضد النساء وفي مقدمتها العنف الرقمي، باعتباره سلوكا منبوذا، وكل ذلك ضمن استراتيجية عامة ترتكز بالأساس على النهوض بأوضاع المرأة وفق ما تنص عليه التوجيهات الملكية السامية…
بيد أن ذلك كله يظل غير كاف لمواجهة الظاهرة التي تستلزم المزيد من تضافر الجهود في اتجاه تعميم التمدرس والسهر على إشاعة ثقافة حقوق الإنسان وترسيخ مبدأ المساواة في النصوص القانونية، تشديد العقوبات على المتورطين وتعزيز جهود التوعية والتحسيس في البيت والمدرسة ودور الشباب وعبر مختلف وسائل الإعلام…