محمد إنفي
بترويج الإعلام الجزائري للفكرة السخيفة المتمثلة في تودد المغرب للجزائر من أجل فتح الحدود، يكون هذا الإعلام قد قدم للعالم ولكل من لم يكن قد استوعب بعد طبيعة النظام الجزائري، صورة بئيسة وحقيرة عن نفسه وعن النظام الذي يمثله. فبفعل الغباء والسطحية وقصر النظر، وبسبب الحقد الأعمى ضد المغرب، الذي استحكم في دواليب الدولة لأسباب سيكولوجية وإيديولوجية وتاريخية، أصبح النظام الجزائري بنخبه وإعلامه وكل أبواقه، مادة دسمة للسخرية يتهافت عليها رواد التواصل الاجتماعي. وكيف لا، والخرجات الإعلامية لعبد المجيد كذبون (عفوا تبون)، على سبيل المثال لا الحصر، كلها مهازل ينضح منها العبط والخبل. أما الإعلام، سواء العام منه أو الرياضي، الرسمي أو غير الرسمي، فيقدم عن نفسه صورة بئيسة تنطق غباء وتفاهة وحتى قذارة وحقارة.
ويكفي أن ننظر فقط إلى تعامله مع الإنجازات الرياضية المبهرة التي يحققها المغرب، لنتأكد من كل هذا. ولا شك أن المهتمين بالشأن الرياضي والإعلامي والثقافي والاقتصادي والسياسي والديبلوماسي وحتى العسكري…قد أصبحوا يدركون أن أسباب التردي والحضيض الذي وصلت إليه “الجزائر الجديدة”، “الجزائر العالمية”، “الجزائر القارة”، “القوة الضاربة”، “حظيرة الكبار”… تكمن في نظماها الغبي ونخبه العبيطة وأبواقه الإعلامية البلهاء التي جعلت من الإعلام الرسمي والشبه الرسمي مطرحا للنفايات وقناة للصرف الصحي.
فكيف سيتودد المغرب لدولة مفلسة سياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا؟ فاليد المغربية الممدودة لا تتودد ولا تتوسل، وإنما تتطلع إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الجانب الأخلاقي والإنساني الذي يرتبط بالجوار والأواصر العائلية والروابط الدموية بين الشعبين المغربي والجزائري.
ورغم أن المغرب، دولة وشعبا، مقتنع بأن في جواره رعاعا وأوباشا لا يقيمون أي اعتبار لا للجورة ولا للمصاهرة ولا للروابط الدموية والقرابة العائلية ولا للتضحيات الرسمية والشعبية التي قدمها المغرب حين جعل من أراضيه، خاصة وجدة والمناطق المجاورة لها، قاعدة خلفية للمقاومة الجزائرية مع إمدادها بالمال والسلاح؛ وذلك، باعتراف الجزائريين الذين كانوا شهودا على المرحلة، فإنه لا يؤمن بالقطيعة والخصومة الدائمة، وإن كان يعلم أن اليد الممدودة قد تتعرض للعض والنهش من قبل الكلاب الضالة، الهائمة في فلاة السياسة والديبلوماسية والإعلام، وتقتات على فضلات الانحطاط الأخلاقي.
فلو كان في النظام الجزائري وفي إعلامه عقلاء وحكماء لشدوا على اليد الممدودة، ولعضوا على الفرصة بالنواجد حتى تكون العلاقة عادية بين البلدين الجارين. لكن لغبائهم وجهالتهم وتفاهتهم، راحوا يهرفون بما لا يعرفون، وقابلوا الحلِم والتواضع بالاستخفاف والتعالي وسوء الأخلاق. فشتان بين أخلاق الملوك وأخلاق الصعاليك. وأنى للصعاليك أن يدركوا البعد الأخلاقي والإنساني لليد الملكية الممدودة!!!
ولنا في التاريخ المشترك ما يكفي من أمثلة على خبث وغدر النظام الجزائري. ألم يرد الجميل بالهجوم على مركز حدودي للمغرب، بمجرد ما استقلت الجزائر، فكانت حرب الرمال المفتعلة؟ وإن كانت الجزائر قد تلقت الرد المناسب على جحودها وتهورها وغدرها، لخصه “الوحش الغدار” في صيحته المشهورة: “حكرونا، حكرونا المراركة”، فإن النظام العسكري يحاول دائما، ضدا على الحقائق التاريخية، أن يلبس التهمة للمغرب. ولن ينس المغاربة ولا التاريخ مأساة “المسيرة الكحلة” في صبيحة يوم عيد الأضحى في شهر دجنبر من سنة 1975، التي ذهبت ضحيتها خمس وأربعون عائلة مغربية جزائرية، اختلطت دماؤها بفعل رابطة الزواج والمصاهرة، تم تشتيتهم والسطو على ممتلكاتهم بدون شفقة ولا رحمة. وسيبقى هذا الفعل الشنيع وصمة عار في جبين النظام الجزائري.
فالنظام العسكري الجزائري الجبان لا يفهم إلا لغة القوة والجفاء، ولا يسعى إلا للخصومة واستعراض العضلات حتى وإن كانت مترهلة ومتهالكة بفعل الشيخوخة أو التقادم. لقد حول هذا النظام البئيس الجزائر إلى سجن كبير، وأصبح “نزلاء” هذا السجن يفتقرون إلى أبسط شروط الحياة الكريمة، بينما أزلام النظام وأبواقه (حراس السجن الكبير) يتبحبحون على حساب الشعب بالفتات التي تفضل عن الطغمة العسكرية المبذرة والمبددة والناهبة لخيرات البلاد. وبعد أن أصبحت البلاد على ما هي عليه من تأخر وتراجع في كل المجالات، فقد أضحى المواطن الجزائري يقضي ساعات طوال في طوابير لا متناهية؛ وقد يضطر إلى التعارك واستعمال القوة وإحداث الفوضى من أجل الحصول على شكارة حليب أو قنينة زيت أو غاز أو كيلو عدس أو لوبيا أو بطاطا أو غيرها من المواد الاستهلاكية البسيطة؛ أما اللحوم والأسماك والفواكه، فيبدو أنها قد أصبحت من الكماليات، ولا يقترب منها إلا المقربون من النظام.
ومع ذلك، يطلع علينا، من حين لآخر، إعلام التفاهة والسخافة بأخبار عن الطوابير في المغرب على المواد الغذائية؛ ويُروِّج هذه السخافات والأكاذيب، بدون خجل ولا وجل. وهدف هذه الوقاحة والخسة واضح، ويتمثل في تغليط المواطن الجزائري البسيط؛ وذلك، بإيهامه أن ما يعانيه مع ندرة المواد الغائية الأساسية، لا يقتصر على الجزائر؛ بل ينطبق على كل شعوب المنطقة، بما فيها المغرب.
وهذا ما يجعلنا متيقنين من أن النظام الجزائري يخشى من فتح الحدود مع جاره الغربي؛ ونحن أيضا نخشى هذا الفتح؛ لكن لأسباب غير أسباب النظام العسكري. فهذا الأخير يرى أن فتح الحدود سوف يُعرِّيه ويكشف عورته أمام الجزائريين؛ إذ هؤلاء سوف يكتشفون أن المغرب، الذي ليس له لا بترول ولا غاز، قد هرب عن بلادهم الغنية بالثروات الطبيعية، سنين ضوئية في كل المجالات. وهذا ما يخيف النظام الجزائري؛ لذلك يختلق الأسباب الواهية لترك الحدود مغلقة. وللتذكير، فقرار غلق الحدود قرار أحادي؛ فالمغرب لم يعلن يوما عن إغلاق حدوده لا البرية ولا البحرية ولا الجوية مع الجزائر.
ويجب أن يعلم إخواننا الجزائريون أن الكثير من المغاربة ليسوا متحمسين لفتح الحدود ليقينهم بأن هذه الخطوة لن تعود بأي نفع على المغرب؛ وبالأخص، مناطق الحدودية؛ بل قد تكون وبالا على هذه المناطق في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الجزائر بسبب ندرة المواد الاستهلاكية الأساسية. وآخر صيحة في هذا الباب، تتمثل في “مؤامرة العدس واللوبيا”، التي خص لها رئيس الجمهورية حيزا هاما في خرجته الإعلامية الأخيرة. لذلك، لن نستغرب إن عمت الطوابير مدنا مثل وجدة وفيكيك وغيرهما إن فتحت الحدود؛ وهذا ما أعنيته بعبارة ” ونحن أيضا نخشى هذا الفتح”، الواردة في الفقرة أعلاه. فباستثناء البعد الأخلاقي والإنساني المتمثل في حسن الجوار وفي جعل التزاور العائلي بين الأقرباء من الشعبين أمرا مُيسرا وتسهيل السفر على الجزائريين الموجودين في المغرب والمغاربة الموجودين في الجزائر، فلا شيء آخر يمكن أن يبرر فتح الحدود. ففي الوضع الحالي للجزائر، لن تأتينا منها إلا المشاكل والموبقات.
والعاهل المغربي لا تغيب عنه هذه الحقائق؛ لكنه يراعي للجورة، رغم ما أتانا ويأتينا منها من مشاكل. فالظلم والاعتداء المُتعمَّد الذي يمارسه النظام العسكري عن قصد وسبق إصرار، تتأذى منه مناطقنا الحدودية؛ ومع ذلك، فملك المغرب يراعي أيضا الأخوة الإسلامية والعربية والأمازيغية والإنسانية، بالإضافة إلى التضامن الإفريقي.
خلاصة القول، يمكن أن نؤكد بكل ثقة بأن العالم، في مجمله، قد علم، بفعل رعونة النظام الجزائري وبفضل السياسة الحكيمة لبلادنا وديبلوماسيتها الرصينة، مع من حشرنا الله في الجوار. فالخبث والغدر والرعونة والنذالة وغيرها من الصفات المقيتة جعلت النظم الجزائري، من جهة، فاقدا لمؤهلات التعايش والتساكن مع جيرانه؛ ومن جهة أخرى، فاشلا ديبلوماسيا. وللتغطية عن هذه الحقيقة التي أصبحت ساطعة وبادية للعيان، يتغنى بنجاحات ديبلوماسية وهمية وبطولات كاذبة. لقد تخلت عن مشروعه الانفصالي الكثير من الدول، ومنها من فتحت قنصليات في مدينتي العيون والداخلة. وحتى تلك الدول القليلة التي لا زالت تعترف بجمهورية تندوف الوهمية، فهي تفعل ذلك إما بفعل ديبلوماسية الشيكات والهبات، وإما بسبب الحقد الإيديولوجي الموروث عن مرحلة الحرب الباردة.
طنجة في 13 غشت 2023