اسماعيل الحلوتي
لم يعرف المغرب على امتداد التاريخ أن حكومة من الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، ضمت ضمن أعضائها وزيرا للعدل يدافع باستماتة فريدة عن المفسدين ويرق قلبه للصوص المال العام، كما هو الحال عليه اليوم في ظل حكومة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث يشغل عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة هذا المنصب الهام والحساس، الذي يستدعي أن تحمل حقيبته شخصية وطنية بارزة تتصف بالحكمة والرصانة وبعد النظر…
فقد أصبح مألوفا لدى الرأي العام الوطني أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي لا يترك فرصة تمر دون أن يحشر نفسه فيها، ولا يكاد يخرج من ورطة حتى يجد نفسه داخل ورطة أخرى أفظع من سابقتها، وذلك بسبب ثرثرته وعجرفته وخفة لسانه، حيث أنه يحاول على ما يبدو في عديد الأحيان بوعي أو بدونه أن يتشبه برئيس الحكومة الأسبق والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران في خرجاته الإعلامية غير المحسوبة العواقب، مما يؤدي به إلى الوقوع في المحظور ويجر عليه أمواجا من السخرية والكثير من الانتقادات اللاذعة، التي يذهب أصحابها في أكثر من مناسبة إلى حد المطالبة بإقالته.
ونشير في هذا الصدد إلى ما حدث يوم الثلاثاء 12 شتنبر 2023 أمام أعضاء لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، عندما أبى معالي وزير العدل إلا أن يدعو إلى عدم اعتقال المتورطين في نهب المال العام ووضعهم في السجون، لكنه لم يقل لنا إلى أي فندق من الفنادق الفاخرة يمكن أن نقودهم؟ حيث لم يتورع عن تصنيف هؤلاء المفسدين بأنهم أشخاص غير مجرمين بالمعنى المتعارف عليه، وأن تورطهم في جرائم الأموال لا يقتضي السخط عليهم ومعاقبتهم، بقدر ما يقتضي فقط الاكتفاء بوضع السوار الإلكتروني في أيديهم، والإبقاء عليهم في منازلهم مع ضرورة سحب جوازات سفرهم وإغلاق الحدود في وجوههم.
ولم يقف عبقري زمانه عند هذا الحد من الإشفاق على السادة لصوص المال العام المحترمين، بل إنه ومن شدة لطفه وكرمه اقترح بكل ود أن يتم السماح لهؤلاء “المدمنين” على نهب المال العام التوجه إلى شركاتهم لمواصلة عملهم، تفاديا لأي توقف من شأنه أن يعرضهم للإفلاس. وأضاف قائلا بأنه على اقتناع تام بأن هناك من سوف يعارض هذا التوجه وما أتى به من مقترحات يراها وجيهة، بحكم أن الرأي العام طالما طالب باعتقال المتهمين في قضايا نهب وتبديد المال العام، وأنه “لا يجب أن يعتد بمنطق الرأي العام واتباعه، بل على العكس من ذلك يجب اتباع منطق العدالة”
فالأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ثاني أكبر حزب مغربي من حيث عدد المقاعد في البرلمان، هو نفسه وزير العدل الذي يقترح إعفاء الأغنياء من العقوبات السجنية، وسبق له في أبريل 2022 أن دافع بشدة في مرافعة مثيرة للاستغراب بمجلس المستشارين، عن توجه الحكومة نحو تضمين مجموعة القانون الجنائي تعديلات تروم منع جمعيات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية المال العام، من رفع شكايات للقضاء ضد المدبرين الجماعيين في ملفات تتعلق بالفساد ونهب المال العام، معتبرا أن مسؤولية مراقبته تعود لوزارة الداخلية وحدها، لأنها هي مصدر الأموال موضوع المتابعات. وهو الأمر الذي أثار حينها الكثير من الجدل حول الهدف من اتخاذ هكذا قرار “طائش”، يقضي بحرمان الجمعيات من حقها المكفول دستوريا في ممارسة الرقابة على المال العام. ناسيا بذلك أن المال العام ملك مشترك بين جميع المغاربة، وليس في ملكية وزير الداخلية، وأنه عندما يتم تقديم شكاية ضد شخص ما حول سوء التدبير أو شبهة فساد مالي، لا يعني بالضرورة أن المشتكى به شخص مفسد ومذنب، وإنما هو فقط شخص مشتبه فيه، ومن واجب المغاربة مراقبة المسؤولين العموميين.
والأكثر مما سلف ذكره أنه في الوقت الذي شدد فيه ملك البلاد محمد السادس، في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2023 بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتوليه مقاليد الحكم، على أن “الجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات” وأضاف أن “الجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص” وأن “الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية، من خلال خدمة المواطن واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة” وهو في المجمل خطاب قوي يحث كل المتدخلين على الجدية ومكافحة الفساد والإثراء غير المشروع، كل من موقعه إدارة وقضاء ومجتمعا مدنيا.
نجد أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي يصر للأسف الشديد على التمادي في إثارة الزوابع، وهذه المرة من خلال نقض تعهدات والتزامات الدولة في مجال محاربة الفساد بمختلف أشكاله، وإبداء حماس كبير ومنقطع النظير في توسيع رقعة هذه المعضلة التي ما انفكت تنخر مجتمعنا وتحول دون تحقيق التنمية الشاملة. حيث أنه بات يفضل التوجه نحو الإجهاز على قانون تجريم الإثراء غير المشروع والتساهل مع لصوص المال العام، بدل أن يعكف من موقعه الوظيفي على ملاءمة القانون الجنائي مع هذه الالتزامات سواء منها الوطنية أو الدولية…
اسماعيل الحلوتي
لم يعرف المغرب على امتداد التاريخ أن حكومة من الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، ضمت ضمن أعضائها وزيرا للعدل يدافع باستماتة فريدة عن المفسدين ويرق قلبه للصوص المال العام، كما هو الحال عليه اليوم في ظل حكومة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث يشغل عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة هذا المنصب الهام والحساس، الذي يستدعي أن تحمل حقيبته شخصية وطنية بارزة تتصف بالحكمة والرصانة وبعد النظر…
فقد أصبح مألوفا لدى الرأي العام الوطني أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي لا يترك فرصة تمر دون أن يحشر نفسه فيها، ولا يكاد يخرج من ورطة حتى يجد نفسه داخل ورطة أخرى أفظع من سابقتها، وذلك بسبب ثرثرته وعجرفته وخفة لسانه، حيث أنه يحاول على ما يبدو في عديد الأحيان بوعي أو بدونه أن يتشبه برئيس الحكومة الأسبق والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران في خرجاته الإعلامية غير المحسوبة العواقب، مما يؤدي به إلى الوقوع في المحظور ويجر عليه أمواجا من السخرية والكثير من الانتقادات اللاذعة، التي يذهب أصحابها في أكثر من مناسبة إلى حد المطالبة بإقالته.
ونشير في هذا الصدد إلى ما حدث يوم الثلاثاء 12 شتنبر 2023 أمام أعضاء لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، عندما أبى معالي وزير العدل إلا أن يدعو إلى عدم اعتقال المتورطين في نهب المال العام ووضعهم في السجون، لكنه لم يقل لنا إلى أي فندق من الفنادق الفاخرة يمكن أن نقودهم؟ حيث لم يتورع عن تصنيف هؤلاء المفسدين بأنهم أشخاص غير مجرمين بالمعنى المتعارف عليه، وأن تورطهم في جرائم الأموال لا يقتضي السخط عليهم ومعاقبتهم، بقدر ما يقتضي فقط الاكتفاء بوضع السوار الإلكتروني في أيديهم، والإبقاء عليهم في منازلهم مع ضرورة سحب جوازات سفرهم وإغلاق الحدود في وجوههم.
ولم يقف عبقري زمانه عند هذا الحد من الإشفاق على السادة لصوص المال العام المحترمين، بل إنه ومن شدة لطفه وكرمه اقترح بكل ود أن يتم السماح لهؤلاء “المدمنين” على نهب المال العام التوجه إلى شركاتهم لمواصلة عملهم، تفاديا لأي توقف من شأنه أن يعرضهم للإفلاس. وأضاف قائلا بأنه على اقتناع تام بأن هناك من سوف يعارض هذا التوجه وما أتى به من مقترحات يراها وجيهة، بحكم أن الرأي العام طالما طالب باعتقال المتهمين في قضايا نهب وتبديد المال العام، وأنه “لا يجب أن يعتد بمنطق الرأي العام واتباعه، بل على العكس من ذلك يجب اتباع منطق العدالة”
فالأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ثاني أكبر حزب مغربي من حيث عدد المقاعد في البرلمان، هو نفسه وزير العدل الذي يقترح إعفاء الأغنياء من العقوبات السجنية، وسبق له في أبريل 2022 أن دافع بشدة في مرافعة مثيرة للاستغراب بمجلس المستشارين، عن توجه الحكومة نحو تضمين مجموعة القانون الجنائي تعديلات تروم منع جمعيات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية المال العام، من رفع شكايات للقضاء ضد المدبرين الجماعيين في ملفات تتعلق بالفساد ونهب المال العام، معتبرا أن مسؤولية مراقبته تعود لوزارة الداخلية وحدها، لأنها هي مصدر الأموال موضوع المتابعات. وهو الأمر الذي أثار حينها الكثير من الجدل حول الهدف من اتخاذ هكذا قرار “طائش”، يقضي بحرمان الجمعيات من حقها المكفول دستوريا في ممارسة الرقابة على المال العام. ناسيا بذلك أن المال العام ملك مشترك بين جميع المغاربة، وليس في ملكية وزير الداخلية، وأنه عندما يتم تقديم شكاية ضد شخص ما حول سوء التدبير أو شبهة فساد مالي، لا يعني بالضرورة أن المشتكى به شخص مفسد ومذنب، وإنما هو فقط شخص مشتبه فيه، ومن واجب المغاربة مراقبة المسؤولين العموميين.
والأكثر مما سلف ذكره أنه في الوقت الذي شدد فيه ملك البلاد محمد السادس، في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2023 بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتوليه مقاليد الحكم، على أن “الجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات” وأضاف أن “الجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص” وأن “الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية، من خلال خدمة المواطن واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة” وهو في المجمل خطاب قوي يحث كل المتدخلين على الجدية ومكافحة الفساد والإثراء غير المشروع، كل من موقعه إدارة وقضاء ومجتمعا مدنيا.
نجد أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي يصر للأسف الشديد على التمادي في إثارة الزوابع، وهذه المرة من خلال نقض تعهدات والتزامات الدولة في مجال محاربة الفساد بمختلف أشكاله، وإبداء حماس كبير ومنقطع النظير في توسيع رقعة هذه المعضلة التي ما انفكت تنخر مجتمعنا وتحول دون تحقيق التنمية الشاملة. حيث أنه بات يفضل التوجه نحو الإجهاز على قانون تجريم الإثراء غير المشروع والتساهل مع لصوص المال العام، بدل أن يعكف من موقعه الوظيفي على ملاءمة القانون الجنائي مع هذه الالتزامات سواء منها الوطنية أو الدولية…