محمد إنفي
بعد التطورات الخطيرة التي حدثت في الشرق الأوسط، وخصوصا مع سقوط نظام المجرم بشار الأسد، اختفى مغاربة إيران واختفى معهم كل الذين يدينون بالولاء للأجنبي من المشهد الإعلامي (ربما مؤقتا)، ولم نعد نسمعهم يتحدثون لا عن محور المقاومة ولا عن محور الممانعة، والذي هو، في الواقع، محور للمساومة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية وغبرها من القضايا. لقد بلعوا ألسنتهم وكفوا عن تمجيد دولة الملالي باعتبارها محور المقاومة، وبدوا كأنهم أصيبوا بالخَرس والصمم والعمى؛ إذ لا يتكلمون وكأنهم لا يسمعون ولا يرون ما يحدث.
فهل أدرك هؤلاء القوم بأن إيران التي كانوا يراهنون عليها ويهللون بها وبدورها كمحور للمقاومة، قد باعت حليفتها حماس وباعت أو على الأقل تخلت عن أذرعها في المنطقة، وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني بقيادة حسن نصر الله والنظام السوري بقيادة بشار الأسد؟ فإيران لم تستطع أن تحمي حسن نصر الله الذي أشفى غليلها بارتكاب مجازر في سوريا انتقاما من أهل السنة، ولم تتمكن من فعل أي شيء من أجل محميتها السورية لإنقاذ نظام حليفها المجرم الذي فر في جنح الظلام وفي خفية عن المقربين منه، لكن بعد أن مكن إسرائيل من خريطة المواقع السرية للجيش السوري ومواقع مخازن الأسلحة (حسب وثيقة مسربة) حتى تضمن له فرارا آمنا. وإسرائيل لم تتأخر في استعمال الخريطة المذكورة للهجوم على المواقع المعنية.
لقد أكد الواقع بأن ما سمي بمحور الممانعة بقيادة إيران ليس سوى تكتل مصالحي يتاجر بالقضية الفلسطينية ويساوم بها. فأغلبهم لا يقدمون للفلسطينيين سوى الشعارات الرنانة. ومنهم من تجسس لصالح إسرائيل كبشار الأسد الذي كان عميلا للكيان الصهيوني، حسب الوثيقة المشار إليها أعلاه. أما إيران كزعيمة لمحور الممانعة، فقد أثبتت بسلوكها أنها محور مساومة وليست محور مقاومة. ألم تستدرج المرحوم إسماعيل هنية إلى طهران، في إطار صفقة، لتتم تصفيته هناك؟ أليس من حقنا أن نتهم إيران بالتآمر على القضية الفلسطينية من خلال الدفع بحليفتها حماس إلي مغامرة السابع من أكتوبر 2023؟ ثم ألا يحق لنا أن نتساءل عن سر غياب قوات الأمن الإسرائيلي بمختلف أصنافها في تلك الليلة؟ ألا يدفع هذا الأمر إلى الشك والريبة؟ ألم تكن هناك صفقة ثلاثية بين إيران وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة وربما أطراف أخرى لتصفية القضية الفلسطينية؟ ألا يؤكد هذه الفرضية إصرار مجرم الحرب نتنياهو على تدمير غزة وإبادة أهلها بالسلاح والتجويع؟
ننتظر من مغاربة إيران أن يخرجوا عن صمتهم ويقدموا لنا نظرتهم وتحليلهم للوضع في المنطقة؛ ما عدا إن كان الخروج الإعلامي الأخير لحميد المهداوي (أو الهضراوي، كما يسميه بعض نشطاء اليوتيوب) هو باسمهم ونيابة عنهم. في هذه الحالة، يمكن أن نعتبر أن المهداوي قد كسر الصمت المطبق لمغاربة إيران، استجابة لأفق الانتظار هذا. وهكذا، يكون قد ناب أيضا عن القوميين المغاربة الذين يدينون بالولاء ليس للوطن، بل للأجنبي. وربما قد لا يكون لا هذا ولا ذاك، وإنما اشتدت به الحَميَّة القومجية فدفعته إلى الخروج للدفاع عن السفاح بشار الأسد.
لقد حاول أن يجد أعذارا لهذا السفاح؛ بل أراد أن يقدمه كبطل قوي. وهكذا، زعم المفتري الهضراوي أن بشار احتضن فلسطين ووقف أمام إسرائيل وقاوم التطبيع، بينما الواقع يؤكد بأنه قاوم شعبه، فأعدم وسجن وهجَّر منه الملايين. فمحاولة المهداوي التغطية على جرائم بشار، فيها تزوير للواقع والتاريخ؛ وفيها اعتداء على الشعب السوري الذي تجرع على يد بشار وأعوانه كل أنواع التنكيل والتعذيب والتفتيل؛ ناهيك عن التهجير. فموقف المهداوي، هنا، مدان ومذموم إنسانيا وأخلاقيا. وليس مقبولا حتى إيديولوجيا لكون حديثه عن التدخلات الأجنبية في سوريا، قد اقتصر على التدخل الأمريكي والإسرائيلي، ولم يتحدث عن تدخل إيران وروسيا وتركيا والجزائر وحزب الله اللبناني.
خلاصة القول، حميد المهداوي قد لا يكون المدافع الأشرس عن إيران وحلفائها وأذرعها مقارنة بالذين سافروا إلى طهران وإلى جنوب لبنان وربما إلى أماكن أخرى بحثا عن براءة إيران من تهمة دعم البوليساريو، وإن كان موقفه من بشار الأسد ودفاعه عنه شيء مخز ي، خصوصا عندما يجعل منه بطلا قوميا؛ بينما هو سفاح ارتكب أبشع الجرائم في حق شعبه وأجرم في حق بلاده التي تعيش الآن على وقع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها. وقد تجنى المهداوي على فلسطين حين زعم أن بشار احتضنها. ويمكن أن نزعم أن هذا الصحافي ليس عدميا بالقدر الذي عليه الذين يدينون بالولاء للأجنبي. فشعبوية هؤلاء وعدميتهم تجمع بين المتياسر واليميني في “ذم الشعب الذي يميل إلى وطنه” (عبد الحميد جماهري) ويفرح بمنجزاته ويتغنى بها؛ مما يثير حنق هؤلاء العدميين الشعبويين لكونهم لا يشعرون بالانتماء إلى هذا الوطن.
وتفاعلا مع مواقف هؤلاء الذين يستكثرون على المغرب تنظيم المونديال 2030 ويستكثرون الفرحة على الشعب المغربي، خصص الإعلامي المقتدر والسياسي المسكون بالوطن، الأستاذ عبد الحميد جماهري، حلقتين من عموده الشبه يومي (كسر الخاطر) في جريدة “الاتحاد الاشتراكي” بعنوان “اللهم ارزقنا شعبوية تليق بمونديال2030!”. لا شك أن هذا الدعاء قد أوحت له به الشعبويات الفاشلة، اليسراوية منها واليمينية والتي تروج لمنطق يفيد أنه “كان علينا ألا نبني محطات ولا قطارات ولا ‘تيجيفي’ حتى يرضى الشعبويون على المغرب، بأنه يحترم فقره ويتركه على حاله حتى يتغير النظام والسلطة والنخب والدساتير” (عبد الحميد جماهري، عمود “كسر الخاطر” بتاريخ السبت/الأحد/14 15 دجنبر 2024).
مكناس في 23 دجنبر 2024