بقلم: خالد الصمدي.*
استطاع المغرب بحمد الله أن يحقق إنجازا مهما بإخراج أول قانون إطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي إلى حيز الوجود والذي انتظره المغاربة عبر محطات متعددة للإصلاح منذ الاستقلال ، فسد بذلك فراغا كبيرا في المجال التشريعي ، هذا الفراغ الذي كان سببا كما قال جلالة الملك في الدوران في دوامة الإصلاح وإصلاح الإصلاح التي لا تنتهي ، وكان سببا في غياب التراكم وارتباك السياسات الحكومية ذات الصلة بقطاع التعليم وعدم استقرارها ورغم الصعوبات التي أحاطت بخروج هذا القانون إلى حيز الوجود وحملات الاختزال التي شنت عليه ، ووعيا منها بأهميته وصعوباته في نفس الوقت عملت الحكومة السابقة فور صدور القانون على وضع المخطط التشريعي لتنزيل مقتضياته والذي سيتم بموجبه مراجعة جميع القوانين والمراسيم المعمول بها في اتجاه تكييفها مع مقتضياته ، وكذا سن القوانين الجديدة التي تواكب التحولات والتطورات والمتطلبات الجديدة للمنظومة ، كما عملت على وضع حافظة المشاريع التي ركزت على مداخل الإصلاح ذات الأولوية ، والتي تم تدقيقها من طرف الحكومة الحالية في ضوء خلاصات النموذج التنموي ذات الصلة والتي لا تختلف عن خلاصات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 كما تم التأكيد على نفس الخلاصات تقريبا في المشاورات التي عقدتها الحكومة بمناسبة تنزيل مخططها الحكومي
وفي كل الأحوال يظل القانون الإطار ملزما للجميع وضامنا لاستدامة الإصلاح وتراكم واستقرار مؤشراته
وبناء على ذلك تم إطلاق أوراش كبرى للإصلاح وقطع أشواط مهمة في إنجازها ومن أهمها :
-إرساء المنظومة الوطنية للتعليم الأولي وإدماجها في التعليم الابتدائي من أجل ضمان تمدرس الفئة العمرية 5 سنوات ويعرف هذا المشروع تطورا كبيرا خلال الثلاث سنوات الأخيره في أفق الوصول إلى التعميم على المدى القريب.
– مأسسة الدعم اللاجتماعي للأسر الفقيرة والتي تعاني من الخصاص وفق منظور منذمج بين الوزارة الوصية والقطاعات الحكومية المعنية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والقاع الخاص والمانحين ، وقد تم تحقيق نتائج جيدة في هذا الورش مما مكن من تسجيل تراجع مقدر في نسب الهدر المدرسي وخاصة في التعليم الإلزامي وبالأخص في العالم القروي.
– إرساء الاستراتيجية الوطنية لتكوين الأطر التربوية والإدارية من خلال تنفيذ مشروع مدرس المستقبل الذي سيمكن من توظيف 200 الف إطار من أطر الأكاديميات في أفق 2028 بما يتطلبه ذلك من موارد مالية وبشرية وبنيات وتجهيزات
– إعادة هيكلة التكوين المهني بإنشاء مدن المهن والكفاءات على صعيد جميع جهات المملكة ( 12 مدينة ) وفتح أبوابها للتسجيل ابتداء من هذا الموسم التكويني.
– إرساء الخريطة الجامعية الوطنية بتشاور مع الجهات والفاعلين مما مكن من إحداث 45 مؤسسة جامعية جديدة لتقريب العرض الجامعي من المواطنين خاصة على مستوى التقني والتقني العالي والإجازة ، وإعطاء هذا الورش دينامية متجددة من خلال مخطط تسريع إصلاح التعليم العالي مع تحيين القوانين والتشريعات ذات الصلة بالتعليم العالي والبحث العلمي
– فتح أوراش مراجعة الأنظمة الأساسية لكل العاملين في المنظومة بتشاور مع المركزيات النقابية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والقطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية المعنية بما يضمن لها شروط العمل المادية والاجتماعية باعتبارها الركيزة الأساسية في إصلاح المنظومة
– فتح ورش مراجعة البرامج والمناهج من خلال صدور المرسوم المحدث للجنة الوزارية الدائمة للبرامج والمناهج وتحديد مهامها وتركيبتها وآليات اشتغالها في انتظار تنصيبها حتلى تضطلع بمهامها في أقرب وقت ممكن
– فتح ورش إعادة هيكلة البحث العلمي بإخراج المرسوم المحدث للمجلس الوطني للبحث العلمي الذي تم بموجبه تحديد مهامه وتركيبته وآليات اشتغاله خاصة على مستوى تحيين الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي وتتبع تنفيذها وتقويمها
– وينتظر على وجه الاستعجال إخراج أوراش أخرى مهمة إلى حيز الوجود حتى تكون الإنجازات في مستوى الانتظارات التي خلقها القانون لدى الساكنة والفاعلين ومنها على وجه الخصوص :
– فتح ورش إصلاح التعليم الخصوصي المدرسي والعالي عن طريق إخراج الإطار التعاقدي الشامل بين الدولة والقطاع الخاص كما ينص على ذلك القانون الإطار مما سيمكن من تحيين وتجديد شروط الترخيص والاعتماد والإشهاد ، مع تحيين القانون المنظم لهذا القطاع والمراسيم ذات الصلة وخاصة منها المرسوم المتعلق بتحديد الخدمات وما يقابلها ماديا
– الإسراع بإخراج الأنظمة الأساسية الخاصة بكل الفاعلين في المنظومة وفق مخطط زمني محدد ومتعاقد بشأنه
– تنزيل مخطط رقمنة المنظومة والتسريع من وتيرتها وخاصة على مستوى التدبير والتسيير وتكوين المواد البشرية وتوفير التجهيزات الضرورية تعزيزا لحكامة المنظومة والرفع من نجاعة أدائها
– تطوير مؤسسات وآليات الجودة والافتحاص والتقييم وعلى رأسها إخراج دلائل الجودة في كل مكونات المنظومة كما هو محدد في القانون وإعمال مقتضياتها في التطوير
– تنويع مصادر التمويل والشراكة مما سيمكن من ديمومة الإصلاح وعدم ارتهانه للتقلبات والظرفيات الاقتصادية وتفعيل المقتضيات ذات الصلة بصندوق دعم الإصلاح المحدث بموجب القانون وتعزيز موارده وحكامة تدبيره
– وعلى رأس كل ما سبق إيلاء التربية على القيم والاعتزاز بالهوية الوطنية و رموزها ومقوماتها الدينية واللغوية أهمية كبرى من خلال تنزيل مقنضيات رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ” القيم في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي” وجعل ذلك جزءا لا يتجزأ من مشروع المؤسسة ، ووحدة أساسية في تكوين الفاعلين في مؤسسات التكوين والتدريب ، وفي مراجعة البرامج والمناهج وإعداد الوسائط التعليمية وتأليف الكتب المدرسية ، وتفعيل الحياة المدرسية وأنشطتها وتعزيز علاقة المؤسسات التعليمية مع محيطها
كل هذه الأوراش الكبرى التي تخدم المصلحة الفضلى لمنظومتنا التربوية بصفة خاصة و تكامل الهوية التنمية في وطننا بصفة عامة تحتاج في تنزيلها إلى تفعيل أليات الحكامة و والتتبع والتقييم التي ينص عليها القانون وعلى رأسها تفعيل دور المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ، واللجنة الوزارية الدائمة المكلفة بتتبع تنزيل إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التي يرأسها رئيس الحكومة والتي تقوم بمهمة التخطيط والتببع والتقييم وتنسيق السياسات العمومية ذات الصلة وضمان حكامتها ، بالإضافة إلى تسريع وتيرة عمل اللجن المختصة في البرلمان بغرفتية لمواكبة كل هذه الأوراش بالنصوص التشريعية والقانونية اللازمة في الوقت المناسب
فالمدخل الأساس للإصلاح هو الثقة وباب ذلك تنفيذ مقتضيات القانون
* خالد الصمدي
عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سابقا