اسماعيل الحلوتي
في اليوم السابع من الشهر الفضيل رمضان 1446 الموافق ليوم السبت 8 مارس 2025، الذي يصادف اليوم العالمي للمرأة، استيقظ المغاربة على خبر مفجع حول وفاة شحرورة الغناء المغربي الأصيل الفنانة الكبيرة نعيمة سميح ذات البحة الذهبية الساحرة، على إثر مرض عضال لم ينفع معه علاج، حيث أن الراحلة كانت قد نقلت إلى المستشفى العسكري بالعاصمة الرباط بعد صراع مرير مع مرض فقر الدم، بيد أن القدر لم يمهلها كثيرا، لتلتحق بالرفيق الأعلى عن عمر ناهز 71 سنة…
ذلك أن الراحلة نعيمة سميح شحرورة الغناء المغربي الأصيل ذات الصوت الملائكي الأخاذ نعيمة سميح، ولدت في عام 1954 بأحد أحياء درب السلطان في مدينة الدار البيضاء، وسط بيئة فنية ساهمت بقسط وافر في صقل موهبتها منذ نعومة أظافرها، إذ أنها انخرطت في عالم الغناء في وقت مبكر من سبعينيات القرن الماضي، وتمكنت بفضل صوتها العذب وإحساسها العميق ومثابرتها المستمرة أن تشق طريقها بثبات نحو الشهرة وتحدث لنفسها حيزا واسعا في قلوب المغاربة والعرب، وهو ما جعل من أغانيها الجميلة مرآة صقيلة وصادقة تعكس رهافة أحاسيسها ومشاعرها الفياضة.
وجدير بالذكر أن الحالة الصحية لسيدة الطرب المغربي نعيمة سميح لم تنفك تتدهور خلال الشهور الأخيرة وقبل أن تفاجئها يد القدر وتسلب روحها، مما اضطرت معه عائلتها إلى التعجيل بنقلها للمستشفى العسكري قصد تلقي العلاجات الضرورية. وهي الفاجعة التي نزلت كالصاعقة على رؤوس عشاقها وأصدقائها وغيرهم، إذ خلف رحيل صاحبة أغنية “ياك آجرحي” جرحا عميقا لا يندمل ليس فقط في أوساط الفنانين والمثقفين، بل حتى في صفوف الجماهير المغربية والعربية، وسارعت عديد الشخصيات الفنية البارزة إلى نعيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد، الذي وصفها ب”إحدى القامات الفنية التي تركت بصمة خالدة في الوجدان المغربي”
فمما لا ريب فيه أنه بأفول نجم عميدة الأغنية المغربية العصرية، تكون الساحة الفنية قد فقدت صوتا رخيما واستثنائيا، تاركة وراءها إرثا فنيا ضخما سيظل موشوما في الذاكرة، ولاسيما أنها قدمت لعشاق الأغنية المغربية والمعجبين بها مسارا فنيا رائدا وعامرا بالعطاء السخي على مدى عقود، كما أنها اشتهرت ببحتها الذهبية وأدائها الراقي، ومن المؤكد أن أغانيها ستظل خالدة وسيحرص المغاربة على الاستمرار في ترديدها كلما ضاقت بهم الأرض مثل “جريت وجاريت” و”غاب علي لهلال” و”جاري يا جاري” و”راحلة” وغيرها من أغانيها ذات المستوى الرفيع. إذ أنه بالرغم من أن حالتها الصحية أبعدتها قبل رحيلها الأبدي عن الساحة الفنية لفترات متقطعة، فإن اسمها ظل لامعا في سماء الفن الأصيل ومحفورا في الوجدان المغربي وبقي صوتها حاضرا في الإذاعات والقنوات التلفزيونية الوطنية…
ولولا قيمتها الإنسانية الرفيعة وقامتها الغنائية الشامخة من حيث صوتها الدافئ وطريقة أدائها الفريدة، خاصة أنها استطاعت بمشاركتها في السهرات والمهرجانات والمناسبات الوطنية أن تخلد اسمها بمداد من ذهب وتبصم على مسيرة فنية رائعة تجاوزت حدود المغرب العربي ووصلت إلى المشرق العربي وبلدان الخليج، إذ كانت بحق سفيرة شرفية للأغنية المغربية عبر العالم، ما كان لكبار الشخصيات أن تتهافت على نعيها بأروع التعابير. وكما هي عادته في تكريم كبار الشخصيات السياسية والفنية والرياضية وغيرها، سارع ملك البلاد محمد السادس إلى تقديم تعازيه الحارة وأصدق مواساته لأفراد أسرتها، حيث أبى إلا أن يصف رحيلها بمثابة “خسارة ليس لأسرتها وحسب، وإنما للساحة الفنية الوطنية التي فقدت فيها نجمة من نجومها المتألقة التي سطعت في سماء الطرب المغربي لعقود، بما أبدعته بصوتها الشجي، وبحتها المتميزة، وحسها الفني المرهف، من درر غنائية ستظل خالدة في السجل الذهبي للأغنية المغربية، وفي وجدان جمهورها، المغربي والعربي، عشاق الأداء الراقي والرفيع”
فما لا يختلف حوله اثنان هو أن الراحلة نعيمة سميح شكلت بحق رمزا فنيا من الصعب أن يتكرر، حيث استمرت مسيرتها الغنائية المشرفة شلالا من الأعمال الخالدة لأكثر من خمسة عقود، مما بوأها مكانة متميزة ضمن كبار الفنانين المغاربة والعرب. وبهذا الرحيل المؤلم تفقد بلادنا قامة فنية أخرى، ظلت على مر الزمان أيقونة من أيقونات الفن الأصيل، وهو ما سيترك لا محالة فراغا كبيرا في مجال الطرب والغناء. وأمام هذا المصاب الجلل، لا يسعنا إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى العلي القدير، أن يتغمد الفقيدة بالمغفرة والرضوان، ويسكنها فسيح الجنان، ويلهمنا وذويها الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.