الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

سيد القمني.. وصناعة البطل المزيف!

بقلم أ.د. حلمي محمد القاعود

مات سيد القمني (1947- 2022م) وانتهت أسطورته الزائفة التي شارك في صنعها أكثر من طرف!
جعلوا منه بطلا في إعلان الكفر، وسبّ الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإهانة المسلمين، وتزوير التاريخ والشهادات الدراسية واحتقار الأمة الإسلامية، ولكن خبره انتهى في مساء الأحد 6 من فبراير 2022م، ولم يعرف الناس على وجه الدقة متى وأين دفن؟
لقد دفن في سرية بدون صلاة، كما طلبت نظيرته نوال السعداوي (1931- 2021م)، التي أوصت بعدم الصلاة عليها ولم يشر أهلها في نعيها إلى أي انتماء للإسلام أو الإيمان! ونقلت الأخبار صورة لعبارة بائسة على قبره المشيد عام ٢٠١٥ تقول: “إن الذين ماتوا قد نجوا من الحياة بأعجوبة!”.
كان نشر خبر وفاته لافتا، فقد وصفه صانعوه بالقامة التنويرية الشامخة، والمفكر المثير للجدل بأفكار تدعو للتجديد(!)، اتسمت بكثير من الجرأة، فهو معادٍ فكرياً لجميع جماعات الإسلام السياسي(!)، وعدّه بعضهم باحثاً في التاريخ الإسلامي من وجهة نظر ماركسية، في حين كان يعدّ نفسه من أتباع فكر المعتزلة، بالإضافة إلى أنه نادى بتغيير المناهج الدينية الإسلامية وخاصةً في المملكة العربية السعودية، وإمعانا في التدليس والتضليل، أضافوا إلى ذلك أنه ترعرع في بيئة متديّنة لأب أزهري يعمل بالتجارة، لنفي جريمة معاداته للإسلام والمسلمين، مع أن شقيقه عبد العال القمني تبرأ منه في عام 2012م بسبب انحرافه الديني، وأكد أنه منقطع عن عائلته منذ 15 عاماً!

ادعاء الدكتوراه

ولد القمني في قرية قمن العروس بمركز الواسطي بمحافظة بني سويف، وحصل على ليسانس الفلسفة من جامعة عين شمس1969م، وعمل مدرساً للفلسفة في المدارس الثانوية بمصر، ثم مدارس الكويت ، وادّعى أنه حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أمريكية في جنوب كاليفورنيا، وقيل إنه التحق لبعض الوقت بالجامعة اليسوعية في بيروت ليواصل دراسته العليا، ولكن الأخبار انقطعت بالنسبة لهذا الأمر، فلم نعلم لماذا وكيف انقطعت علاقته بهذه الجامعة التي تخرج منها عدد من خصوم الإسلام الموغلين في العداء للدين الحنيف وتاريخه وحضارته وفي مقدمتهم الشاعر الطائفي أدونيس؟!

تزوّج القمني من ابنة قيادة شيوعية مهمّة في مصر، وأنجب عدداً من البنات، ومارس الكتابة الصحفية في بعض الصحف والمجلات (خاصة اليسارية)، وتطاول في كتاباته على التشريع الإسلامي، والحضارة الإسلامية، وظهر على الشاشات من خلال بعض محاضراته ولقاءاته ليعلن أنه كافر!، وكان ذلك تتويجاً لمرحلة أنتج فيها مجموعة من الكتب تحمل سموماً وأكاذيب وأضاليل في التاريخ والسيرة والفقه والتوحيد وغيرها، منها:

كتب مسمومة

أهل الدين والديمقراطية: صدر 2005 – الجماعات الإسلامية رؤية من الداخل: صدر 2004 – الإسلاميات: صدر2001 – الإسرائيليات: صدر 2002 – “إسرائيل”، الثورة التاريخ التضليل: صدر 2000 – قصة الخلق: صدر 1999 – النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة: صدر 1999 – حروب دولة الرسول: صدر 1996 – النبي إبراهيم والتاريخ المجهول: صدر 1996 – السؤال الآخر: صدر 1998- صحوتنا لا بارك الله فيها : صدر 2007 – الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية: صدر 1996- الأسطورة والتراث: صدر 1999 رب الزمان: كتاب وملف القضية: صدر 1996 – رب الثورة.. أوزويريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة: صدر 1988 – شكرا بن لادن: صدر 2001 – انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح: صدر 2010الفاشيون والوطن: صدر 1999 العرب قبل الإسلام الدولة الإسلامية والخراب العاجل: صدر عام 2007الدولة الإسلامية للخلف در: صدر عام 2007الحجاب وقمة الـ 17: صدر عام 2007م.

عملية تغليف

وتحمل هذه الكتب في معظمها نظرة احتقار وازدراء للإسلام، وهي في مجملها مجرد عملية تغليف لآراء غلاة المستشرقين تجاه الإسلام والمسلمين! ويمكن لمن يتابع موضوعات هذه الكتب، وبعضها كتيبات، أن يدرك لأول وهله ما يشغل القمني من قضايا علمية وإنسانية في المجتمع الإسلامي، وهي بعيدة عن الواقع، والمجتمع المعاصر، وإن ارتدت ملابس العصرنة والتحديث، ويمكننا ببساطة شديدة أن نجد تلخيصا لها في محاضرته التي ألقاها في منظمة أدهوك بلندن 2016 تحت عنوان: “جذور وأسباب العنف الإسلامي.. العلمانية هي الحل”، وأهم نقاطها كما فرّغها من خلال فيلم مصوّر الأستاذ علي الهواري في جريدة النبأ بتاريخ 30يوليو 2016م:

إعلانه الكفر صراحة: أنا كافر يا أزهر.. ونفسي الاستعمار يجي (يأتي) مصر!
محمد قتل 860 بني آدم وطفلاً من بني قريظة في ليلة واحدة!
القبل والأحضان ليست حراماً في الإسلام.. وقتل غير المسلم أهم من الصلاة والصيام!
المسيحيون الشرقيون أصحاب الأرض (مصر والبلاد العربية) ويجب أن يقودوا المنطقة.
الإسلام يبيح للرجل في نهار رمضان قضاء شهوته في الفرد الذكر (اللواط)، أو بيد طفلة.
سأعمل على إعلان الأزهر منظمة إرهابية.
الخطر الحقيقي على العالم، هو الإسلام، ولابد من فرض العلمانية على المجتمع المصري لإنقاذه من الإسلام!
وحفلت محاضرة القمني بسخرية شديدة من الآيات القرآنية، ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يشير إلى أن الخطر الحقيقي على العالم هو الإسلام، حيث قال: “أنا هنا لتنبيه الإنسانية إلى خطر هائل يتمثل فيما نراه من حركات إرهابية إسلامية في العالم”.

وادعى أن: “الإسلام نشأ في منطقة من أفقر مناطق العالم، كان الناس يأكلون لحوم بعضهم، ويضاجعون الحيوانات، هذه البيئة أفرزت أكلة لحوم البشر، الأرض بالنسبة للبدو شيء لا قيمة له(!)، البدو هم الذين اخترعوا رب السماء حتى يصبح الوصول إليه مستحيلاً، ثم اختاروا شخصاً منهم – إشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم – يتحدث إلى رب السماء مباشرة، وإن محمداً بالنسبة لهم ليس بملك، وإنما هو الوسيط القائم بينهم وبين رب السماء!”.

زيدوا «الإسلاموفوبيا»

وحرّض القمني اتباعه والحاضرين، على المزيد من كراهية الإسلام ومقاومته، قائلاً: “من فضلكم زيدوا حقن “الإسلاموفوبيا” في العالم، من فضلكم عرفوا العالم أنه في خطر ساحق، وأي مسلم يعتقد أن دينه صالح لكل زمان ومكان فهو إرهابي بالضرورة، وأي مسلم يرى نفسه مختاراً من الله، وأن الجنة صنعت له وحده فهو إرهابي!”.

لم يترك القمني في محاضرته بالمركز المشتبه به تشريعاً أو قيمة إسلامية أو مفهوماً إسلامياً، إلا انتقده أو سخر منه أو حرض عليه، فالجهاد عند المسلمين من وجهة نظره مثلاً هو “الإيغال في قتل العدو”، و”كل الحور العين اللي (اللاتي) في الجنة لو اجتمعوا (اجتمعن) لن يساووا (لا يساوين) ذراع واحدة من الجالسات هنا”، وفي الوقت نفسه يشيد بالعلمانية التي “تعطى للمعتوه عقلاً، وتعطى للإنسان أملا في أن يكون صاحب رسالة” على حد زعمه.

ومن الطرائف التي تدل على قصوره العقلي والفكري ما حكاه عن الممثل الراحل “محمود الجندي” بنوع من السخرية والاستهزاء، فقد قال: “محمود الجندي صديقي، كان يأتي ليسهر معي في كل ليلة، ويشرب وينبسط(!)، وفي أحد الأيام ذهب إلى منزله فوجده مشتعلاً، واكتشف أن كتبي احترقت، والكتاب الوحيد الذى نجا هو المصحف، وعرف بعد ذلك أن الله أعطى له رسالة فاطمأن وذهب ليعبده!”، وتساءل: “كيف لإنسان مبدع أن يفعل ذلك؟!”.

لقد زعم القمني أن كل الأديان حلّت مشاكلها مع الحداثة إلا الإسلام؛ لأنه يرفض التخلي عن فكرة الصلاحية لكل زمان ومكان، زاعماً أن العلم هو الذي حل مشاكل البشرية وليس الأنبياء أو الرسل.. ويمكننا أن نرى مزيداً من الأفكار الضحلة والتحليلات السطحية التي وردت في المحاضرة المذكورة،

أفكار شاذة

هناك بعض النقاط الضرورية في مسيرة البطل المزيف الذي صنعه خصوم الأمة وأعداؤها لابد من الإشارة إليها، منها:

1-رؤيته لهزيمة يونية 1967م وانهيار الحلم الناصري العروبي كما يسميه في بناء دولة حديثة، ففي لقائه مع صحيفة “ميدل إيست تايمز” بتاريخ 10 نوفمبر 2004م، رأى أن جذور المشكلة لم تكن مجرد إخفاق عسكري فحسب، بل كانت متأصلة في الفكر الإسلامي وليس الفكر العروبي، فقد اعتبر أن الموروث الثقافي العربي تعود جذوره لتراكمات ثقافية وحضارية لشعوب سكنت منطقة الشرق الأوسط قبل الإسلام..! ولا أظن مثقفاً متوسط الثقافة يذهب إلى هذا الرأي الساذج الشاذ، الذي يتجاهل أن الديكتاتور الحاكم، ركز جهوده على محاربة الإسلام وعلمائه، وفرض اشتراكية زائفة خلقت طبقة من اللصوص الكبار أشد وحشية وقسوة من طبقة الإقطاعيين والرأسماليين التي قضى عليها بعد أن نعتها بأقذع الصفات، فضلاً عن اعتماده على التهويش والخطابة والأغاني، دون أن يبني جيشاً مقاتلا محترفاً يواجه الأعداء، وباعتراف أحد رفاقه وهو الماركسي خالد محيي الدين في كتابه “الآن أتكلم” أشار إلى أن الديكتاتور لم يكن مشغولاً أبدا بمواجهة العدو الصهيوني! لكن القمني يدلّس من أجل إهانة الإسلام والفكر الإسلامي، وتحميله خطايا المهزومين المستبدين.

2-تزييف شهادة الدكتوراه، وقد تناول الأمر جريدة “المصريون” وصديقنا الدكتور إبراهيم عوض بتفصيل مسهب، الذي كشف كيف دلّس وضلل، وادّعى أنه يحمل درجة الدكتوراه من جامعة أمريكية في جنوب كاليفورنيا، ثم اكتشف القوم أنها شهادة مزيفة مقابل مائتي دولار، يصدرها مكتب نصب واحتيال، وقد أمرت السلطات الأمريكية بإغلاق المكتب المذكور، وسجن أصحابه، ولم يملك سيد القمني بعد محاصرته إعلامياً ووثائقياً إلا الاعتراف بالتزوير وأنه غرّر به!

3-ويرتبط بتزوير الشهادات والتدليس الكتابي، فبركته لأخبار كاذبة، حول تهديده بالقتل، وتلقيه رسائل من المتطرفين المسلمين تتوعده بالتصفية، فيعلن توبته واعتزاله للكتابة، ولكنه لا يلبث أن يعود بعد أن حقق ضجة مثيرة جعلت الحكومة تخصص له حراسة، ومن ثم وجد فرصته الذهبية في الظهور على شاشات التلفزة، والكتابة من جديد في المجلات، والتعاقد مع دور نشر تبغي التجارة من خلال الإثارة..

وقد لاحظت أن دار نشر عربية ممولة أمريكياً، ولها موقع إلكتروني مهم تعاقدت معه على نشر غثائه الفكري المعادي للإسلام (وهي تدفع مقابلاً كبيراً)، بينما لا تسمح بالرد على أكاذيبه وأباطيله!

4-من المفارقات أن من صنعوه منحوه جائزة الدولة التقديرية في الدراسات الإسلامية مكايدة للمسلمين، وهو الذي لم يتوضأ أو يسجد لله، وحرموا كثيرين ممن يستحقونها، وفي الوقت نفسه أرسلوا رسالة ضمنية إلى من يعنيهم الأمر في الغرب والجهات الدولية الأخرى بأنهم سائرون على النهج المطلوب في محاربة الإسلام.. وقد استفزّ ذلك بعض الغيورين فرفعوا دعوى أمام القضاء لسحب الجائزة منه، وذكر تقرير «هيئة مفوضي الدولة» أن إبداعات الكاتب الفكرية خالفت القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وشككت في نسب بعض الأنبياء وتطاولت بالازدراء ببعضهم الآخر، وتطاولت بالألفاظ على الذات الإلهية، وأكد التقرير أن جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية وما تمنحه من مقابل مادي مقرر من أموال الشعب ودافعي الضرائب، لا من أحد رجال الأعمال على سبيل المنحة، وبالتالي فإن من حق هذا الشعب ألا تهدر أمواله على من لا يستحقها بدلاً من انتفاعهم بها في صورة خدمات عامة، وما إلى ذلك من أوجه مشروعة، بعيدة كل البعد عن المارقين عن أحكام الله وتعاليمه».

وبالطبع هاج اليساريون والملحدون وخصوم الإسلام وماجوا، وزعم القمني أنه «ليس في مقدور أحد سحب الجائزة مني، وتقرير هيئة مفوضي الدولة لا يعنيني»، مما يشير إلى أن هناك من يقفون وراءه!

كعبة سيناء

5-كان من أكثر تصريحات القمني غرابة اقتراحه بناء كعبة في سيناء من أجل تأدية شعائر الحج بدلاً من السفر إلى أرض الحرمين، وعلّل اقتراحه بأسباب واهية ساذجة، منها أن تنفيذ هذه الفكرة ستعمل على تحسين الوضع الاقتصادي لجمهورية مصر العربية!
6-لقد كان آخر ما نشره سيد القمني قبل وفاته فيديو لأب فلسطيني يقف بجوار ابنه الشهيد مع علم فلسطين، مواجهًا قوات الاحتلال الصهيوني، فعدّ ذلك تضحية بالابن من أجل أن يلتقط صورة يكسب بها تعاطف العالم معه ومع القضية الفلسطينية! وخاطبه قائلاً: ما أحقر أن تعرض ابنك للقتل لكسب التعاطف! هكذا يفكر سيد القمني، البطل المزيف، فيحتقر الشهادة من أجل الوطن، ويختزل الجهاد الفلسطيني إلى مجرد صورة في مواجهة العدو الصهيوني! فهل مثل سيد القمني يقف موقفاً وطنياً عروبياً ضد الغزاة الصهاينة؟
بعد ذلك كله:
يدلس علينا صانعوه ورفاقه بأن حالة من الحزن عمت الوسط الثقافي بعد خبر وفاته، وتجاهلوا رد الفعل الشعبي الكاسح الذي عبر عن رفضه للبطل المزيف وسلوكه ومنهجه وكتاباته فور نشر خبره، وهو ما فسره شركاؤه في التآمر ضد الإسلام والحرية بالتشوه الرهيب في تديّن الجماعات التي تسمى نفسها إسلامية في الشماتة أو السب والقذف.. وعدم قبول الاختلاف.. ولو كان بيدهم الأمر لكان استخدامهم للقتل والتصفية أسهل شيء لديهم!.. لقد تجاهل هؤلاء الشركاء أن بطلهم المزيف كان يهين عقيدة المسلمين وأنبياءهم وتاريخهم وحضارتهم بفجاجة غير مسبوقة وبذاءة لا تليق بكاتب، المسألة ليست قاصرة على جماعة هنا أو هناك، بل تعني أمة من المحيط إلى المحيط، تعرضت للازدراء والاحتقار من شخص لا يمت للعلم بصلة، ولا يملك أدوات البحث العلمي، وإنما يعبر عن نزق جاهل، وفكر دميم، وتحد صارخ.. هل كان يستطيع أن يشير بكلمة انتقاد لدين آخر غير الإسلام؟ لا ريب أنه لا يستطيع هو ولا أشياعه ولا صناع بطولته الزائفة!

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *