بقلم : د حمدي بشير .
عن موقع : الحائط العربي.
أصدر مجلس الأمن والسلم الإفريقي، في الثالث من فبراير الجاري، بياناً جديداً تعليقاً على التطورات السياسية في السودان، حيث أعرب المجلس عن عزم الاتحاد الإفريقي مواصلة الانخراط والتشاور مع السودان، في كل ما من شأنه العمل على تعزيز الجهود الرامية إلى استعادة السلام والوئام والاستقرار والتعافي الاقتصادي في السودان. وهو ما يثير التساؤلات حول دوافع المجلس لتعزيز انخراطه في الأزمة السودانية.
اتخذ المجلس منذ سقوط نظام البشير وبداية المرحلة الانتقالية عدداً من الإجراءات لدفع الأطراف في السودان باتجاه الاتفاق على إدارة المرحلة الانتقالية. وبعد اتخاذ الفريق عبدالفتاح البرهان إجراءات بحل الحكومة الانتقالية وفرض حالة الطوارئ في 25 أكتوبر الماضي، أعلن المجلس تعليق عضوية السودان، وعَقَدَ عدداً من الجلسات الاستثنائية لمناقشة الوضع في السودان. وبعد استقالة عبدالله حمدوك أرسل الاتحاد الإفريقي مبعوثاً خاصاً لاقتراح حلول للأزمة السودانية، وأعلن الاتحاد أنه سيشكل آلية لمتابعة الوضع في السودان، وأصدر عدداً من البيانات التي تدعو المجلس السيادي إلى تعيين حكومة جديدة، وهدد بفرض عقوبات جديدة في حال عدم الالتزام باتفاقات المرحلة الانتقالية، بما في ذلك الوثيقة الدستورية التي وقّعت عليها الأطراف السودانية عام 2019.
دوافع محركة
ثمة تحركٌ متنامٍ من مجلس السلم والأمن للانخراط في الأزمة السودانية، وهو ما يمكن تفسيره من خلال أسباب عدة، من أهمها:
1- مواكبة تعدد المبادرات الإقليمية والدولية: حيث طرحت حتى الآن ست مبادرات دولية وإقليمية ومحلية، وخاصة المبادرة الأممية برعاية بعثة “يونيتامس”، إضافة لما طرحته “الإيجاد” و”جوبا” و”مدراء الجامعات” وحزب “الأمة القومي” لإنهاء الأزمة. لذلك يسعى المجلس إلى تعزيز حضوره وتأكيد دوره في حماية الأمن والسلم الإفريقي، وخاصة بعد دخول أطراف دولية وإقليمية مؤثرة لحل الأزمة السياسية في البلاد من دون تنسيق مع الاتحاد الإفريقي. ناهيك عن استقالة عبدالله حمدوك وخروجه من الاتفاق السياسي الذي أُبرم بين البرهان وحمدوك في 21 نوفمبر الماضي، وهو ما يدفع الاتحاد إلى تطوير مواقفه للحيلولة دون تطور الأزمة ما بعد رحيل حمدوك. ولذلك عقد المجلس عدة جلسات، وأصدر عدة بيانات بشأن الأزمة السودانية خلال يناير الماضي وفبراير الجاري. كما أكد المجلس على أنه يحيط علماً بمبادرة بعثة الأمم المتحدة “يونيتامس” التي تؤكد على ضرورة قيام الاتحاد الإفريقي بتنسيق جهود المجتمع الدولي في السودان من أجل حل الأزمة في السودان.
2- ممارسة الضغوط على المكون العسكري للالتزام بالمعايير الديمقراطية: حيث اتجه الاتحاد الإفريقي منذ صدور قرارات البرهان في 25 أكتوبر إلى تكثيف ضغوطه السياسية على المكون العسكري من أجل الالتزام بالوثيقة الدستورية، ولا سيما تعليق عضوية السودان وعدم مشاركته في كل أنشطة الاتحاد، واعتبار هذه القرارات بمثابة انقلاب يخالف المعايير الديمقراطية للاتحاد. وأعرب مجلس الأمن والسلم -في بيانٍ له- عن أن قراره يتماشى مع البروتوكول المتعلق بإنشاء المجلس، والميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم.
بينما دعا المجلس في بيان آخر في فبراير الجاري إلى إجراء تحقيق فوري ومستقل وشفاف وفعال في الانتهاكات والتجاوزات المزعومة التي ارتكبت منذ الـ25 من أكتوبر الماضي. وأشار البيان إلى أنه قرر إيفاد بعثة إلى السودان على الفور للمشاركة مع السلطات وأصحاب المصلحة الآخرين بهدف تيسير ودعم عملية الانتقال الجارية، وتقديم تقرير عن ذلك. وشدد البيان على الأهمية الأساسية للتنفيذ الفعال للإعلان الدستوري الصادر في أغسطس 2019، واتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر الماضي. وأكد على أهمية الإسراع بتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي ومؤسسات الحكم والرقابة الأخرى المنصوص عليها في الإعلان الدستوري.
كماوصل المبعوث الإفريقي مفوض السلم والأمن، أديوي بانكولي، إلى السودان، في 15 يناير الماضي، وسلم رسالة إلى عبدالفتاح البرهان من رئيس الاتحاد موسى فكي تتضمن رؤية الاتحاد لمعالجة الأزمة. وبدوره، أكد المبعوث الإفريقي استعداد الاتحاد الإفريقي لدعم التوافق السياسي بين كافة الأطراف السياسية السودانية. وأعرب بانكولي عن قلق الاتحاد الإفريقي تجاه الأوضاع التي يمر بها السودان باعتباره دولة مؤسسة للاتحاد، مشيراً إلى “التزام الاتحاد باحترام سيادة السودان”.
ولفت المبعوث الإفريقي إلى “حرص الاتحاد على التواصل مع جميع الشركاء الدوليين والمجتمع الدولي للوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية في البلاد من دون تجاوز دور الاتحاد الإفريقي في هذا الصدد”. ودعا بيان المجلس في 3 فبراير الجاري إلى حوار لا يستثني أحداً، وإلى إجراء انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية، كما رحب بتعيين حكومة تكنوقراط مدنية، ودعا إلى إكمال هياكل الفترة الانتقالية. كما دعا جميع أصحاب المصلحة السودانيين إلى إظهار التزامهم الراسخ بالحوار وحل الخلافات سلمياً. ورحب بالإفراج عن بعض أعضاء مجلس الوزراء المنحل وبعض القادة السياسيين، داعياً السلطات السودانية إلى الإفراج غير المشروط عن جميع القادة السياسيين المتبقين.
3- اتخاذ خطوات استباقية لمنع سيطرة الجيش على السلطة: وهو أمر وارد، وقد تعرضت المرحلة الانتقالية لمحاولة فاشلة من قبل المؤسسة العسكرية للسيطرة على السلطة، وهو ما يُهدّد اتفاق أبوجا للسلام الموقّع بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، ويُنذر بدخول السودان في مرحلة من عدم الاستقرار. وبلا شك فإن مزيداً من عدم الاستقرار في السودان سوف يلقي بأعباء جديدة على مجلس السلم والأمن الإفريقي، بسبب ما تفرضه الأوضاع الإقليمية والحالة الأمنية في كثير من مناطق القارة، ولا سيما تصاعد وتيرة الانقلابات العسكرية، وعلى المجلس ضرورة التحرك واتخاذ خطوات حاسمة ورادعة لمنع تزايد الظاهرة ومحاصرتها، إيماناً بدوره كإحدى مؤسسات الاتحاد الإفريقي المسؤولة عن حفظ الأمن في القارة، وإدراكاً لخطورة انهيار المرحلة الانتقالية في السودان وتداعياتها المحتملة على منطقة القرن الإفريقي التي تواجه بحالة من عدم الاستقرار نتيجة الأزمة الإثيوبية واستمرار العمليات الإرهابية التي تضرب بقوة وتهز أمن المنطقة.
تحديات ضاغطة
برغم الإجراءات التي اتخذها المجلس لدفع العملية الانتقالية في السودان باتجاه عقد انتخابات رئاسية وتشريعية، فإنّ قدرة مجلس السلم والأمن الإفريقي على القيام بدور فاعل ومؤثر تجاه الأزمة السودانية، لا يزال يواجه بالعديد من التحديات التي يمكن إيجازها فيما يلي:
1- تعدد الملفات المدرجة على أجندة مجلس السلم والأمن الإفريقي، ولا سيما الملفات المرتبطة بقضايا الأمن في القارة، والمتوقع إدراجها على طاولة القادة الأفارقة خلال القمة الخامسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي والتي تنعقد خلال الخامس والسادس من فبراير الجاري. ويأتي على رأس هذه الملفات وتلك القضايا الأزمة السياسية في ليبيا وإثيوبيا، وأزمة سد النهضة الإثيوبي، فضلاً عن الأوضاع في السودان. ناهيك عن تصاعد موجة الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا، حيث شهدت القارة تغير الحكم في أربع دول إفريقية هي تشاد ومالي وغينيا كوناكري وبوركينافاسو عن طريق تدخل المؤسسة العسكرية. كما يواجه الاتحاد الإفريقي أيضاً تحدي تنامي مخاطر تمدد التنظيمات الإرهابية المنتشرة في العديد من المناطق والدول، ولا سيما منطقة الساحل الإفريقي وشرق إفريقيا وموزمبيق والكونغو الديمقراطية. ويُضاف إلى ما سبق التحديات التي تفرضها أزمة كورونا وتداعياتها المحتملة على أمن واستقرار العديد من الدول الإفريقية.
2- توفير الموارد المالية وتزايد الخلافات داخل الاتحاد الإفريقي: فهناك إشكالية التمويل اللازم لتمويل عمليات ومهام المجلس، ومؤسساته، إذ لا تلتزم العديد من الدول الأعضاء بدفع مساهماتها في ميزانية الاتحاد العادية. ويقدر أن الاتحاد الإفريقي يحتاج إلى حوالي 200 مليون دولار سنوياً. ويضاف إلى ذلك الخلافات البينية بين الدول الأعضاء، وضعف الإرادة السياسية لدى هذه الدول لتجاوز هذه الخلافات، وهو ما أسهم بشكل مطرد في تعقد الأزمات في القارة، وفي بعض الأحيان تصعيدها إلى حروب. إضافة إلى ارتباط بعض الدول بأجندات خارجية. وما من شك في أن الخلافات بين الدول الأعضاء تؤثر بدرجة أكبر على جهود تسوية الأزمات والنزاعات، ناهيك عن ضعف التنسيق مع الجهود الإفريقية وتعدد المبادرات داخل القارة، مما يزيد من التزامات الدول المالية والبشرية، الأمر الذي يجعل المجلس يعاني من صعوبات مالية.
3- تزايد التدخلات الدولية في مسار الأزمات داخل الدول الإفريقية: حيث يواجه المجلس دائماً بالعامل الدولي الذي يفرض تأثيره دائماً في معظم الصراعات والأزمات الداخلية والإقليمية في القارة الإفريقية، حيث تسعى هذه القوى الخارجية لحماية مصالحها، ولكنها -في الوقت ذاته- تتنافس فيما بينها بشكل يدفعها للتدخل في الشؤون السياسية للدول الأعضاء، وهذا التنافس غالباً ما يعوق قدرة الاتحاد الإفريقي ومؤسساته على القيام بدور فاعل تجاه الأزمات السياسية في القارة، ومنها الأزمة السودانية.
4- عدم الثقة المتبادلة بين أطراف الأزمة السودانية: حيث يرى كل طرف أن الطرف الآخر يسعى من أجل السيطرة على السلطة وإزاحته من المشهد، وهذا بلا شك يفرض تحديات على جهود التسوية السياسية، وهو ما يضاعف من التحديات التي تعرقل دور مجلس الأمن والسلم الإفريقي.
نافذة فرصة
وإجمالاً، يمكن القول إن ثمة دوافع عدة تدفع مجلس السلم والأمن الإفريقي لتعزيز انخراطه في الأزمة السودانية، والاعتماد على نهج يجمع بين ممارسة الضغوط والدعم السياسي، واتخاذ خطوات استباقية لمنع انزلاق السودان إلى الفوضى. وبرغم التحديات التي تواجه الاتحاد الإفريقي لفرض تسوية سياسية للأزمة السودانية عبر مختلف أجهزته السياسية والأمنية، بما في ذلك مجلس الأمن والسلم الإفريقي، فلا تزال أمامه فرص لم يستغلها بشكل جيد، لا سيما أنه لا ينطلق من مصالح خاصة مقارنة بالقوى
الخارجية. ولا يزال مجلس السلم والأمن الإفريقي يمثل آلية مهمة لتوحيد الجهود للوصول إلى سياسة أمنية مشتركة في ظل تنامي مخاطر التهديدات الداخلية والخارجية لأمن واستقرار الدول الأعضاء.