بقلم ابو ايوب
هكذا هو نهج الولايات المتحدة الامريكية في التعامل مع الملفات و الازمات الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، و قد بدى هذا النهج اكثر وضوحا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي و اندثار حلف وارسو بداية تسعينيات القرن الماضي . أمريكا تتعهد و لا تفي بوعودها و لا تحترم عهودها ( سنة 91 تعهدت بعدم توسع حلف الاطلسي ليشمل دول اوروبا الشرقية ، لكنها سرعان ما تنصلت مما وقعت عليه لتبادر تدريجيا الى استقطاب الدول الشرقية لعضوية حلف شمال الاطلسي ، مستغلة وهن روسيا تحت حكم السكير العربيد بوريس يلتسين ).
اليوم يمكن الجزم بانقلاب السحر على الساحر ، حيث تبدو امريكا عاجزة عن مواكبة التطورات و المتغيرات على الساحة الدولية ، بالتالي يمكن القول ببداية تحلل أسس نهجها السياسي و خفوث دورها المالي و الاقتصادي و تلاشي سيطرتها و نفوذها على الصعيد العالمي ، هروبها من افغانستان و عجزها في مواجهة ايران و اخفاقها في حصار كوبا و فنيزويلا فضلا عن فشلها في كبح جماح كوريا الشمالية من ضمن ملفات دولية شائكة اخرى ، وضع بمثابة عربون على بداية حقبة الانعزالية و الانكماش ( أمريكا تعيش اليوم انقساما خطيرا بين مختلف مكونات و فئات الشعب الامريكي ، وضع خطير يزداد سوءا على ضوء تنامي الحركات العنصرية و تمرد بعض الولايات الجنوبية على السلطات الاتحادية ، كما علينا ان نستذكر الهجوم على الكونغريس مثالا لا حصرا).
الوضع الأمريكي الحالي الهش و المأزوم تتشكل عبره بكل تأكيد بوادر ميلاد عالم جديد على حساب المنظومة الغربية في شموليتها ، و أول القرابين بريطانيا بعد ازمة البريكسيت ، ثم فرنسا على ضوء أفول نجمها افريقيا ، و البقية كاسبانيا و بلجيكا و هولندا و دول اوروبا الشرقية في الطريق ، أما المانيا و ايطاليا و الدول الاسكندنافية فمن شبه المؤكد اعتبارها صامدة في وجه المتغيرات و سرعان ما ستتعافى من تداعيات الأزمة العالمية و اخص بالذكر تبعات الازمة الأوكرانية .
سواء طال امد الحرب بأوكرانيا او قصر ..روسيا فازت على الأطلسي المأزوم و أمريكا المتخبطة ، مرد النصر هذا كون الحرب جيوسياسية و ليست حربا تقليدية احتلالية توسعية ، فضلا عن كونها حربا طاقوية اقتصادية بامتياز الغاز و الغذاء عنوانها الابرز..كيف ذلك ؟. هناك متغيرات اساسية ذات بعد جيوستراتيجي يجب التوقف عندها لاستخلاص ما يجب استخلاصه من دروس و عبر .
* العملة الروسية الروبل تتعافى بسرعة و قد عادت بقوة لتتصدر المعاملات التجارية الدولية ، و هي المرة الأولى في تاريخ روسيا الاتحادية و في العالم المعاصر ( أثمنة الغاز و الحبوب تؤدى بالروبل او بالذهب كما اشترط القيصر رغم الرفض الغربي لهذه الخطوة).
* بورصة موسكو تعافت بشكل سريع و عادت لنشاطها الطبيعي المعتاد عكس التوقعات الامريكية .
* روسيا تؤكد لزبنائها استمرار تدفق شحنات القمح و الغاز و انها لن تتوقف رغم الحرب بأوكرانيا ، و هذا ما يجعل منها شريك موثوق فيه .
* الرئيس الفرنسي ماكرون يصرح علنا بأن قرار مقاطعة المنتجات الروسية هو امر متروك للشركات الفرنسية و ان فرنسا كدولة ليست بوارد المشاركة في المقاطعة .
* انتعاش الاقتصاد الروسي في ظل الحرب جعل من مصر و المغرب و عديد الدول الصديقة لروسيا قبلة للسياح الروس ( طائرات روسية شوهدت بمطار اكادير ).
* رفض عدة دول وازنة عربية افريقية آسيوية على رأسها الصين و الهند لمجمل السياسات الامريكية .
* رفض منظمة أوبك للدول المنتجة و المصدرة للنفط زيادة الانتاج و اغراق السوق الدولية بحسب الرغبة الامريكية .
* فشل المخطط الامريكي الأطلسي و عدم تحقق توقعات امريكية في نشوب ثورة داخلية او انقلاب على بوتين او على الأقل حدوث قلاقل اجتماعية بالداخل.
على ضوء كل هذه الحقائق و في ظل معطيات الميدان الأوكراني ، أصبح بمقدوري اليوم الجزم بتراجع الهيمنة الأمريكية عبر العالم ، و بداية تفكك قبضتها العسكرية السياسية الاقتصادية على ادواتها الغربية و العربية على حد سواء ، و بقدر ما هو ترهل نفوذ و تهلهل قوة ( ثلاق قمم عقدت في يوم واحد بمشاركة بايدن ” قمة السبع/ قمة الاطلسي/ قمة الاتحاد الأوروبي” ليتمخض الجبل و يلد فأرا مثالا لا حصرا ، بقدر ما هو ترحال من قطبية أحادية الى قطبية ثلاثية الابعاد متوازنة عمادها روسيا و الصين ….و هكذا تصدق بعض من تنبؤات كتاب صدر ثمانينيات القرن الماضي تحت عنوان Quand la CHINE s’ éveillera le MONDE tremblera ، و هي اليوم بصدد غزو العالم اقتصاديا عبر مشروع طريق و حزام .