بقلم أبو ايوب
زيارة انتوني بلينكن كاتب الدولة في الخارجية الامريكية اليوم للجزائر قادما اليها من المغرب ، لم تحظى بتشريف الاستقبال بالمطار رغم كونها زيارة رسمية معلن عنها سابقا ، حيث وجد الوزير الامريكي في استقباله السفيرة الامريكية و الوفد المرافق لها لا غير، و هذا ما يعطي الانطباع بسوء الفهم الذي يعتري العلاقات الثنائية بين البلدين .
في معرض ندوته الصحفية بمقر سفارة بلاده بالعاصمة الجزائر ، تحدث باسهاب كاتب الدولة في الخارجية عن لقائين جمعاه بكل من نظيره الجزائري رمطان لعمامرة بمقر وزارة الخارجية الجزائرية ، و لقاءه بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ، ندوة خصصها للعلاقات المتميزة التي تجمع البلدين ، كما تطرق ايضا الى موضوع الساعة مشيرا الى الحرب الروسية الاوكرانية التي اعتبرها خرقا للقانون الدولي و لميثاق الأمم المتحدة ، و بأن امريكا تسعى دائما للحفاظ على الامن و السلم الدوليين و نشر قيم الديموقراطية و حقوق الانسان و التعايش السلمي بين الاديان و الحرب على الارهاب .
و عن سؤالين لصحافيين احدهما امريكي و الثاني يبدو عليه انه عربي بحسب لكنته ، تطرقا من خلالهما عن ازدواجية الموقف الامريكي مما يقع بفلسطين و الجولان و هل هذا لا يعد هذا خرقا سافرا للقانون الدولي و لميثاق الامم المتحدة ، ثم اردف سؤال ثان عن الموقف الامريكي من نزاع الصحراء الغربية و هل ادارة بايدن لا زالت متمسكة ببيان ترامب ، فكان الجواب ان امريكا متمسكة بمساعي الامم المتحدة و المبعوث ديميستورا من اجل ايجاد حل سياسي ديبلوماسي للنزاع بين المغرب و الصحراء الغربية بحسب تصريحه .
المغيب المخفي من زيارة بلينكن للجزائر بحسب الخبراء و المحللين الدوليين ، الالحاح الامريكي لمعرفة الموقف الجزائري من انشاء قاعدة عسكرية اسرائيلية بالمغرب ، ثم الطلب من الجزائر الكف عن منح تسهيلات للاسطول الروسي بالابيض المتوسط ( ميناء العاصمة/ القاعدة العسكرية البحرية بوهران) ، لا سيما بعد الحدث الذي عرفته مياه الابيض المتوسط ليلة 25 مارس الجاري ، بعدما تحرش الاسطول الروسي بما فيها غواصات كيلو او الثقب الاسود بحاملتي الطائرات الامريكية هاري ترومان و الفرنسية شارل ديغول قبالة جزيرة كريت و بالمياه الدولية .
بحسب مصادر موثوقة ، حاملتي الطائرات كانتا بصدد توجيه ضربات عسكرية لسوريا ، فيما التحرش الروسي و لجوءه الى الحرب الالكترونية و التشويش اجهض المحاولة و افقدها عنصر المفاجأة ، لتصبح نتيجة الحدث تثبيث للتواجد العسكري شرق و غرب الابيض المتوسط ( قاعدة طرطوس البحرية بسوريا/ التسهيلات الجزائرية للاسطول الروسي بمينائي الجزائر العاصمة و وهران ) . كما ذهب البعض الى حجم الضغوط الامريكية على الجزائر لاعادة العمل بانبوب المغرب العربي الذي ينقل الغاز الجزائري عبر المغرب نحو اسبانيا و البرتغال و الرفع من الانتاج و التصدير ، في محاولة منه لتنفيس ازمة الطاقة التي تعصف باوروبا
كما اشارت نفس المصادر الى ان زيارة بلينكن للجزائر لم تحقق اي هدف يذكر ، رغم اشادة بلينكن بالدور المحوري الذي تلعبه الجزائر في الجوار الاقليمي و الحرب على الارهاب ، اما بخصوص القاعدة العسكرية الاسرائيلية المزمع انشاءها بالمغرب ، لم تبدي الجزائر اي موقف مفضلة سياسة الغموض و عدم الكشف عن اوراقها محتفظة لنفسها بعنصر المفاجأة ، و فيما يتعلق باعادة الحياة لانبوب المغرب العربي كان الرفض المطلق سيد الموقف ، لا سيما بعد التطورات الاخيرة في موقف بيدرو سانشيز من قضية الصحراء و اعلان دعمه للمقترح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي تحت السيادة المغربية .
الجزائر اليوم تمعن في ضغوطها على رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز من اجل تراجعه عن موقفه الاخير ، ضغوط تنضاف لأخرى من قبيل اجماع اعضاءالكورتيس ( البرلمان الاسباني)، و الاحزاب السياسية من يمين و وسط و يسار بمختلف تلاوينها بما فيها الحزب الاشتراكي نفسه، و الحكومات المستقلة لجزر البليار و ارخبيل جزر الكناري ….، و منظمات المجتمع المدني و اكثر من 500 استاذ جامعي متخصصين في القانون و العلاقات الدولية .
كل هذا الطيف اجمع على رفض الخطوة التي اقدم عليها سانشيز بل اعتبروها خطوة تعبر عن موقفه الشخصي و ليست باسم الحكومة الائتلافية التي يقودها ، فيما ذهب البعض الى اعتبارها رضوخا و استسلاما للابتزاز المغربي بحسب تصريح لرئيس الحكومة الاسبق اليميني خوصي ماريا ازنار ، فضلا عما قام به البرلمان من استدعاء كل من رئيس الحكومة سانشيز و وزيره في الخارجية خوصي مانويل الباريس ، من اجل توضيح موقفهما المعلن في جلسة عقدت بحر الاسبوع الجاري ، طالب خلالها نواب الكورتيس من وزير الخارجية استشارة المجلس قبل الاقدام على زيارة المغرب المرتقبة بداية ابريل .
موقف سانشيز جر عليه وابلا من السخط في الاوساط الحزبية و السياسية و الاعلام الاسباني ، كما حرمه من امتياز عبور الغاز النيجيري نحو اوروبا عبر اسبانيا ، و هي الخطوة التي ستقدم عليها الجزائر بعدما لمحت الى ايطاليا كبلد مرشح للحلول مكان اسبانيا ، بالتالي هو وضع غير مريح و لا يحسد عليه و يعد بمثابة رصاصة الرحمة على مستقبله السياسي ، يذكرني هذا بوضع دونالد ترامب عندما اعترف في تدوينته الشهيرة بسيادة المغرب على الصحراء في اخر عهدته ، كما أود استذكار حقيقة ترامب الذي باع لنا العجل و قبض الثمن ثم راح .
حقيقة يشخصها موقف الادارة الحالية و تجسدها تصريحات كل من وزير الدفاع ( مناورات الاسد الافريقي لن تشمل اراضي الصحراء المتنازع عليها/ و وزير الخارجية يؤيد حلا سياسيا بتوافق طرفي النزاع المغرب و الصحراء الغربية وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة كما جاء على لسانه في ندوته الصحافية بمقر سفارة بلاده بالعاصمة الجزائر ) ، دليلي في هذا ان ادارة بايدن لم تقو على مسايرة موقف ترامب و لم تجمده او تتراجع عنه مكتفية بموقف ضبابي هلامي قابل للتأويل بحسب الاهواء ، و اليوم بيدرو سانشيز باع لنا العجلة و قبض الثمن و سيروح بكل تأكيد كما راح ترامب .
و يبقى السؤال مطروحا عن الثمن الذي قبضه لقاء خروجه من المنطقة الرمادية ! أوليست الاتفاقيات الدولية اخذ و عطاء ؟ بلى و لكن ليطمئن قلبي ، بالتالي ما الذي قدمه المغرب ؟. البعض قال بتنازل المغرب نهائيا عن المطالبة بسبتة و مليلية و الجزر التي تحتلها اسبانيا ، فيما ذهب اخرون الى القول بان المغرب القوة الاقليمية استطاع لي ذراع اسبانيا كما لوى ذراع المانيا قبلها ، و على ضوء تضارب الاقوال و التصريحات و في ظل غياب اي بلاغ رسمي حكومي ينهي اللغط هذا ، يبقى السؤال مطروحا عن الثمن المقدم مقابل الدعم السانشيزي للمقترح المغربي !