بقلم ابو ايوب
التراكمات الكمية تفرز بالضرورة الانتقال النوعي ، نظرية علم الاجتماع هذه طبقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحذافيرها منذ توليه السلطة في صراعه مع الغرب ، بعدما ترسخ لديه اعتقاد بأن القوة الاقتصادية ( الفلاحة. الطاقة. صادرات الاسلحة…..) وحدها لا تكفي لحفظ السيادة و استقلالية القرار السياسي السيادي ، اذ لا بد من قوة عسكرية ضاربة تؤمن المصالح و تفرض احترام المواقف الند للند ، سعيا لمحاصرة الحصار الغربي الاطلسي و وخزه في خاصرته الرخوة شمال و جنوب اوروبا و الابيض المتوسط.
و هذا ما سعى اليه منذ البداية حيث تمكن من تطوير المقدرات التسليحية الدفاعية و الهجومية على حد سواء و بتكلفة اقل ، مرتكزا على الصناعات الصاروخية الباليستية( كاليبر المجنحة تطلق من الغواصات و البوارج الحربية . اسكندر إم وهي صواريخ جد دقيقة يفوق مداها 500 كلم/ ص.العابرة للقارات…)، فضلا عن الدفاعات الجوية ضد كل الاهداف الطائرة من قبيل صواريخ ( الاس300/350/400/500 مثال) .
و لتعزيز قدرات الردع الاستراتيجي ارتكز على سلاح الغواصات و الاسطول البحري من فرقاطات و مدمرات….. ، في الوقت الذي سعى فيه الغرب الى جر روسيا لسباق تسلح باهض التكلفة ( صناعة حاملات الطائرات كما هو الشان بالنسبة لامريكا.فرنسا.بريطانيا مثال) ، بحيث كان الهدف المنشود استنزاف القدرة الاقتصادية لروسيا بعدما توسع حلف الاطلسي شرقا ليشمل رومانيا.بولندا…….فيما يشبه طوق حصار ، و باستنزافها لعدم قدرتها على المجاراة تنهار القوة العسكرية و يتلاشى معها الردع و الندية.
مع بداية الحرب الروسية الاوكرانية عمد بوتين الى استهداف المواقع العسكرية الاستراتيجية و الحساسة الاوكرانية بصواريخ كاليبر و اسكند ام الاكثر دقة و الاكثر تدميرا في العالم بشهادة الغرب ( تدميرالقواعد الجوية و تحييد سلاح الجو/ قواعد سلاح البر ما دفع بالجيش الى الانتشار بالمدن. استهداف الموانئ بالبحر الاسود و بحر ازوف التي انتهت بتدمير الاسطول الحربي لاوكرانيا. استهداف السدود كما حصل للسد الذي يغذي جزيرة القرم بالمياه لفك الحصار المائي الذي كان مفروضا على الجزيرة بعدما ضمتها روسيا . مخازن الوقود…)، فضلا عن تدمير مقرات للمخابرات الغربية تستر عنها حلف الاطلسي من بين ما شملت ، موقعا بريطانيا و آخر فرنسيا و اسقاط مروحية فرنسية كان على مثنها ضابطي مخابرات قتلا في الحادث .
القوة التدميرية و الاستهداف الدقيق لصواريخ كاليبر و اسكندر ام للقواعد الجوية/البرية/ البحرية و المراكز الحساسة و الحيوية كما جرى باوكرانيا ، قد تصلح كعنوان للسيناريو المحتمل تجسيده في المناورات العسكرية المشتركة الروسية الجزائرية المرتقبة الخريف القادم بالقاعدة الجوية الصاروخية ( حماقير ) بمنطقة بشار جنوب غرب الجزائر و على مقربة من الحدود الشرقية للمغرب. مناورات ذات حمولة جيوستراتيجية رباعية الابعاد( جغرافيا/سياسيا/ تاريخيا/عسكريا) في الزمكان المناطقي( الفضاء المغاربي.جنوب اوروبا) و بما يشمل القارة السوداء كذلك( اكثرية الدول الافريقية نأت بنفسها عن العقوبات الغربية ضد روسيا)، فضلا عن رمزية تاريخ اجراءها الخريف القادم .
* جغرافيا :
جنوب اوروبا الخاصرة الرخوة لحلف شمال الاطلسي على ضوء ما يجري بليبيا.تونس.دول الساحل و الصحراء( الاوضاع لم تستقر بعد ) و هذا ما يشكل خطرا على اوروبا في ظل الحرب الروسية الاوكرانية و تداعياتها الاقتصادية ( بوادر ازمة جوع قد تتعرض لها بعض الدول العربية و الافريقية و ما قد ينتج عنها من هجرات جماعية نحو اوروبا) ، تنضاف لأزمة اللاجئين الفارين من اوكرانيا( اكثر من 4 مليون لاجئ) ، مما يستحيل معه تحمل اوروبا للوضع الطارئ.
* تاريخيا :
حماقير اشتهرت كقاعدة لاجراء التجارب الصاروخية ابان فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر ، من هنا تستمد رمزيتها التاريخية و الجغرافية على حد سواء( الصحراء الشرقية التي كان يطالب بها المغرب حتى وقت قريب قبل ان يتم ترسيم الحدود البرية بينه و الجزائر) ، و هي اليوم قاعدة للمنظومة الصاروخية و على رأسها صواريخ اسكندر ام ذات القوة التدميرية الهائلة ، و هي بالمناسبة القاعدة التي جرى اختيارها بعناية فائقة و تنسيق محكم لتكون مسرحا للمناورات المرتقبة ، من ضمن الاسلحة المؤكد اشراكها في العمليات صاروخ اسكندر ام فضلا عن سلاح الحوامات و الدبابات….، بالتالي تكون المناورات هذه موجهة للخاصرة الرخوة لحلف شمال الاطلسي اكثر مما هي موجهة للمغرب .
* سياسيا :
الرمزية السياسية للمناورات توقيتها الخريف القادم ، اي شهر نونبر و ما يمثله من حدث سياسي و صفحة حقبة تاريخية طويت يوم الخامس نونبر من سنة 1962 ، تاريخ الاعلان عن استقلال الجزائر و جلاء المستعمر الفرنسي ، بالتالي تكون فرنسا هي المستهدفة الاولى من الرسالة المراد ايصالها لحلف شمال الاطلسي ، و بها بدأت ايضا المعركة افريقيا سواء من خلال الحرب المعلنة على الفرانكفونية ( اقرار الانجليزية بدل الفرنسية في مستعمراتها السابقة و الجزائر مثال )، او عبر قص اجنحتها بكل من مالي و النيجر و افريقيا الوسطى و بوركينافاصو…، بتنسيق صيني روسي جزائري مشترك خدمة لمشروع الحزام و الطريق نحو العوق الافريقي .
* عسكريا :
التنسيق الوثيق بين الجيشين الروسي و الجزائري الذي يعود تاريخه الى حقبة الاتحاد السوفياتي ، و كما هو معلوم تعتبر الجزائر اكبر مستورد للسلاح الروسي و من احدث التقنيات و الطرز ( القوات البرية/ القوات البحرية/ القوات الجوية/ القوة الصاروخية/ سلاح الغواصات القادرة على اطلاق صواريخ كاليبر المجنحة الفائقة الدقة من تحت سطح البحر، اذ تعتبر الجزائر ثاني قوة بحرية غرب الابيض المتوسط بعد اسرائيل شرقه) .
تسلح الجزائر الكمي و النوعي بوأها المرتبة الثالثة عربيا بعد كل من السعودية و مصر ، و الاولى افريقيا من حيث نوعية السلاح و حداثة التقنيات مع تسجيل تفوق سلاح الجو و اكبر جيش نظامي افريقي عملياتي ، فيما احتلت المرتبة الثالثة و عشرون عالميا بحسب تصنيف موقع غلوبل فاير باور و ميليتيري ووتش . جرأتها في برمجة مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في عز الحرب الاوكرانية ، مغزاه الوحيد رسالة تحدي في وجه المنظومة الغربية ، اذ كانت تعتبر نفسها مستهدفة ابان انطلاق خريف الجمهوريات في الوطن العربي سنة 2011 .
دليل هذا ، التحذير المبطن لوزير الخارجية القطري حمد بن جاسم ال ثاني لوزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي اثناء زيارته لقطر ، حيث صرح له الوزير القطري بان الدور سيكون على الجزائر بعد الانتهاء من سوريا ، كما تعتقد ايضا و لحد الساعة بانها لا زالت مستهدفة ( محاولة الاختراق و الاستثمار في الحراك الجزائري غربيا ، فرنسا مثال) ، لذا سارعت وقتذاك الى تسريع وثيرة التسلح الكمي و النوعي و الرفع من اهبة الاستعداد لكل الطوارئ تفاديا للسيناريو الليبي و غدر الاطلسي ، و ما صاحبه من انتشار المجموعات الارهابية بالجنوب بدول الساحل و الصحراء التي بدأت تشكل تهديدا لأمنها و استقرارها.
هذا ما يحيلنا قطعا الى ان قدراتها التسليحية هي ذات عقيدة دفاعية أكثر مما هي هجومية ، كما جاءت على لسان الرئيس تبون في عرضه المستفيض اثناء لقاءه الاخير بوزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن ، بالتالي هي قدرات ردعية لاجهاض اي محاولة اعتداء من اي جهة كانت ، فهل المنطقة مقبلة على سيناريو مشابه لما جرى باوكرانيا من منظور محور و حلفاء يتمدد على حساب حلف و ادوات وظيفية يتبدد ؟ قد يكون المستقبل المنظور حمال رسائل دموية ، فمن يدري على ضوء غدر الغرب و سرعة تنصله من وعوده؟.