اعداد عبد الرحيم مفكير
*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين : “سَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِو َالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) ” آل عمران.
* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد القائل:” إن الصدقة لتطفئ غضب الرب و تدفع ميتة السوء”أخرجه الترمذي و قال:حديث حسن
* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال عز من قائل : ” وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمُ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمُ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمُ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (الأعراف 179)
* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله، و مصطفاه من خلقه و خليله الذي أنزل الله تعالى عليه :” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفـُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) ” الزُّمَر. فصلى الله عليه و سلم من نبي أميـن، ناصح حليـم و على آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد ، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله ، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له،
عباد الله : إن خير ما أوصي به نفسي و إياكم أن اتقوا الله ، فتلك وصية الله للأولين و الآخرين التي أوصى بها أصفياءه من الأنبيـــاء والمرسلين، فضلا عمن دونهم من مطلق المومنين و الناس أجمعين، فعلينا عباد الله بتقوى الله في السر و العلن، و لنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب فنندم حيث لاينفع الندم. ولنعجل بالإنابة إلى ربنا وبالتوبة إليه توبة نصوحا، فالتوبة المقبولة هي التي تكون عن قريب ، قال تعالى :” إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) ” النساء، و كفانا ـ عباد الله ـ استرسالا في وديان الغفلة عن الله وعن يوم لقائه، فكم شهدت سنتنا هذه عموما و شهرنا هذا خصوصا من جرأة على الله تعالى بارتكاب الفجور و تعاطي المنكرات، و الجري وراء الملذات و الشهوات دون تفكير أو مبالاة بما يقع الناس فيه من انتهاك للحرمات، و تضييع للواجبات، و تبذير الأموال في الزائد عن الحاجة من المقتنيات،و إسراف في المأكولات والمشروبات، و تهالك على اقتناء المشتريات، ، و هجران أماكن العبادة و الطاعات، و تقاعس عن أداء الصلوات في أوقاتها خصوصا صلاة الفجر حيث هجرت المساجد إلا من قلة من العمار، و هجر القرآن و الذكر والحزب الراتب إلا من قلة من الموفقين، بينما غصت بالناس الشواطئ و المنتزهات، و أماكن اللهو و الساحات العمومية والأسواق والشوارع و الطرقات وازدحمت بهم إلى درجة الاختناق ، فالله ،الله ، عباد الله! كفانا لهوا ولعبا، و كفانا من الغفلات، و لنعد إلى ربنا و نتوب إليه و نستغفره فهذا شعبان الشهر الفاضل الذي أضافه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسه، واختاره من بين الشهور و نبه على مزيته و شرفه، و أخبر بأن الناس عن فضله غافلون، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، نعم ها هو شعبان انتصب مودعا و لم يبق منه إلا بضعة أيام – فيأيها الإخوة المؤمنون – هل سألنا أنفسنا من منا يا ترى عرف حقــه و فضله؟ و راعى حرمته و قدره؟ و من منا خالف سيرة الغافلين و ابتعد عن أفعال المتجرئين على معصية رب العالمين؟ و من منا هجر أجواء اللهو و المجون و ترك مخالطة المتجردين من الحياء من السفهاء و المستهترين ؟ فالله الله عباد الله، اتقوا الله و اختتموا شهركم هذا بصالح الأعمال فإن الحسنات يذهبن السيئات.
عباد الله إياكم ومعيقات التوبة، فإن الله فتح باب التوبة لعباده المسرفين على أنفسهم، فإياكم و القنوط من رحمته، فإنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، و اعلموا هداكم الله ووفقكم، أن التوبة تحتاج إلى دعائمَ لتثبيتها وتكفير ما اقتُرِف قبلها، قد ذكرها الله في القرآن الكريم إذ قال: ” وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ( 68 ) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ( 69 ) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ( 70 ) ،الفرقان .
فدعموا عباد الله توبتكم بصالح الأعمال، و اعلموا أن الله عظيم الإحسان يحب من عباده المحسنين، و أنه عظيم الكرم يحب الكرمـاء و أنه عظيم الرحمة يحب الرحماء، و لاشك أن الكثير من إخواننا فقراء و محتاجون أو مدينون أو مفلسون، أو عاجزون عن الكسب أو عاطلون، ونحن مقبلون على موسم رمضان، وهو يتطلب قدرا ضروريا من المال، و الكثير الكثير من الأسر في مجتمعنا تعاني من الحاجة إليه، فيا من يريد الله و الدار الآخرة، ويا من يريد تكفير خطاياه و سيئاته، ويا من يريد المزيد لحسناته، و الرفعة عند الله لدرجاته، ويا من يريد إدخال الفرح على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرض الأعمال الصالحة عليه، خصوصا التي فيها نفع للمحتاجين من أمته، نقول لهؤلاء: هذا موسم الفضل و المتاجرة مع الله، فهُبوا معاشر المحسنين وأحسنوا إلى إخوانكم، يا من أفاض الله عليهم الخير، ووسع الله عليهم في الرزق، و جعلهم مستخلفين في الكثير من خيرات الدنيا: أحسنوا كما أحسن الله إليكم، وأخرجوا زكوات أموالكم، فهذا الوقت من أفضل أوقات إخراجها، إن كان الحول قد حال على أموالكم، وإلا فأكثروا من صدقات التطوع، فإن تفريج الهم عن المهمومين و تنفيس الكرب عن المكروبين وقضاء حاجات المحتاجين و تسديد دين المدينين، أعمال تطفئ غضب رب العالمين، و ترد البلاء و تنفع فيما نزل منه وما لم ينزل، و أنتم معشر الفقراء و المحتاجين: استنزلوا الرزق من عند ربكم بالاستغفار والإكثار من الدعاء، و تعليق الحوائج به دون سواه، فهو المعطي و المانع، و الخافض والرافع، و القابض و الباسط ، فلا تُذهِبُوا كرامتكم و ماء وجوهكم بـُذلِّ السؤال من الناس، فمن استغنى بالله أغناه الله،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا ، قَالَ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا )رواه الامام احمد وروى الطبراني في معجمه الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ( ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيناً لأداه الله عنك ؟ قل يا معاذ : اللهم مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير ، إنك على كل شيء قدير ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطيهما من تشاء ، وتمنع منهما من تشاء ، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ). و أنتم معشر الأبناء صلوا أرحامكم و بروا آباءكم و أمهاتكم يوسع الله عليكم أبواب الرزق، و يرفع عنكم الموانــــع و أسباب المقت المنتشرة في هذا الوقت، و أنتم معشر الأزواج والزوجات أصلحوا ذات بينكم و جددوا ما بينكم من حبال المودة و الرحمة، رمموا الثلمات وارأبوا التصدعات، وتفادوا أسباب الشقاق وأرضوا الله بالصلح و الوئام، و أخزوا الشيطان الذي يحب توالد العداوة والخصام. وأنتم معاشر الجيران اذكروا وصية رسول الله صلى الله عليه الصلاة و السلام بالجار فأحسنوا إلى جيرانكم و أشيعوا بينكم السلام.
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيدنا محمد الصادق الأمين عليه من الله أفضل الصلاة و أزكى التسليم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
أيها المؤمنون إن أحب بقاع الأرض إلى الله المساجد و هذا شهر رمضان على الأبواب فكونوا رعاكم يدا واحدة لتحقيق المزيد من العناية و الإصلاح لأحوال بيوت الله خصوصا مسجد حيكم و اعلموا أن يد الله مع الجماعة و الخير باق في هذه الأمة إلى يوم القيامة، و أن الطائفة من أهل الفضل لن تنقطع أبدا، فهذه مناسبة لندعوكم مرة أخرى لتتعاونوا و تتآزروا من أجل العناية ببيوت الله و تهييئها لتكون في أحسن حلة و أنظف مظهر بمناسبة شهر رمضان الكريم، واذكروا قول الله تعالى إذ يقـول: ” و تعاونوا على البر و التقوى ” و قوله سبحانه:” و افعلوا الخير لعلكم تفلحون” و قوله عز وجل ” و من تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم” و قوله: إن الله لا يضيع أجر المحسنين”
* و للتنبيه مرة أخرى نقول أن إنفاق المال على المساجد بناء و تأثيثا وتفريشا و ترميما و إصلاحا و تزيينا ينبغي أن يكون من مال التطوع و الصدقات أو الوقف و لا يجوز أبدا أن يكون من مال الزكاة فمن فعل فزكاته تبقى دينا في ذمته لا تبرأ حتى يدفع زكاته لمن يستحقها من الأصناف الذين ذكرهم الله كتابه و أما قوله تعالى في سبيل الله فقد اتفق العلماء على أن المراد بها الجهاد في نشر الاسلام و الدفاع عن حوزته.
و أما دفع الزكاة للقيمين على المساجد من أئمة و مؤذنين و منظفين فهم أولى بها إن كانوا فقراء و مساكين و إلا فتعطاهم العطايا من باب الإحسان والهدية لا من مال الزكاة.ز
و استعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات ، و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة، والأنصار منهم و المهاجرين، وعن آل بيت نبيـك الطيبيـن الطــــاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنــا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمـان و لاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا،ربنا إنك رؤوف رحيم) (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).