الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

بقلم ابو ايوب


افرضوا العقوبات على روسيا و لا تفرضوها علينا ، شعار تداولته حناجر البولنديين ، و بولندا اول دولة اوروبية معاداة و كرها لروسيا ، تاريخها شاهد على مطامعها في اوكرانيا اسوة بالروس ، و هي اليوم من بين الدول التي عاقبتها روسيا عسكريا من خلال استهذاف مواقع اوكرانية على مقربة من حدودها ، كما استهذفتها روسيا كذلك اقتصاديا عبر اغلاق صنابير الغاز الى جانب كل من بلغاريا و السويد و فينلندا….، اليوم الموظفون البولنديون يحتجون بعدما سرح الكثير منهم حاملين نفس الشعار .
انقلاب السحر على الساحر العنوان الابرز لما يقع اليوم على ضوء الحرب الروسية الغربية على اوكرانيا ، اي بمعنى ، الغرب يفرض عقوبات اقتصادية ….على روسيا ، لاستنزافها عسكريا في حرب طويلة الامد و ما يتطلبه الامر من مجهود حربي و مدى القابلية لتحمل التداعيات ، و اقتصاديا عبر فرض العقوبات و حجز الحسابات فضلا عن الحرب الديبلوماسية من خلال طرد البعثاث و الديبلوماسيين …..فماذا كانت النتيجة على كافة الاصعدة .
اقتصاديا :
– لاول مرة بعد اكثر من ثلاثين سنة خلت ” 1994″ ، روسيا اليوم تسجل فائضا تجاريا بما يلامس 100 مليار دولار ، و من المرتقب ان يصل المبلغ مع نهاية السنة الجارية اكثر من 290 مليار دولار ، اي بما نسبته اكثر من 50% مقارنة مع فائض السنة الماضية قبل اندلاع الحرب على اوكرانيا.
– ارتفاع اسعار الغاز و النفط في الاسواق العالمية و ارتفاع الطلب على الطاقة ، ساهم بقسط وفير في تقوية اسس الاقتصاد الروسي ( ارتفاع سعر الغاز بقرابة 600% في الوقت الذي وصل فيه سعر البرميل من النفط الى اكثر من 100 دولار ) ، و روسيا هي المنتجة و المصدرة الاولى للغاز دوليا .
– ارتفاع صادرات النفط الروسي بما يقارب 200 الف برميل يوميا ( 10 مليون برميل نفط قبل فرض العقوبات الغربية ) ، و المستفيذ الاول الهند التي تعيد تكرير النفط الروسي و بيعه في السوق الدولية ( ارتفاع صادراتها من البنزين و المازوط بحوالي 40% نحو امريكا مثال ) ، للاشارة الهند تستورد النفط الروسي بسعر تفضيلي ( 35 دولار فارق السعر بالسوق الدولية ).
– الحرب ليست بالضرورة عسكرية و هي بالتالي تتخذ اليوم ، اشكالا ثلاثية او رباعية الاضلاع و اكثر في عصرنا هذا ، حيث تختلط بين اللون الاسود ” النفط” و اللون الاصفر” الذهب” و اللون الاخضر” الغذاء” و اللون الأزرق” الغاز” ….، بالتالي من يمتلك مفاتيح الحروب هذه يسيطر بالضرورة على مقاليد العالم ، فسيفساء و الوان قزحية القوس تتميز بها روسيا عن باقي الدول عبر العالم ( من اوائل الدول المصدرة للنفط/ اول بلد منتج و مصدر للغاز/ اول بلد منتج و مصدر للقمح/ من الاوائل المنتجين للذهب) .
عسكريا :
– روسيا اليوم اول قوة نووية في العالم ، حيث تتفوق بكثير عن امريكا و المنظومة الغربية مجتمعة بما يشمل ما لدى اسرائيل ( اكثر من 7000 راس نووي) ، من ضمنها صواريخ فرط صوتية عابرة للقارات ( سارمات مثال) تفوق سرعتها سرعة الصوت بتسعة اضعاف .
– ثاني قوة عسكرية تقليدية مع تميز واضح في سلاح الغواصات. سلاح الجو حيث التفوق الروسي. سلاح الدبابات و الحوامات ، قياسا بما تتحوزه امريكا ، فضلا عن اقوى الدفاعات الجوية ضد الطائرات الحربية.الصواريخ الباليستية. الاقمار الصناعية( الاس 400/350/500…) , ناهيك عن السلاح الليزري و الرادارات و الحرب الالكترونية و رادارات التشويش …، لكن يبقى الأهم المتمثل في العقيدة القتالية ، حيث تتفوق روسيا بوتين بكثير عن امريكا بايدن ( تصريح الجنرال مولي قائد اركان الجيوش المشتركة الامريكية في حفل تخرج دفعات الضباط باكاديمية ويست بوانت الامريكية منذ بضعة ايام خلت مثالا لا حصرا) .
– اجتماعيا :
قابلية المجتمعات الغربية عموما على تحمل تداعيات الحرب باوكرانيا امست اليوم موضع تسائل ، و الدليل ما يقع اليوم بفلندا من احتجاجات قد تطال معظم الدول الاوروبية ، بعدما طرقت الحرب الخضراء ابواب اوروبا ( ازمة زيت و قمح) ، بالتالي تتضح الصورة اكثر عما تعانيه اوروبا اليوم من ازمة غذاء ، لا سيما اذا اخذنا بعين الاعتبار الدور الذي كانت تلعبه فرنسا و لم تعد كمصدر للقمح بعد الجفاف الذي حل بها ( اوكرانيا من كبرى الدول المصدرة للقمح و اول مصدر لعباد الشمس على الصعيد العالمي ) ، بالتالي أضحت اوروبا رهينة بيد روسيا تفعل بها ما تشاء( طاقيا.غذائيا…) ، لا سيما بعد سيطرة الروس على كل المنافذ البحرية الاوكرانية ببحر ازوف و البحر الاسود .
فوران المجتمعات الغربية دفع اليوم بالمنظومة الاطلسية و على راسها امريكا الى اعادة النظر في سياساتها العدائية اتجاه روسيا ، بعدما اكتشفت المنظومة ان النهج الذي اتبعته لمحاصرة روسيا اتى بنتائج عكسية على كافة الاصعدة ، حيث اصبح الطارد طريدا و انعكست الحرب باوكرانيا سلبا على مجمل اقتصاديات الغرب ( الهند و البرازيل احتلتها مراتب متقدمة قياسا بالاقتصاد البريطاني مثال) .
هذا ما لم تتفطن له امريكا التي راهنت كثيرا على اضعاف روسيا ، فبدل ان تعم الفوضى المجتمع الروسي او يتفكك ، استيقضنا اليوم على بوادر الانهيار الامريكي في شقه المجتمعي ( فوضى انتشار السلاح و ارتفاع منسوب العنصرية قد يصلحان كعنوان لبداية تفكك الامبراطورية الامريكية ، او تراجع هيمنتها على الصعيد العالمي و بداية انعزاليتها و تقوقعها داخل حدودها مثال).
بالتالي اصبح من الجلي الواضح الصورة التي تجسدت اليوم على ارض الواقع ، حول ما دابت على ترديده بالامس و اليوم و غدا ، من تمدد محور و حلفاء على حساب تبدد حلف و كيانات وظيفية( ETATS VASALS ) و مدى ارتباطها بالمنظومة الغربية التي اينعت و حان قطافها ، و ان روسيا صاحبتها بمؤازة صينية هندية بامتياز و من يدول في فلكها .
عنوان اليوم بداية تفكك الحلف الاطلسي كمقدمة لبداية الانعزالية و الانكماش و التقوقع الامريكي ، تذكروا هذا جيدا و الايام بيننا ، و من به ريب فما عليه الا الانتظار و انقشاع الغبار و ما هي الا مسالة وقت ، فلكل شيئ اذا ما تم نقصان ……هكذا عودتنا الحتمية التاريخية و تأريخ انهيار الامبراطوريات .

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *