الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

ترويج الاكاذيب و المغالطات و توالي الصفعات

بقلم ابو ايوب


اليوم نشهد على عزل المغرب و ركنه في الزاوية ، اقليميا و جهويا ، قاريا و دوليا ، بوادر انسلاخه عن الفضاء المغاربي بما يشمل دول الساحل و الصحراء ( خزان الطاقة و المعادن النفيسة بعد الاكتشافات الاخيرة بكل من موريتانيا.مالي.النيجر.الجزائر).
رسالة تونس الاخيرة اثر استقبالها لابراهيم غالي بصفته رئيس دولة كما دل عليها استقباله بالمطار و استضافته في قصر الرئاسة ، هي رسالة تستوجب قراءتها من منظور بعدها الجيوستراتيجي و ليس من زاوية الآني الظرفي ، بحيث لا يمكن اعتبارها و لا فهمها كسحابة صيف عابرة او مجرد زوبعة في فنجان ، و ذلك اعتبارا لعدة مؤشرات تشكلت على ارض الواقع تصب في مجملها لصالح الخصوم و ضد المغرب ، من قبيل، تصريحات جوزيف بوريل الممثل السامي للسياسات الاوروبية و الامنية بصفته متحدثا باسم مجموع دول الاتحاد الاوروبي ( 27 دولة) .
رسالة تونس في بعدها هذا ، ترسل عدة اشارات بان الحصار اطبق على المغرب ( سياسيا.اقتصاديا….) ، ما يوحي بالانعزالية المغربية مرغم اخوك لا بطل ، و هذا بالضبط ما وثقته قمة تيكاد بين اليابان و افريقيا في نسختها الثامنة التي استضافتها تونس بمباركة من الاتحاد الافريقي ، قمة فضل المغرب الغياب عنها و عدم المشاركة في فعالياتها احتجاجا على ما قامت به تونس من استقبال رسمي لزعيم الجبهة ……..قل ما شئت و صف كما يحلو لك ثم حدث بدون حرج ، في المقابل و بتقديري سرعة استدعاء السفير و الاعلان عن مقاطعة القمة لم يكن قرارا صائبا بل يمكن عده قرارا مسترعا اخرقا ، كيف ذلك و قبل الاجابة لا بد من القاء نظرة خاطفة عن مجريات القمم السابقة ؟
يوم 28 غشت من سنة 2019 ، التأمت قمة اليابان افريقيا في نسختها السابعة بمدينة يوكوهاما باليابان ، و ككل القمم يسدل الستار عن اشغالها باصدار بيان ختامي يوقعه زعماء و ممثلوا كل الدول المشاركة و من بعد يصار الى الصورة التذكارية التي تجمع رؤساء الوفود. للاشارة الصورة التذكارية التي وثقت لحدث القمة ظهر فيها زعيم البوليساريو اعلى على اليسار و وزير الخارجية بوريطة اعلى على يمين الصورة ! لا شيئ من قبيل ما حدث مع تونس حصل ( لا مقاطعة و لا استدعاء السفير …) .
نفس الامر تكرر في قمتي الاتحاديين الاوروافريقي ، سواء ما تعلق منها بالصورة التذكارية التي جمعت الزعماء المشاركين في القمة التي استضافتها دولة ساحل العاج و التي شارك فيها العاهل المغربي شخصيا ، او ما تعلق بقمة بروكسيل الاخيرة التي شارك فيها زعيم الجبهة اسوة بمشاركة الوفد المغربي الذي قاده وزير الخارجية ، و في كلتيهما لم يبادر المغرب الى استدعاء سفيريه للتشاور و لا صدر بيان شجب و تنديد ! و هذا وحده كفيل بطرح اكثر من علامة استفهام .
بل الادهى و الأمر ما روجه المهرنطون السياسيون فطاحلة التخليل و ليس التحليل السياسي و الامني و رؤساء المراكز الاستراتيجية ….، من اخبار عن مقاطعة غينيا بساو لاشغال قمة تيكاد الاخيرة دعما و تعاطفا مع الموقف المغربي ، خبر المقاطعة هذا عار من الصحة بدليل زيارة رسمية قام بها رئيس غينيا بساو للجزائر قادما اليها من تونس ، بينما المنطق و العقل يقول بأولوية زيارته للمغرب بدل الجزائر تجسيدا لروح التضامن و الدعم هذا اليس كذلك! بالتالي يمكن اعتبار زيارته هذه للجزائر ، و ما قد يتولد عنها من ازمة سياسية أخرى مع المملكة و ما سوف يصاحبها من استدعاء السفير للتشاور ، بمثابة مسمار آخر يدق في نعش المغرب .
ثم بماذا يمكننا تفسير الخبر الصاعقة المتداول و الرائج حاليا في حال ثبوث صحته ( الشقيقة قطر ترسل دعوة رسمية لابراهيم غالي لحضور افتتاحيات كأس العالم المقرر استضافتها بالدوحة عاصمة قطر كضيف شرف ) فلا دخان بدون نار؟ و في حالة وقوع الواقعة هل سيستدعي المغرب سفيره و يعلن عن قطع العلاقات ؟
و قبل الخوض في البعد الجيوستراتيجي لرسالة تونس ، و بانعطافة قصيرة أود الاشارة في عجالة الى ما تحصلت عليه تونس من تضامن قاري و هبة يابانية بمبلغ 100 مليون دولار خصصت لبرنامج الطوارئ( كوفيد19) ، فضلا عن تمويل مشاريع انمائية شملت كل القطاعات ( صحة.تعليم.مقاولات ناشئة.بنى- تحتية.فلاحة….) .
البعد الجيوستراتيجي هذا يتجلى من خلال ما يتم التخطيط له ( مشروع بناء اتحاد دول شمال افريقيا كبديل عن الاتحاد المغاربي ” ليبيا.تونس.الجزائر.موريتانيا” ليتوسع من بعد و يشمل دولتي مالي و النيجر) ، اي بما معناه عزل المغرب و ركنه في الزاوية ، كما علينا الاشارة الى الرفض الصامت التي أبدته مجموعة الاكواس لدول غرب افريقيا لطلب المغرب الانظمام الى المجموعة و الذي بقي حبيس الرفوف ، طلب يذكرني بصنوه الذي قدمه العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني رحمه الله مطالبا بالانظمام الى السوق الاوروبية المشتركة ثمانينيات القرن الماضي .
كما علينا ايضا النظر الى الرابط بين هذا المشروع و مدى ارتباطاته مع المشروع الصيني طريق الحرير ، و النفوذ الروسي الذي يتقوى يوما بعد يوم مكتسحا القارة السمراء على حساب المصالح الغربية. و للدلالة اكثر عما يتم التخطيط له ، لا بأس ان نلقي نظرة على المشاريع التي تتجسد و تتبلور على ارض الواقع ، البعض منها يسير في اتجاه احكام الطوق على المغرب و عزله ، و البعض الآخر يهدف الى اضعاف المنظومة الغربية في شموليتها اقتصاديا.عسكريا…..بخاصة الدول الاوروبية ، في سبيل استنزاف طاقاتها و جعل اقتصادها مرهون بالغاز ، من بين المشاريع التي بدأت بالفعل :
– البدء في بناء خط انابيب الغاز بدولة النيجر تمهيدا لربطه من جهة بانبوب نيجيريا الذي استكمل شمال البلاد بكانو، و بانبوب الجزائر في اتجاه ايطاليا ، هذه الاخيرة سلبت حلم منصة انطلاق الغاز و توريده للدول الاوروبية ، حلم اسبانيا الذي ذهب ادراج الرياح ( رئيس حكومتها اليوم يتودد للجزائر و يطالبها بقبول زيارته لها ).
– البدء في استغلال حديد منجم غارة الجبيلات جنوب غرب الجزائر و على مرمى حجر من الحدود الشرقية المغربية ( منطقة تندوف) ، و ما يصاحبه او يتولد عنه من بنى-تحتية و مشاريع تنموية …..، مشروع تبنته الصين كمقدمة لاستكمال مشروعها الطموح ( حزام و طريق) ، و ما يعزز الطرح مشروعي ميناء الحمدانية كأكبر ميناء بالابيض المتوسط و الطريق السيار العابر للصحراء .
– البدء في مشاريع الربط البري بين الجزائر و كل من موريتانيا و النيجر و دولة مالي ، في انتظار ربط هذه الدول فيما بينها بانابيب الغاز ، على ضوء الاكتشافات الطاقية الاخيرة بموريتانيا.مالي.النيجر ، و هي الخطوة المراد من وراءها اقبار المشروع المغربي النيجيري لنقل الغاز الى اوروبا . مشروع عول عليه المغرب كثيرا لربط دول غرب افريقيا فيما بينها ، فضلا عن تعزيز مكانته و تقوية نفوذه لدى مجموعة الاكواس ، و بقدر ما هو لا زال متعثرا بسبب عدم توفر التمويل اللازم ، بقدر ما هو غير عملياتي من زاوية حصص الدول المستفيدة من الغاز و حقوق المرور و بعد المسافة مع اوروبا ، او ما اعترضه من رفض موريتاني و مناوشات عسكرية بالصحراء بين المغرب و البوليساريو .
– اليوم اوروبا تعيش اسوء كارثة في تاريخها ما بعد الحرب العالمية الثانية ، الطاقة و بالاخص الغاز عنوانها الابرز ، و قد ازداد الوضع تعقيدا و تأزما على اثر تصريحين أذهبا النوم من جفون الاوروبيين ( المانيا.فرنسا.اسبانيا بخاصة) ، الاول صدر عن بوتين بعدما قطع الغاز عن فرنسا ، فيما الثاني يعود للنرويج ثاني مزود لاوروبا بالغاز بعد روسيا ، تراجعها عن وعد قدمته لنظرائها الاوروبيين برفع صادراتها الغازية ، و قد عللت موقفها هذا بالجفاف و هبوط منسوب المياء و مدى تأثيرات الوضع على انتاج الطاقة الكهربائية ، لذا آثرت الاحتفاظ بكميات الغاز الموعودة لنفسها درءا للشتاء القادم ، بالتالي اسبانيا ليست بوارد الوفاء بالتزاماتها الغازية نحو المغرب .
– تمدد المحور و الحلفاء الذي دأبت على ترديده( روسيا.الصين.ايران.الهند.الجزائر.جنوب افريقيا مثال) ، على حساب حلف و ادوات يتبدد كما توقعت( امريكا.انجلترا.دول الاتحاد الاوروبي مثال) ، تجسد اليوم على ارض الواقع ، بل اصبح تحصيل حاصل الواقع ذاته في الوقت الراهن ، فماذا بشأن الدول الوظيفية الدائرة في فلك الحلف ؟
– واهم من يعتقد بان الاوضاع بالمغرب على خير ما يرام ، واهم ايضا من يؤمن بان الجبهة الداخلية او الحاضنة الشعبية التي دعى العاهل المغربي الى تقويتها و تعزيزها و تعبئتها ، غير متصدعة بل يمكن القول بانها حاضنة مشروخة ، كما هو واهم كذلك من لا زال يعتقد بأن المغرب قوة اقليمية رائدة متفاعلة و فاعلة في محيطها الاقليمي و الجهوي ، و ما العلاقات المتشنجة مع دول الجوار و العلاقات التي لم تعد متميزة مع الاتحاد الاوروبي ، و تداعيات تلك و هذه على الوضع الداخلي المغربي الا خير دليل على اكبر مأزق يعيشه المغرب في تاريخه الحديث ( تونس الصغيرة جغرافيا و تعدادا سكاني و ما اقدمت عليه من خطوة مثال) .
– بالتالي بين فكي كماشة او بين المطرقة و السندان يصلحان كعنوان للزمن المغربي الحالي ، فشل المقاربة السياسية المغربية مع مختلف شركاءه التقليديين ، فشله ايضا مع دول المحيط و الجوار ، فضلا عن فشله على صعيد علاقاته مع اسرته المؤسساتية الاتحاد الافريقي ، افقده عدة اوراق وازنة الامر الذي قلب كل الموازين ، ليصبح المغرب في مواجهة مباشرة مع اكثر من شريك و حليف ، مواجهته للاتحاد الافريقي فيما يتعلق بقضية الصحراء تولدت عنها مواجهة مباشرة الاتحاد الاوروبي ، و هي المواجهة التي ستتطور بحسب المتوقع و المرتقب حدوثه الى مواجهة مع الامم المتحدة نفسها .
خير ما اختتم به المقال السؤال الذي يفرض نفسه ، ماذا لو رشح الاتحاد الافريقي المغرب لاستضافة قمة تيكاد ؟ و هل يقبل المغرب باستقبال ابراهيم غالي ام سيعتذر عن استضافة القمة و ما تمثله من وهج اقتصادي و ثقل سياسي دولي في زمن تهافت الدول الرائدة على افريقيا؟

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *