شعيب البطار
اصطفى الله النبي الأكرم من بين البشر فكان قمرا منيرا ونورا هاديا،
وقد نال الرعيل الأول شرف الصحبة ومتعة النظر إلى جمال الحبيب المصطفى، فكانت قلوب الصحب متعلقة ومشدودة إلى مشكاة النبوة تغرف من نورها شعب الايمان، كان قلبه يشع رحمة وهدى، أحبوه فأحبوا الله وشكروه على أن بعث فيهم نبيا صادقا صدوقا ربط قلوبهم بحبل النور الإلهي، في إطار صحبة طهرت صدورهم من أدران الحقد والكراهية وحميَّات الجاهلية، فانجمعت قلوبهم على كلمة التوحيد، وقد تحرروا من ربقة العصبية وعبادة الأوثان فارتقوا إلى رحاب الإيمان ومدارج الإحسان.
فإذا كان الصحب الأطهار حظوا بهذه الصحبة الشريفة في مكان وزمان محددين، فهل الصحبة فقط لحظة تاريخية انتهت وولَّت بانقضاء القرون الأولى؟ أم هي معان مازال صداها يتردد في العالمين يسمعه كل من ألقى السمع وهو شهيد؟
إن الصحبة تَمثُّل لمعاني النبوة كان يجسدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم أينما حل وارتحل،
إما قولا، فعلا أو تقريرا.
فهو رحمة هبّت نسائمها بين قلوب الصحب فتعلقوا به وفدوه بأرواحهم، صحبة صنعت منهم رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه فجاهدوا وصبروا وتعلموا الرحمة وتراحموا والعدل فما تظالموا،
فإذا كان الأمر كذلك، فهل من سبيل إلى تحقيق هذه الصحبة وبثها من جديد في قلوب المؤمنين؟
إنماز رسولنا الأكرم عن كل الرسل والأنبياء بأن أرسله الله لكل الناس ناشرا للرحمة ماحيا للظلمة ، هذه العالمية هي في حذ ذاتها كرم من الله وباب واسع وهبنا الله إياه نصحب فيه ومن خلاله رسولنا الأمين تأسيا واقتداء، نستمد منه الرحمة ونتعلمها كما أخبر سبحانه في كتابه الكريم “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
تشير الآية الى أنه صلى الله عليه وسلم رحمة سارية في الزمان والمكان ترخي بظلالها إلى كل من يمد يده وقلبه مفعم بالايمان ووجد في نفسه حب النبي أولا، فالحب لا شك يقوي الأواصر، ويجعل منها أحبالا متينة.
ثم بعد الحب تكون الملازمة وأساسها الاتباع والاقتداء.
طريقان يربطان المؤمن بسيدنا محمد
طريق محبة وطريق علم ومعرفة، إذا اكتملا وامتزجا في قلب العبد صار مؤمنا محِبا ومُحَببا،
وحب النبي شعبة من شعب الايمان، فلا يكتمل الإيمان إلا إذا صار قلب العبد مفعما بحبه صلى الله عليه وسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ”.
فإذا كان حب النبي هو أساس الصحبة وجوهرها ، فكيف السبيل إلى تحقيقه؟
إن أول شيء يقودنا إلى حبه صلى الله عليه وسلم هو معرفته ومعرفة قدره ومكانته ومعرفة شمائله. لقد وصف الله نبيه في كتابه الكريم وأثنى عليه في كثير من آياته، فعن أخلاقه قال
“وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” ، ثناء من الله على عبده وقد حمل هذا الثناء صفة العظمة لخلق النبي الأطهر ، بل هو شهادة من الله، شهادة تعظيم يدعونا فيه سبحانه لتعظيم نبيه وتوقيره وحبه.
وأما عن وصفه فقد كان أحسن الناس صورة وأكملهم خلقة
فعن سيدنا الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا، مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَىٰ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ الْيُسْرَىٰ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ» متفق عليه .
نبي جمع بين بين جمال الظاهر وجمال الباطن، محب لأمته حريص على المؤمنين وبهم رحيما، فكان أحق وأجدر بالمحبة.
إن حب النبي نور ينير حنايا وقلوب الأولياء والمؤمنين لذا فحب المومنين بعضهم بعضا هو طريق لاحب يهدي إلى حب نبينا، فمحبته تسكن قلوب المومنين الذاكرين، فلا سبيل إلى تحصيل محبته اإلا بصحبة من يحبه صلى الله عليه وسلم، فالتحاب شرط للإيمان والإيمان شرط دخول الجنة كما أخبر رسول الله ﷺ: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”.
وأما طريق الملازمة فتتم من خلال تدارس سنته الصحيحة المطهرة وذكر إسمه بكثرة الصلاة عليه،
فأما تدارس سنته:
فهي استحضار المؤمن لها بتمثل معانيها وتشربها ثم التأسي والاقتداء به فطاعته دين من الدين، وهي أمر واجب قال الله تعالى: “وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع”
ففي طاعته صلى الله عليه وسلم، طاعة لله كما أخبر سبحانه في كتابه العزيز ”
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} .
وأما ذكره:
فهو عبادة من العبادات وهو أمر قلبي فيكون بالقلب و باللسان، وذكر النبي الأعظم يتمثل في الصلاة عليه، والصلاة عليه رحمة ودعاء ولنا بركة، وهو صحبه له، ولا شك أن الصلاة عليه فيها تعظيم لله واقتداء بملائكتة كما أخبر عز من قائل ”
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”.
فلا محبة دون اتباع ولا ملازمة دون محبة
فمحبته مفتاح وفرج، وملازمة سنته برهان.