منقول
مقال لفضيلة : د. عبد الله بن فيصل الأهدل
تتهافت المنظمات الدولية على اليمن لتستغل الفراغ الذي أحدثته الحروب والمؤامرات على الدعاة والمراكز التعليمية واغتيال أئمة المساجد والمصلحين وتهجيرهم وضعف الجامعات والمدارس والمدرسين وغير ذلك من عوامل تفريغ الساحات من أهل العلم والمشورة والحل والعقد…
وتستغل هذه المنظمات أيضًا حاجة الناس لتُقدِّم لهم الفُتات لتجذبهم إلى تنفيذ مخططاتهم..
وتعمل هذه المنظمات على ترويج العلمانية وإفساد أخلاق المسلمين وعقيدتهم عن طريق الترويج للاختلاط بإخراج النساء من منازلهن للعمل معهم وكشف وجوههن مقابل راتب شهري..
وملامح خطة الغزو أصبح الكثير منها واضحًا؛ فهي تبدأ بالتجهيل وإثارة الشهوات والشبهات بوسائل متعددة منها هذه المنظمات التي تلبس مسوح الإغاثة والثقافة والتعليم وغيرها، ثم الخطوة الأخيرة السيطرة الكاملة سواء كان بالقوة العسكرية أو بواسطة الوكلاء من بني جلدتنا الذين هم على استعداد لتنفيذ مخططات أسيادهم..
وكما ذكرنا فإنَّ هذه المنظمات الدولية تأخذ أشكالًا متعددة حتى لا يفطن الناس لما يُحاك بواسطتها من مؤامرت -حتى الكثير من العاملين فيها لا يفيقون إلا بعد فوات الأوان-؛ ومن هذه الأشكال وأبرزها: المنظمات الإغاثية وحقوق الإنسان..
ويعنون بها إغاثة المتضررين من سوء الأوضاع الاقتصادية والصحية الناجمة عن الحرب وغيرها..
وأما حقوق الإنسان فهي خاضعة لمقاييسهم غير المنضبطة بشرع أو خلق أو قِيَم أو منطق، بل بمجرد أهواء، وهذه الأهواء قابلة للتغيير والتطوير بأي صورة كانت..
وعامة الـمنظمات الدولية تـخضع لأجهزة مـخابرات يهودية أو أمريكية أو بريطانية أو فرنسية تسعى -بالطبع- للسيطرة على العالم، ولا نقول ذلك -فقط- مما يظهر في أعمالها المشبوهة؛ بل إنَّ أصل تأسيس تلك المنظمات يشهد بذلك، فعلى سبيل المثال المنظمات الأكثر شهرة وحضورًا والتي منها:
هيومان رايتس وواتش:
فقد أنشأها روبرت إل بيرنستاين في نيويورك عام 1978م وترأسها منذ إنشائها حتى عام 1999م، وممولها الرئيسي هو: جورج سورس الملياردير اليهودي الأمريكي المجري المعروف براعي الاضطرابات الاجتماعية.. فأي خير يُرجى من هذا؟!!
ومنظمة العفو الدولية:
أسسها اليهودي بيتر بينيسن، المنتمي لحزب العمال البريطاني، والذي خدم في حديقة بلتشلي “بلتشي بارك” مقر الاستخبارات في الفترة من 1941 إلى 1945م، وكانت حديقة بلتشلي المقر الرئيسي لعمليات فك الشيفرة في المملكة المتحدة..
ومنظمة فريدوم هاوس:
أسسها تعاون المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية ويندل ويلكي عام 1941م بالتعاون مع إليانور روزفلت زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت، وقد كشفت وثائق “ويكليكس” عام 2017م عن عمليات منظمة لها في تغيير الأنظمة في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط..
ومنظمة أطباء بلا حدود:
أسسها برنار كوشنار -ومعه آخرون- وهو طبيب فرنسي شغل منصب وزير خارجية فرنسا، وله مساهماته المتعددة في تأييد اليهود وتضييع الحقوق الإسلامية في فلسطين..
وحسبك أنَّ الأمم المتحدة -وهي أم المنظمات الدولية- هي راعية الشذوذ في العالم، وصاحبة قانون سيداو، الذي اعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979م، والذي يقضي بإلغاء الفوارق بين الرجل والمرأة بشكل تام..
وهكذا عامة المنظمات الدولية تجد أيادي المخابرات والحكومات حاضرة في تأسيسها وقيادتها؛ فإذا كان الأمر كذلك فمن يصدق أنَّ هذه المنظمات الخاضعة والمؤسسة بواسطة المخابرات العالمية الاستعمارية ستنفع الفقراء والمرضى والمتضررين من الحروب وغيرها -وخاصة إذا كانوا مسلمين-، وستحافظ على حقوق المسلمين أو الإنسانية أيًّا كانت مِلَلُهم؟!!
ومن الفضائح المشهورة لتلك المنظمات العالمية متاجراتها باسم الإنسانية من خلال ما يطلقون عليه مؤتمرات المانحين لجمع التبرعات بزعم تخفيف المعاناة عن الشعوب التي تعاني من بعض المشكلات ونحوها، لكن الخطير أنه يتم توظيف تلك التبرعات لتحقيق غايات سياسية تارة، وتارة ترسل تلك المنظمات مواد غذائية فاسدة كمساعدات مخصصة لإغاثة الشعوب مثلما حدث في اليمن وبرنامج الغذاء العالمي.
والمتأمل لا يجد أي نجاحات تذكر في أي مجال لهذه المنظمات -رغم الدعاوى والإحصائيات المزعومة-، وهاهم طواغيت الحكام يسومون شعوبهم سوء العذاب، وبرعاية وتوجيه من الصهيونية والصليبية العالمية، وأما المنظمات الدولية فهي مجرد ديكور لذر الرماد في العيون..
وهاهم أطفال العالم يعانون التشرد والجهل وسوء التغذية والتربية، والفقراء يموتون من الجوع والأمراض، والتمييز العنصري يجتاح العالم…
وليس الفشل وحده هو الذي يميز هذه المنظمات؛ فهي منظمات انتفاعية متربحة من مآسي البشر، وتغطي مرتباتها الضخمة وكافة نفقاتها الهائلة من أموال المتبرعين الذين يظن بعضهم أنهم يتبرعون للمتضررين..
وفوق ذلك فإنَّ لها دورًا كبيرًا في حض الحكومات الفاسدة على منع المنظمات الخيرية الإسلامية من الأعمال الإغاثية بدعوى محاربة الإرهاب وأن المنظمات الدولية تقوم بذلك..
وصار منهجًا أساسيًّا لهذه المنظمات التجاوز عن الانتهاكات التي يمارسها اليهود والأمريكان والقوى الدولية التي تدَّعي الديمقراطية تجاه الشعوب الضعيفة، مثل الانتهاكات اليهودية لحقوق الشعب الفلسطيني وإيذاء المواطنين المسالمين يوميًّا، وانتهاكات أمريكا وروسيا وفرنسا وغيرها للشعب العراقي والسوري والليبي والأفغاني وغيرها كثير..
وأما الحديث عن الضرر الأخلاقي والعقدي التي تقوم به المنظمات الدولية في حق المسلمين فأمره يطول -وقد تكلمنا عنه في أكثر من حدث-، ولا يجهله أي متابع، وقد شهد به الكثيرون من ذوي الضمائر ممن يعمل معهم أو عمل معهم في وقت سابق..
وقصة الأمم المتحدة والمنظمات الأممية العاملة في المجال الإنساني والإغاثي في السنوات القليلة الماضية في اليمن مؤلمة؛ فمن معاونة الحوثيين ورشوتهم والتغاضي عن جرائمهم إلى نهب المساعدات التي تقدمها الدول -والتي تُقدَّر بالمليارات-، وتقديم الدقيق الفاسد والأغذية الرديئة والتالفة للمواطنين..
إنَّ ثروات المسلمين الهائلة تغطي بل تزيد عن حاجة الشعوب الإسلامية المتضررة وغير المتضررة، ولسنا بحاجة لفُتات تلك المنظمات الكافرة، وعلى الحكام أن يتقوا الله عزَّ وجلَّ وأن يقوموا بحق الله تعالى في الشعوب الإسلامية، وألا يدَعوا بلاد الإسلام فريسة لهذه المنظمات، كما أن على الدعاة تحذير الأمة من هذه المنظمات ودورها المشبوه في المنطقة الإسلامية عمومًا وفي اليمن خصوصًا -البلد المحافِظ الـمُستهدف هذه الأيام- قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ 51 وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ 52 فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾.
قال ابن القيم بعد ذكر هذه الآيات:
… فأمر تعالى الرسل بما أمر به أممهم أن يأكلوا من الطيبات وأن يعملوا صالحًا وأن يعبدوه وحده وأن يطيعوا أمره وحده وأن لا يتفرقوا في الدين، فمضت الرسل وأتباعهم على ذلك ممتثلين لأمر الله قابلين لرحمته، حتى نشأت خلوف قطعوا أمرهم زبرًا كل حزب بما لديهم فرحون، فمن تدبر هذه الآيات ونزلها على الواقع تبين له حقيقة الحال، وعلم من أي الحزبين هو، والله المستعان. [إعلام الموقعين (2/229)].
وأي تقطيع للأمة أعظم مما هو حاصل الآن، فكل مجموعة من الأقاليم استقلت بنفسها وحكمها أحد الحكام الظلمة، وفرحوا بما عندهم من المال والثروات واستأثروا بها دون الآخرين، ومَن نقص ماله لسبب أو لآخر صار تائهًا لا يجد من يعينه من أمته، وصار فريسة للمجرمين يتلاعبون به ويفرضون عليه ما يناقض الدين والعقيدة والخلق..
?? اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذلُّ فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.
•••━