الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

بعد استبعادهم سياسيا.. هل يعيش الإسلاميون عزلة مجتمعية؟

بقلم: بسام ناصر.
خبراء: الثورات المضادة استهدفت تجربة الانتقال الديمقراطي تحت شعار محاربة الإسلاميين
كان من نتائج فشل ثورات الربيع العربي، وما تبعها من فشل أو (إفشال) تجارب الإسلاميين في السلطة، استبعاد الإسلاميين من ميدان السياسية استبعادا شبه تام، وتجريدهم من كل المكتسبات التي حققوها عبر العقود الماضية، وتعرضهم في أكثر من دولة عربية للتضييق والملاحقة والاعتقال والتشريد.
لكن ما بات ملاحظا ولافتا هو استبعادهم من أية مشاركة في القضايا الوطنية والمجتمعية الأخرى في غالب الدول العربية، ما يعني وفق مراقبين، أنهم باتوا يعيشون حالة من العزلة المجتمعية أقصتهم عن دوائر الفعل المؤثر، والحضور الفاعل، وهي حالة جديدة فُرضت عليهم بسلطان الدولة وطغيانها.
أمام الواقع بتشكلاته الراهنة، ونتائجه الماثلة، هل تمكن الإسلاميون بعد تراجع حضورهم في الميدان السياسي، بل ربما تغييب دورهم بالكلية فيه، من تعويض ذلك بالعمل في قطاعات وميادين أخرى؟ وهل معطيات الواقع الراهن تشي بالفعل أن الإسلاميين باتوا يعيشون حالة من العزلة المجتمعية، ما يعني دقة ذلك التوصيف بحقهم، وصحة تلك الملاحظات الراصدة لما يعيشونه من عزلة مجتمعية خانقة؟
في مناقشته للأسئلة المثارة، فضل القيادي بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، زكي بني ارشيد “استعمال مفردات دقيقة لتشخيص الواقع والتعبير عن الحالة، إذ ثمة قراءة تخلو من المنهجية، وبعيدة عن الموضوعية، وهي قراءة رغائبية منحازة ضد التيار الإسلامي فيها مبالغات واستعجال في إصدار القطعيات”.
وأضاف: “فبرنامج الإفشال لم يكن موجها ضد الحركات الإسلامية فقط، وإنما ضد مسار التحول الديمقراطي ولقطع الطريق على خيارات الشعوب مهما كان البديل، ولا بد من تحديد مفهوم ومحددات مصطلح الفشل، فإذا كان المقصود هو عدم الوصول للسلطة، فقد وصلت عدة حركات إسلامية للسلطة بمستويات متعددة، مع ملاحظة أن الوصول لا يعني التمكين”.
وتابع حديثه لـ”عربي21″ بالقول: “وإذا كان المقصود بالفشل هو فقدان مواقع السلطة بعد الوصول لها فهناك تجارب أخرى غير ذلك، ومنها مثلا حركة حماس في غزة، وعودة طالبان لحكم أفغانستان بعد عشرين سنة من الاحتلال الأمريكي، وإذا كان المقصود فشل أدائهم في السلطة فإن الموضوعية تقتضي الحكم على تجارب تمكنت من الحكم إذ إن الأزمات التي صنعتها أنظمة الحكم شكلت عبئا ثقيلا على البدلاء، فضلا عن التحالفات الإقليمية والدولية لمحاربة وإفشال التجارب”.
ووفقا لبني ارشيد فإن “الحديث عن فشل تجربة الإسلاميين في السلطة، بعد التوضيحات السابقة يعني فشل تجربة أو عدة تجارب، ولا يعني فشل مسار أو فشل تيار” متسائلا: “هل يعيش الإسلاميون حالة من العزلة؟” ليجيب بأن “القراءة السطحية مبتسرة ومضللة إذ يستطيع أي باحث أن يجمع من القرائن والشواهد ما يعزز رأيه في عزلة الإسلاميين، ويستطيع نفس الباحث أن يحشد من الوقائع والبيانات ما ينقض هذه النظرية ويؤكد على استمرار حضور الإسلاميين وتأثيرهم”.
وأردف: “وهذا الأمر لا يخفى على المتابعين، بل يستدل البعض على فشل تجارب الاجتثاث والاقصاء بتحولات لافته، فعلى المستوى الرسمي كان خطاب السيسي الجديد عن الإخوان وعودة قنوات خلفية وغير مباشرة مع الإسلاميين في عدة دول عربية، بل مع دول غير عربية، وأما على المستوى الشعبي فإن استمرار حضور الإسلاميين في مجالس برلمانية في عدة دول عربية، وفوزهم بانتخابات مؤسسات المجتمع ينقض فكرة العزلة المجتمعية” على حد قوله.
ولفت الانتباه إلى أن “الأمر متعلق موضوعيا بمسألتين؛ الأولى قدرة الإسلاميين على تقدير الموقف، وحسن التدبير وهذا واجبهم، والثانية وربما تكون مفتاح التغيير الإيجابي وهي إدارة الصراع مع المشروع الصهيوني.. وما سينتج عن ذلك في قادم الأيام، فإن الوضع القائم لن يستمر طويلا، وبرأيي فإن حربا جديدة مع إسرائيل على الأبواب، ونتائجها ستكون مؤثرة على المشهد الإقليمي وعلى الصعيد الإسلامي أيضا”. من جانبه رأى الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، المتخصص في شؤون المشرق العربي والحركات الإسلامية، الدكتور شفيق شقير، أن الإسلاميين بعد المراحل التي مروا بها، مرورا بمرحلتي ما قبل الثورات وبعدها “لم يستطعيوا تعويض وجودهم السياسي بعد الربيع العربي، لا في المجتمع ولا في قطاعات الدولة بشكل واضح”.
وأضاف: “قد يكون لهم تواجد جزئي في بعض الدول، ففي تونس ما زال الإسلاميون في الصدارة، وكذلك في لبنان لهم حضور وتأثير، وثمة انتعاش لهم في الأردن، وهكذا في دول أخرى، ولكنه لا يرقى إلى ما كان الحال عليه قبل الثورات وبعدها”.
وتابع لـ”عربي21″: “ولكن في ما يبدو أنه عملية مستمرة، وهي بحسب التجربة التاريخية ستفضي مرة أخرى إلى عودة الإسلاميين، وإن كان بمستويات مختلفة عما سبق، ولكن سيبقى جوهرها واحدا، ودعوتها واحدة”.
وعن أهم أسباب عودة الإسلاميين، فهي حسب شقير ترجع إلى “كون الأسئلة الأساسية التي يتصدى لها الإسلاميون، ووضعوا أنفسهم في مواجهتها ما زالت قائمة، ولا تجد من يقدم بشأنها إجابات مقنعة، كعلاقة السياسي بالديني، ومسألة الهوية، والاستبداد وتبعاته ومفاسده، والحديث عن الإصلاح، والعلاقة مع الغرب.. وما إلى ذلك”.
وأردف: “وكذلك فإن من الأسباب المهمة لعودة الإسلاميين، وإمكانية انتعاش وجودهم القضية الفلسطينية، التي تهم عموم المسلمين، وهي من القضايا التي تحظى باهتمام وإجماع في المجتمعات الإسلامية، وتهم المسلمين على اختلاف تواجدهم في العالم”.
وبدوره قال الأكاديمي المصري والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، الدكتور كمال حبيب: “نعم يعيش إسلاميو مصر عزلة تتفاوت درجاتها بحسب موقف السلطة منهم، فالإخوان يعيشون محنة حقيقية تبدو لي كمحنة البرامكة في عصر العباسيين، وهم أكثر التيارات تعرضا للملاحقة والعزلة، ويتم تصويرهم على أنهم عدو لا بد من ملاحقته والقضاء عليه خاصة في علاقته بحواضنه الاجتماعيه وتأثيره في أوساط الطلاب والجامعات والنقابات، وفي أوساط الأحياء الشعبية عبر المشاريع الخيرية والعمل الأهلي”.
وتابع: “وفي ما يخص السلفيين فقد خف حضورهم وتأثيرهم الوعظي والدعوي، وإن كان لا يزال موجودا في مناطق وجودهم كالإسكندرية وكفر الشيخ والبحيرة وبعض محافظات الدلتا، وهم موجودون في البرلمان بعدد من النواب بلا تأثير ملحوظ كما هو الشأن لكافة التيارات في البرلمان”.
ورأى حبيب في حواره مع “عربي21” أن “الصراع بين الإسلاميين والدولة في مصر قاد إلى نتائج خطيرة وضارة بصورة الإسلاميين في أذهان المجتمع والناس، كما أنه فرض عليهم عزلة واختفاء وحرمانا من الوجود الاجتماعي والخيري والنقابي والإعلامي والمسجدي والخطابي، والنشري والتعليمي والتجاري، ومن الأماكن التي لها تأثير في أي مؤسسات كبرى في الدولة كالجامعات ونواديها واتحادات الطلبة..”.
وردا على سؤال “هل استطاع الإسلاميون تعويض وجودهم الذي حرموا منه في الميدان السياسي وميادين أخرى؟” لفت الباحث المصري حبيب إلى أنهم “لم يستطعيوا فعل ذلك لأن مساحات تواجدهم بالأساس كانت الدولة هي التي تسمح بها حتى لو كانوا محظورين قانونا كما كان الإسلاميون في عهد مبارك، وقد استغلت التيارات العلمانية ذات الطابع الأصولي ملاحقة الدولة للإسلاميين فزايدت عليهم، ودعت إلى استمرار عزلهم، لكونهم خطرا داهما، يجب ملاحقته، والتنبه لأي ثغرة يمكنهم النفاذ منها”.

وواصل: “وكثيرا ما يوصم من يكون له رأي معارض بأنه إخواني أو إسلامي أو سلفي، ومن ثم حق عليه العزلة والصمت والتخفي، وفي الحوار الوطني الذي دُعي إليه في مصر تم نبذ جميع الإسلاميين من حضوره بما في ذلك أصوات المراجعة أو السلفيين من حزب النور”.
ووفقا لحبيب فإن “الدول العربية ـ في ما يبدو ـ مع تحولات ما بعد الربيع العربي لا تريد أن ترى إسلاميين، لأنهم من كانوا يتصدرون تلك الثورات، وفزع مشاهدها لا يزال حاضرا، ولم يغادر بعد ذاكرة من يحكمونها، لكن النكاية بالإسلاميين اتسعت لتتحرك الأرجل والألسن والافتراءات إلى الدين الإسلامي ذاته، الذي يواجه عزلة وحربا على مؤسساته حتى التقليدية منها، كمؤسسة الأزهر الذي يعاني شيخه من الهجمات الإعلامية الضاربة، ومن الحصار والعزلة، ومن ثم اتخاذ الصمت سبيلا للسلامة من أذى الجاهلين والمتربصين والانتهازيين”.

 

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *