ذة. أسماء حميحم
انظروا من نحن
نحن الحالمون
نحن نجعله يحدث لأننا نصدقه… هو الحلم: شعار أغنية مونديال قطر الذي يتردد صداها هذه الأيام في كل البيوت والساحات وأصقاع العالم. من حق كل شخص أن يحلم ، أن يجد متنفسا للتفكير. فالحلم تعبير عن طموحات وآمال نصبو إلى تحقيقها في محاولةٍ لإعادة التوازن إلى الشخصية من منظور علم النفس أو إبراز الرغبة في النجاح الاجتماعي والخوف من الفشل على رأي عالم الاجتماع الفرنسي برنارد لاهير . كان تصور ما يحدث الآن مستحيلا وحلما بعيد المنال والتحقق. لكن التعلق بسوالف الحلم والإيمان به عبّد الطريق للوصول إلى نهايته وجعل الحلم حقيقة والمستحيل ممكنا. انطلقت بداية تحقيق الحلم بتنظيم كأس العالم 2022 لأول مرة في دولة عربية هي قطر. وصار الحلم واقعا، نُصبت الخيمة العربية وجال فيها طيف لَعيب ليقدم للعالم أرقى الصور الإيجابية في لوحات فنية تعبيرية تبرز قدرة بلد عربي على التنظيم الفعال. فكان حفل الافتتاح درسا بليغا مختلفا قدمه كل من صاحب الهمة العالية الشاب الملهم غانم المفتاح والممثل الأمريكي القدير مورغان فريمان ، هاربا من مقاييس الجمال المُعولم، بعيدا عن النمط الهوليودي و برسائل مشفرة تارة تعترف للآخر المختلف بالحق في الوجود كيفما كانت قدرته أو لونه أو دينه أولغته أو جنسه وتارة أخرى برسائل مشحونة بكل القيم الإنسانية المبنية على التعايش والتضامن والتسامح والسلم ، في أرض تسع الجميع بكل الأطياف والمِلل ، فشُنفت أسماع العالم بآية قرآنية من سورة الحجرات ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير “. وكان لقطر كلمتها ووقوفها اللافت في وجه آليات العولمة الجارفة التي لا تعترف بالخصوصيات المميزة للهويات، وتسعى جاهدة إلى تنميط العالم قسرا وفق ثقافة واحدة، وتعميم نموذج واحد وأوحد: النموذج الغربي … وكأن حال لسان المنظمين يقول: لا يمكن للخصوصيات التاريخية والحضارية أن تذوب وسط عالم همه تذويب الحدود الثقافية لوَأد ثقافات الشعوب الأخرى، في وقت يبني فيه حدودا سياسية محاطة بالكراهية والعنف ولا يؤمن بالتعدد والاختلاف الثقافي إلا على الورق…
من حقنا أن نغني ملء حناجرنا مع أغنية كأس العالم التي تصدح بها الملاعب و يهتف بها المشجعون :
ونتكاتف نرفع وترفرف كل الأعلام
ونتعاون نصنع ونحقق كل الأهداف
وما نستسلم نتحدى ونتجاوز كل شدة …
وهذا حال لسان منتخب أسود الأطلس يقول: نحمل معنا حلم كل مغربي في رفع الراية المغربية خفاقة في عرس كروي عالمي ونرسم صورة مشرفة لنخبة وطنية بمؤهلات عالية وننتمي إلى أسر مغربية حاضنة ومضحية ومعجونة بحب الوطن. فجعلت هذه النخبة الوطنية الوطن نصب العينين وحملت القميص الوطني وأبدعت في الأداء الرياضي أمام أقوى المنتخبات العالمية…وتُنفخ الروح في كرة مستديرة جامدة قادرة على تفجير المشاعر وصلة الماضي بالحاضر، لتجعل جيل الشباب المغربي يعيش نشوة الانتصار، كما عاشها الآباء يوم كان المغرب أول بلد عربي يمر إلى دور ربع نهائي كأس العالم سنة 1986م بالمكسيك. فمن قال إن العرب يعيشون على التاريخ فقط والحنين إلى الماضي؟ هاهو الحاضر يبهرنا بإنجازات المنتخب المغربي في قطر، إنجازات دخلت سجل التاريخ من بابه الواسع وقلبت الموازين، وجعلت كأس العالم بنكهة عربية والفرحة جماعية في شوارع مغربية وعربية وإفريقية وعالمية… بهذا تفتح كرة القدم أبواب الأمل في الحلم وتلهب الحماس والمتعة وتذكي حس المنافسة. كما تذهب بعيدا في توحيد المشجعين والمتابعين أينما تواجدوا واختلفوا حول نجوم ملهمة في علاقاتها بالوطن والأسرة ومساراتها الحياتية والكروية….
وتستمر أغنية” الحالمون ” بإيقاع عالمي وعربي ولمسة فنية مغربية :
نحلم أن يكون العالم أحلى ونعيش بحب
نتجمع ونخلي صوتنا يملاها الدنيا حب
وهذا لسان حال كل من يحلم بالعيش في عالم دون حروب وصراعات ، في عالم تذوب فيه الخلافات والنزاعات وتستطيع الرياضة أن توحد ما تفرقه السياسة والاقتصاد والجغرافيا . فكرة القدم تعتمد الخطط والأهداف والهجوم والدفاع… لكن تبقى الروح الرياضية سيدة الموقف في كل المقابلات ، وتنمحي الأحقاد والعداوات لتحل المصافحة والعناق والفرح الجماعي بعد الانتصار أو الحزن والإحباط بعد الهزيمة لأن المنهزم خصم منافس وليس عدوا مقاتلا .فمن حقنا أن نحلم بالانتصارات الرياضية التي تنثر السلام والتآزر والمحبة في كل مكان وتغير نظرتنا إلى العالم.