منقول عن موقع: رصيف 22.
بقلم: عبدالعظيم الأنصاري
أحياناً يكون الخيال بوّابة للمقاومة أو الهروب. عندما يُصبح الواقع مريراً بما يفيض، وتوصد كل الأبواب، يتحوّل الخيال إلى ملاذ لكل مقهور. هكذا فعل الموريسكيون الذين نجحوا عبر بوابة الألخميادو في ما فشلوا فيه على أرض الواقع، فاستعادوا الأندلس، وفتحوا أوروبا، وانتظر بعضهم المُخلّص، أو انتقام الله من “آكلي لحم الخنزير” ونزول اللعنات عليهم، أو يوم القيامة الذي سيُنهي عذابهم.
الألخميادو مزيج بين اللغتين القشتالية والعربية، تُكتب بالحروف العربية، ويرجع الاسم إلى لفظ كلمة “الأعجمية” أو “العجمية” باللغة العربية، وقيل كذلك إنه لفظ مشتق من كلمة “إلخاما” أي “الجماعة” أو الحي الذي تقطن به جماعة المسلمين، وعُرفت كتابات الألخميادو كذلك في دول البلقان الإسلامية التي خضعت للحكم العثماني، وظهر ما يُسمى بأدب الألخميادو العثماني في كوسوفو وألبانيا والجبل الأسود.
المأساة:
أُحرق بعضهم، وعُذّب آخرون حتى الموت في أقبية الكنائس الإسبانية، ومن نجا منهم هرب إما إلى الدولة العثمانية التي نجحت في تهريب مجموعات منهم إلى أراضيها وسهّلت لآخرين الوصولَ إليها، أو إلى شمال إفريقيا والمغرب العربي حيث القرب الجغرافي.
ومن بقي في شبه الجزيرة الأيبيرية تحوّل إلى الكاثوليكية قسراً، فعاشوا كمسيحيين في ظل العرش الإسباني ظاهرياً، وأخفوا إسلامهم تقيةً، على أمل أن تأتي جحافل جيوش المسلمين من شمال إفريقيا أو دولة المماليك في مصر أو الدولة العثمانية لإنقاذهم، بلا جدوى.
بعد مجابهة طويلة بين الدولة العثمانية وإسبانيا، بالكاد تصدّى العثمانيون لهجمات الإسبان على شمال إفريقيا، واستعادوا قبرص وتونس والجزائر إلى الحظيرة الإسلامية، وظلت الحرب سجالاً بين الإمبراطوريتين لقرون حتى اضمحلتا لصالح القوى الأوروبية البازغة حينها أي بريطانيا وفرنسا.
في المغرب وبعد أن أصبح المولى زيدان الناصر بن أحمد ملكاً على فاس، قال لبعض الفقهاء في مكان مفتوح أمام قصره إن مُنَجّماً عظيماً قرأ طالعه، وأخبره أنه سيفتح إسبانيا بأكملها، وأن أول معركة ستدور في قرمونة، وملك إسبانيا سَيَفرُّ هارباً وسيَحتمي بطليطلة حيث سيُقبض عليه، وفي اللحظة التي أنهى فيها كلامَه أفلتت فجأة بغلتان من مرابطهما وأتيتا ركضاً، ومرّتا وسط الفقهاء والمولى زيدان، وشاعت الفوضى في المكان، وتركت البغلتان فضلاتهما مكان المجلس، فسكت الملك طويلاً، وحاول الفقهاء التخفيف عنه فقالوا إن الشيطان تقمص شكل البغلتين لصرفه عن تنبؤه السعيد، لكنهم لم يفلحوا في إصلاح الموقف.
ولم يحاول زيدان التفكير في الأمر مرةً أخرى، وربما كان دافعُه إن صدقت نيته، محاربةَ أخيه المأمون الذي لجأ إلى إسبانيا طالباً النجدة من ملكها فيليب الثالث.
الألخميادو… الحصن الأخير:
لمّا سقطت كل حصون الأندلس، وأُلغيت اللغة العربية رسمياً، وصار الحديث بها جريمة، لجأ الموريسكيون إلى اخترع لغة “الألخميادو”، لتكون آخر حصونهم.
اختلف الوضع اللغوي للموريسكيين تبعاً للظروف التاريخية والسكانية لكلِّ منطقة، وأكد المؤرخ الإسباني أنطونيو دومينغيز أورتيز أنه منذ سنة 1449 لم يكن لديهم وضع متجانس، ووجب عليهم نسيان اللغة العربية. ففي سنة 1462 أي قبل سقوط غرناطة، اضطر فقيه سيغوبيا الأكبر عيسى بن جابر أن يكتب باللغة القشتالية عمله الشهير “مجموع الوصايا والفرائض الواردة في القرآن والسنّة”.
أبدت إسبانيا اهتماماً كبيراً بالقضاء على تراث الأندلس، وفرضت الثقافة الإسبانية الكاثوليكية، وأن تشتري النساء لحمَ الخنزير في الأسواق ليُطعمنه للكلابَ، ووافق الموريسكيون على تعميد أبنائهم علانيةً فقط، وكانوا يحاولون توريث عقيدتهم الإسلامية لهم سرّاً، وكان الاستحمام المتكرر مُستهجناً، ويؤدي بصاحبه إلى التهلكة، لأنه مرتبط بعادات المسلمين، ومهما فعل الموريسكيون لإرضاء الإسبان كانت النظرةُ السائدة لهم أنهم منافقون يظهرون عكس ما يُبطنون.
تحوُّل الصوت الإسباني إلى الحرف العربي
نجح الموريسكيون في وضع نظام متسق، وتطبيق نظام رسومي وهجائي موحد للترجمة الصوتية من الإسبانية إلى الحروف العربية، وهذا ما أوردته نوريا دي كاستيلا الباحثة في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا في إسبانيا، في بحثها عن “الاستخدامات والممارسات الكتابية في الألخميادو” (Uses and Written Practices in Aljamiado Manuscripts)، وهو تحدٍ كبير أن تُعبّر الحروف العربية الثقيلة عن الأصوات الإسبانية الرقيقة.
تراث الألخميادو:
كتب الموريسكيون القرآن الكريم سراً بالعربية، مقروناً بشروح وتراجم بلغة الألخميادو، كما كتبوا سيرة النبي وقصص الأنبياء، وبعضٌ كتب الفقه والحديث بالألخميادو، واحتفظوا في كلِّ مخطوطاتهم بكتابة البسملة والآيات القرآنية دائماً بالعربية.
نقل الموريسكيون جزءاً يسيراً من التراث الإسلامي والعربي إلى الألخميادو، وهو ما ذكرته مونيكا كولوميناس أباريسيو الباحثة بمعهد “ماكس بلانك” لتاريخ العلوم في برلين وجامعة أمستردام، في تحقيق مخطوطة بتاريخ 1668 من المكتبة الملكية في قصر الإسكوريال بمدريد، تحت عنوان “حلقة عربية مفقودة في أدب الألخميادو… التجمعات الإسلامية وتداول كتابات أندلسية بين الموريسكيين”، نُشر بمجلة القنطرة الصادرة عن مركز العلوم الإنسانية والاجتماعية (CCHS) التابع للمجلس القومي الإسباني للبحوث (CSIC)، إذ أكدت نقل الكثير من المصادر الإسلامية الأولية، والأعمال الأدبية المختلفة التي عُرفت في الأندلس أو حتى في المشرق الإسلامي، ومنها قصة بعنوان “المصيدة والعصفور والصياد”، والتي أصبحت في وقت لاحق جزءاً من ألف ليلة وليلة، ورواية حي بن يقظان، لابن طفيل، والتي تأثر بها الكاتب دانييل ديفو في روايته روبنسون كروزو، وغيرها.
كثر المؤلفون مجهولو الهوية لمخطوطات الألخميادو، بينها كتاب “قصيدة يوسف” وهو كتاب شعري عن حياة النبي يوسف، وغير ذلك الكثير.
انتقام الله من “آكلي لحم الخنزير” والعدالة الإلهية
تميزت نبوءات الألخميادو عن سقوط الحكم الإسباني، باستعارات نبوءات نهاية العالم، وعلامات يوم القيامة في كلٍّ من المسيحية والإسلام، ونموذج المُخلّص، ومزجها في سياق المأساة الأندلسية، وقوبلت بعد انتشارها في الأوساط الإسلامية شرقاً وغرباً بنبوءات خيالية مسيحية، عكست صورةً أخرى من الصراع بين الشرق والغرب، ولكن هذه المرة على أرض الخيال.
شكّلت النبوءات نوعاً من المقاومة السلبية، إن جاز التعبير، فما كان الموريسكيون عاجزين عن تحقيقه تخيلوا أن هناك من سيأتي ليُحققه في المستقبل، ما رصدَه بوضوح الباحثُ بالجامعة الكاثوليكية الأمريكية لورد ماريا ألفاريز، في بحثه تحت عنوان “نبوءات نهاية العالم في القرن السادس عشر… عجائب كتابات الموريسكيين حكاية تميم الداري”، (Prophecies of Apocalypse in Sixteenth-Century Morisco Writings and the Wondrous Tale of Tamīm al-Dārī)، والذي نشرته دار بيرل، إذ رصد نصوصاً بالألخميادو، تتحدث عن الانتقام الإلهي من “آكلي لحم الخنزير”، ونزول اللعنات عليهم، وهي نبوءات نُسب بعضها إلى شخصيات إسلامية من الماضي.
يُشير ألفاريز إلى أن بعض مخطوطات الألخميادو التي تتحدث عن نهاية العالم، ونبوءات نهاية الزمان، تتضمن شرحاً لاتجاهات الطريق البري المؤدي إلى ميناء سالونيك اليوناني، حيث يعبر مسلمون ويهود في مجموعات صغيرة جبالَ البرانس إلى فرنسا التي كان يربطها آنذاك تحالفٌ وثيق مع الدولة العثمانية، ومنها إلى قلب أوروبا فالبلقان، وصولاً إلى سالونيك.
يُلقي ألفاريز الضوءَ على قصة تميم الداري، وهي حكاية عُثر عليها في مخطوطة ألخميادية في أراغون، تعود إلى القرن السادس عشر، وتنسج مخطوطة “الداري” قصةً مليئة بالتراجيديا والميلودراما وبالروايات الموضوعة في ما يتعلق بحديث النبي محمد، والذي رواه مسلم في صحيحه عن لقاء الصحابي تميم بن أوس الداري (ت. 660م) بالجساسة، وهي دابة من علامات الساعة، وبالمسيح الدجال في جزيرة وسط البحر، وذكر الحديث الطويل علامات تظهر قبل ظهور الدجّال، وهي ألا يُثمر نخل بيسان، وأن تجف كلٌ من بحيرة طبرية، وعين زغر بالقرب منها، وأن ينزل نبي الأميين ويُقاتله العربُ.
لكن المخطوطة الألخميادية تُضيف جوانبَ خياليةً ومثيرةً على القصة، وتدّعي أنه في إحدى الأمسيات العاصفة يغتسل تميم بعد مداعبة زوجته، وفي لحظة قالت الزوجة مازحة: “خذه يا جني”، لتبدأ رحلة تميم الطويلة، إذ يخطفه جنيّ كافر يُعذبه، ويسخر منه، ويحاول إبعاده عن دينه -تماماً مثل ما يحدث للموريسكيين-، لكنه يُصرّ على الصلاة وقراءة القرآن، حتى يأتي ملك جني مؤمن (رمز لملوك المسلمين المنتظرين)، فيُحارب الجني الكافر ويُحرر تميم، الذي يُقيم معه لسنوات أخرى.
وبعد 7 سنوات من الغياب، ذهبت زوجته إلى الخليفة عُمر بن الخطاب تشتكي غياب زوجها، وتطلب الزواج بآخر، فقرر الخليفة إعلان وفاة تميم الداري رسمياً، وطلب منها أن تنتظر مدة العدة، ثم تتزوج. وفي الليلة الأولى من زواجها الجديد ظهر زوجها الأول مشوهاً من أثر ما رأى في رحلته، وهنا تُعدّ عودته بعد وفاته قيامةً رمزية، دالة على الأمل في قيامة شعب الموريسكيين مجدداً.
ووصل الخلاف بين الزوجين الجديد والقديم إلى الخليفة، وهنا قرر تميم أن يقص عليه ما حدث له لاستعادة زوجته، وتحدث عن أسره من الجن الكافر، وإقامته مع الجنّ المؤمن، وكيف غلبه الحنين إلى دياره، وواجه أثناء عودته أهوالاً أخرى، فرأى النبي إلياس الذي حدّد له مكانَ مدينة إرم ذات العماد، وتحدث عنها كأنها جزء من الجنة، وكيف قابل الخضر، الذي وجّهه إلى مكان الدجّال، وحدّثه عن علامات ظهوره، ورأى عذابَ بعض الكفار في الجحيم، وتعتمد الرمزية هنا على فكرة العدالة الإلهية، وأنه مهما ساد الظلم وانتصر في الدنيا فإن العدالة ستتحقق يوم القيامة.
أُسندت تلك الرواية الخيالية بالكامل إلى ابن عباس، وهو نمط اتبعه بعض الوراقين في العصور الوسطى، لإضفاء الجدية والمصداقية على رواياتهم الموضوعة.
نبوءة ابن جبير:
من هذه النصوص مخطوطة بعنوان “حساب القبور الذي سيلحق بالجزيرة الإسبانية”، ويتضمن نبوءات منسوبة إلى الرحالة الأندلسي ابن جبير. تتحدث المخطوطة عن لقاء جمع بين ابن جبير وناسك غامض يعيش على قمة جبل بالقرب من دمشق. يقول الناسك لابن جبير إن بداية نهاية معاناة المسلمين ستكون ببداية الخلاف بين الملكَين اللذين يعبدان الصليب، ويأكلان لحم الخنزير. ولمّا سأله ابن جبير متى يحدث ذلك؟ قال عام 902 هـجرياً، أي عام 1496 ميلادياً. ومن كلام الناسك المجهول نستشف أنه في عام 1530 سينضم 3 ملوك مسلمون معاً في معركة شرسة ضد المسيحيين، وينتصرون عليهم.
تتنبأ المخطوطة التي يُفترض أن من كتبها هو ابن جبير المتوفى في الإسكندرية قبل هذه الأحداث بنحو 3 قرون، بغضب الله على عباده الذين ابتعدوا عن عبادته الحقّة، وعن طريقه المستقيم، فسيُعاقبهم بأنهم سيتحولون قسراً وجماعياً إلى المسيحية، بدءاً من جنوب إسبانيا، كما تنبأ بحرق المساجد وتحويلها إلى كنائس، لكن المخطوطة تُصرّ على أن هذه المعاناة ستجعل الله يُحرك قلوب الملوك المسلمين، ووضعت كل هذه الأحداث في سياق محَن نهاية الزمان، والتأكيد أن العاقبة للمتقين.
الفتح العثماني للأندلس:
ذكرت نبوءات الألخميادو كيف سيُلحق اللهُ الخراب والدمار بالمسيحيين “الكفّار” على أيدي الأتراك العثمانيين، وأشار لويس ديل مارمول دي كارفاخال في كتابه “تمرد وعقاب الموريسكيين في غرناطة” (Rebelión y castigo de los moriscos de Granada) إلى دور هذه النبوءات في إشعال ثورة البشرات الدموية بين عامي 1568 و1571، والتي تم إخمادها -بحسب ألفاريز- فقط بمساعدة الحاميات التي تم استدعاؤها من إيطاليا، وكان الرد الإسباني عنيفاً ضد الموريسكيين الذين كان يُنظر إليهم على أنهم تهديد حقيقي للدولة الإسبانية نفسها، وأن هناك احتمالاً قائماً بالفعل في دعم العثمانيين لثورة موريسكية عارمة قد تُطيح بالعرش الإسباني، وهو ما كان يكتبه الموريسكيون بالفعل في لفائف الألخميادو، لكن ما حدث كان مخالفاً للنبوءات المزعومة.
وربما يكون شعور الإسبان الشديد بالخوف من تحقق نبوءات الموريسكيين بإطاحة العثمانيين بهم، دفعهم إلى المزيد من القمع ضد الموريسكيين، والمزيد من التوسع نحو شرق البحر المتوسط، في اتجاه العثمانيين، حتى وصلت جيوشهم إلى قبرص لمساعدة قوات البندقية التي استولت عليها في الحفاظ عليها كقاعدة أوروبية مسيحية متقدمة في وجه الدولة العثمانية.
في حين أكد كارفاخال أن تلك النبوءات لم تكن مجرد تحريض مستتر على الثورة ضد الإسبان، وإنما كانت إعادة تأكيد على الالتزام بالإسلام، ودعوة للتوبة، والأهم من ذلك أنها تعكس محاولة للتغلب على الواقع وتغيير دفة التاريخ في أول مجتمع مسلم كبير يعيش في ظل الحكم المسيحي، وفقاً للقانون المسيحي، وبقوة محاكم التفتيش.
ذكر هشام بن سنوسي الباحث في جامعة جيجل الجزائرية، في بحث له بمجلة “النص”، كانون الأول/ديسمبر 2013، تحت عنوان “صورة المخلّص المنتظر في التراث الأدبي الألخميادو – موريسكي” بعضاً من تلك النصوص مترجمة، ومنها مخطوطة تقول: “إن الأتراك بمعية جيوشهم، سوف يتحولون إلى روما، وسوف لا يتم إلا إنقاذ المسيحيين الذين يعتنقون دين محمد، أما الآخرون سوف يؤسرون ويُقتلون”.
المُخلِّص:
في حين ذكر ألكسندر كاستلانو، والذي كان أحد المدجنين اللاجئين إلى الدولة العثمانية، أن هناك علاماتٍ بدأت تظهر تُبشر بقرب تحقيق نبوءة إعادة السيطرة على الأندلس، والتي شاعت في أنحاء الدولة العثمانية حينها، وكان يسعى كاستلانو إلى التأكد من وقوع هذه العلامات، والتبشير بها والتي تتمثل في ظهور شاب يختلف عن أقرانه، وأنه خلال 6 شهور سوف يصبح يتيم الأب، وخلال 30 سنة، سيصبح قائد الموريسكيين في منطقة سيارا دي قالينيرا في بلنسية، وسينتصر في الحرب.
كان كاستلانو يُبشر بالشاب المخلّص، ويدعي وجوده بالفعل، وأنه سيكون غير متكافئ الهيئة، كبيراً وذا مخالب، ولديه 6 أصابع في كلّ يد، لكن ذلك الصبي لم يظهر في أي وقت، ولم يفعل شيئاً للموريسكيين.
المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أسقط الموريسكيون كل نبوءات آخر الزمان والمحن التي حذّر منها النبي محمد على أنفسهم، بل إنهم أبدعوا في وضع روايات مزيفة على لسان الرسول، يتنبأ فيها بمصيرهم، ويتنبأ كذلك بخلاصهم، فقد تنبأ بإرسال من ينقذهم، إذ سيخلق الله في هذا الزمان ابناً للجزيرة، سيكون أبوه رجلاً أصمّ، ووالدته امرأة ذات عينين زرقاوتين، وأحد إخوته سيولد مختوناً، وكان هذا هو المخلص الذي أبدعه الموريسكيون من خيالهم وانتظروه بلا جدوى. ومن صفات المُخلص المنتظر في لفائف الألخميادو، والتي ذكرها الأب أزنار كاردونا -بحسب هشام بن سنوسي- أنه عربي فاطمي، سوف يُحرر الموريسكيين، ويقتل المسيحيين، ويأتي على حصان أخضر، ويتوغل في هذه الجبال، ثم يختفي في الصراع ضد جيش دون خايم أو تشايمي الأول، ملك أراغون، الذي دخل في صراع طويل مع المسلمين في الأندلس.
في منطقة تالافيرا، وقبيل عملية الطرد، أحد الموريسكيين العجائز قال لرفاقه إن سلطاناً كبيراً من العرب، سيظهر وسيحميهم. كما وعدت قصصهم الشعبية بإعادة السيطرة على الأندلس من جديد، وأن المدد سيأتي هذه المرة من المغرب القريب، وهو ما ظهر في النص التالي: “إن ساعة النجاة قريبة وسوف تأتي من شمال إفريقيا وبِجاية ووهران. وسبتة سوف تُفتح أولاً، ثم بعد ذلك سيتم من جديد غزو إسبانيا، منتهجين اتجاه طارق، وسيظهر جسر عند المضيق، وسيتمكن العرب من غزو إسبانيا حتى قاليسيا”، وهي أبعد منطقة في شبه الجزيرة الأيبيرية إلى أقصى الشمال الغربي، والتي لم تقع أبداً تحت الحكم الإسلامي.
انتشر أدب الفروسية والملاحم، في الكتابات الألخميادية، متأثراً بمآثر أصحاب الرسول، وربما كان لذلك بصمة في ما بعد على أدب الفروسية الأوروبي، وروايات مثل “الفرسان الثلاثة” وغيرها.
انتظر الموريسكيون طويلاً ولم يأت أحد، فتعاطف بعضهم مع بعض رجال الدين المسيحي، ومنهم القديس سان جاك، وأخلصوا له، واعتبروه أحد الأولياء الصالحين، مدعين أنه وغيره من أصل عربي، وادعى بعضهم أنه مسلم واسمه علي.
لم تنته هنا حكايات الألخميادو عن الخلاص والتحرر من القمع، فهي صالحة لكل زمان ومكان، شبيه بزمان سقوط آخر معاقل المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية، ولا شك أن هناك حكايات أخرى في انتظار من يرويها.