اسماعيل الحلوتي
رغم تلك الفرحة الغامرة والاحتفالات البهيجة التي عمت أرجاء المغرب ومعه كافة دول العالم العربي والإسلامي والقارة الإفريقية، جراء ما قدمه “أسود الأطلس” في منافسات كأس العالم قطر 22، واحتلالهم المرتبة الرابعة في سابقة لم يعرف مثيلا لها أي منتخب عربي أو إفريقي من قبل، فإن المغاربة مازالوا ينتظرون الكشف عن مآل “فضيحة التذاكر” النكراء التي تفجرت في مطار الدوحة قبل موعد انطلاق مباراة نصف النهائي بين المنتخبين المغربي والفرنسي يوم الأربعاء 14 دجنبر 2022 بملعب البيت.
حيث أن توزيع التذاكر التي وفرتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لفائدة المشجعين المغاربة، عرف فوضى عارمة داخل المطار، اضطرت معها شركة الخطوط الملكية المغربية إلى إلغاء عدد من الرحلات التي كانت مبرمجة سلفا، بسبب ما شاب العملية من سوء تدبير وطالها من تلاعب ومتاجرة من طرف بعض منعدمي الضمير من المحسوبين على جامعة كرة القدم، التي كان يلزمها الحرص على أن يتم توزيع التذاكر بشكل مؤسساتي، تفاديا لكل ما من شأنه إثارة الفتنة والشبهات.
ولأن الفضيحة كانت مدوية وأكبر من أن تطمس حقيقتها بذات الأساليب الملتوية المعهودة، خاصة أن أصداءها بلغت أقصى الحدود وتداولتها مختلف وسائل الإعلام الدولية بكثير من الاندهاش والاستغراب، فإن عددا من الجمعيات والفعاليات المدنية والحقوقية طالبت القائمين على الشأن الرياضي بضرورة التدخل العاجل والكشف عن أبطالها وتقديمهم للقضاء. فضلا عن دخول مجلس النواب على الخط عبر سؤال آني موجه لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، حول المشاكل التي رافقت عملية توزيع التذاكر الخاصة بالمباراة المصيرية بين منتخبي “الأسود” و”الديوك”، التي تستدعي دعما جماهيريا واسعا من قبل المشجعين المغاربة، وعن الأسباب الكامنة خلف فوضى توزيع التذاكر وعشوائية تدبير الرحلات الجوية، وما ترتب عن ذلك من امتعاض واحتجاج أثرا على الصورة المشرقة التي رسمتها الجماهير بمعية أسود الأطلس، وذلك من أجل تحديد المسؤوليات والآثار المترتبة عن هذه الفضيحة.
وفي هذا السياق، وعلى إثر التسجيل الصوتي الرائج على نطاق واسع بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، المنسوب إلى محمد الحيداوي البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس نادي أولمبيك أسفي، الذي يوثق مفاوضته لأحد المشجعين المغاربة الذي يرغب في الحصول على تذكرتين حدد سعرهما في 12 ألف درهم، قرر المكتب السياسي للحزب في البيان الصادر يوم الجمعة 16 دجنبر 2022 إحالته على أنظار اللجنة الجهوية للتأديب والتحكيم بجهة مراكش أسفي، للبث في مثل هذا السلوك الذي من شأنه في حالة ثبوته، الإساءة للحزب والصورة المشرقة التي بصم عليها المنتخب الوطني…
فكان أن سارعت النيابة العامة بدورها وبناء على ما توفر لديها من معلومات إلى أن تأمر يوم الاثنين 19 دجنبر 2022 بفتح تحقيق حول ما شاب عملية توزيع التذاكر من شبهات “المحسوبية والمتاجرة”. إذ أمر الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بالاستماع لجميع المسؤولين المشتبه في تورطهم في هذه الاختلالات. وعلى إثر ذلك شرعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالفعل في الاستماع لكافة الأطراف الذين وردت أسماؤهم في هذا الملف وعلى رأسهم رجل الأعمال والبرلماني محمد الحيداوي…
ولم تلبث الجامعة الملكية المغربية التي كان يفترض أن تعقد اجتماعا طارئا فور تفجر الفضيحة إياها، أن استغلت فرصة اجتماع المكتب المديري المنعقد يوم الثلاثاء 27 دجنبر 2022 بمركب محمد السادس لكرة القدم بالمعمورة، للخروج عن صمتها والإعلان عن موقفها الصارم منها. حيث ندد رئيس الجامعة فوزي لقجع بالممارسات الدنيئة والتصرفات اللاإنسانية الصادرة عن بعض المحسوبين على أسرة كرة القدم ممن أسماهم بالبؤساء، مؤكدا على توصل الجامعة بعديد التقارير من مختلف السلطات المكلفة بالبحث في هذه النازلة، وأنه لن يتواني رفقة أعضاء المكتب عن اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق كل من ثبت تلاعبه بأي شكل من الأشكال في تذاكر مباريات المنتخب الوطني، مهما كان شأنه ومنصبه ومسؤولياته، ومشددا على أنه سيتم تكوين لجنة تحقيق متكاملة، على أن يعقد اجتماع آخر يوم 16 يناير 2023 لإصدار القرارات المناسبة ضد المتورطين، بما فيها من قرارات الطرد النهائي من عالم كرة القدم والإحالة على الأجهزة القضائية ذات الاختصاص في الموضوع، ولاسيما أن الفضيحة التي تحولت إلى قضية رأي عام، كادت أن تعصف بأفراح الجمهور المغربي الذي حج بكثافة من مختلف بلدان العالم إلى قطر، بغرض تشجيع منتخب بلاده.
إننا نرفض بقوة أن يتواصل العمل على محاولة امتصاص الغضب الشعبي، من خلال الإطناب في الحديث عن لجن التحقيق والتقارير والقرارات حول العديد من الاختلالات والتجاوزات، التي تصاحب تدبير الشأن العام، بعيدا عن تفعيل المبدأ الدستوري “ربط المسؤولية بالمحاسبة”. إذ ما جدوى الاعتراف والتوثيق الرسمي للفساد دون عرض ملفات الفاسدين على القضاء والقطع مع “الإفلات من العقاب”؟
فلا بد إذن من الضرب بيد من حديد على أبطال المتاجرة في التذاكر المجانية، التي خصصتها الجامعة للجمهور المغربي الذي شكل ركيزة أساسية في شحذ همم “أسود الأطلس”، وساهم بقسط وافر فيما تحقق من إنجاز تاريخي غير مسبوق، ولاسيما أن الأمر يتعلق بمصلحة وطنية عليا تقتضي أن ينخرط الجميع في توفير أنسب الظروف لإنجاحها، بدل استغلالها في تحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة.