لعيد الفطر في بادية دكالة طقوس وعادات ما تزال متجذرة في حياة الساكنة، مما يضفي على هذه المناسبة الدينية أجواء جميلة يمتزج فيها الاجتماعي والروحي، وذلك بفضل نساء يبذلن جهودا استثنائية لإسعاد أسرهن ومحيطهن.
ضمن أجواء العيد، هناك حرص أكيد على القيام بزيارات عائلية من أجل صلة الرحم مع الأقارب في ليلة آخر يوم من شهر رمضان وطيلة يوم العيد، رغم وجود اهتمامات وانشغالات ترتبط بظروف العمل.
في الأيام الأخيرة لهذا الشهر الفضيل تعرف بادية دكالة هجرة عكسية للعديد من الأسر والشباب العاملين بالمدن الكبرى نحو مختلف قرى ومناطق دكالة، من أجل الاحتفال بعيد الفطر في أجواء عائلية.
كل شيء يشجع على هذه الهجرة، من ذلك أن الليلة الأخيرة من رمضان تنضح بعادات قديمة، منها تنظيم جلسات الحناء للفتيات الصغيرات وإعطائهن اهتماما أكبر، وذلك بتمكينهن من ارتداء اللباس التقليدي ونقش أصابع أيديهن بالحناء، مع وضع لمسات خفيفة من الزينة على وجوههن.
في هذا السياق، أكدت الحاجة رشيدة (سيدة تقيم بالمدينة وتحرص على إمضاء عيد الفطر بالبادية بين أبنائها وأحفادها)، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، ” أن حفل الحناء بالنسبة للفتيات الصغيرات يعتبر من بين الطقوس القديمة التي ما تزال العديد من الأسر متشبثة بها، وهي مناسبة لتحفيزهن وإعطائهن مزيدا من الاهتمام وإعدادهن للمستقبل، لتحبيب شهر رمضان إلى أنفسهن”.
وتتميز الليلة الأخيرة من رمضان أيضا بتنظيم زيارات للأهل والأحباب، وفي هذا الصدد أكدت السيدة رشيدة، أن الزيارة تتعلق بتقديم التبريكات وتبادل التهاني ووضع الترتيبات والإجراءات المرتبطة بالاحتفال بيوم عيد الفطر في أجواء الفرح والمرح.
ليلة اليوم الأخير من شهر رمضان تطول، حيث تهتم النساء بالتحضير لليوم الموالي.. يتعلق الأمر بتخمير العجينة لتهيئ مختلف الفطائر والحلويات (المسمن والبغرير…).. فالمرأة الدكالية آخر من ينام من بين أفراد الأسرة وأول من يستيقظ يوم العيد، حيث تشرع في تحضير طعام الفطور.
في هذا الصدد تقول السيدة خديجة العفاني، وهي سيدة في عقدها الثامن، قضت جل عمرها بالبادية،” المرأة الدكالية هي التي تتكفل بالتحضير والتهييء لطقوس يوم عيد الفطر، وهي التي ما تزال تحافظ على هذا الموروث الحضاري والاجتماعي بتحضير طعام الفطور، قبل أن تنخرط في تحضير طعام الغذاء لأفراد أسرتها وزوارها الكثيرين”.
من هذه العادات أيضا التقاء الرجال والشباب والأطفال الصغار بعد عودتهم من الصلاة للاحتفال بعيد الفطر بشكل جماعي، وذلك في الوقت الذي تجتمع فيه النساء والفتيات بمنزل أكبر سيدة بالدوار نفسه.
وفي تصريح مماثل، أكد محمد بوشلخة أستاذ جامعي بجامعة ابن زهر بأكادير وابن المنطقة، ” أن أهم حدث يميز يوم عيد الفطر ببادية دكالة، هو طريقة الاحتفال به، إذ تحضر النساء الفطور لأرباب الأسر، المجتمعين بالمسجد، أو عند مقدم الدوار في بعض الأحيان، وهو كبيرهم الذي يفصل بينهم في أمور الدنيا والدين، حيث ترسل الأطباق تباعا إلى المساجد، والتي تحتوي على “المسمن” و”البغرير”.
ويتميز هذا المجمع بعادة متوارثة منذ القديم، وهي عبارة عن نوع من ” المسابقة المحلية في فن الطبخ”، حيث يعمل الحاضرون على تقييم جودة كل ما يقدم من أطباق مختلفة.
فإن اتفقوا على ضعف جودة إحداها، يتم في الحال التعرف على صاحبها، فيحكم عليه الحاضرون بركوب جمل، وفي ذلك إشارة الى تقصير الزوجة وقلة تجربتها في الطبخ.
وفي الحالة الأخرى، تتم الإشادة بصاحب الطبق المتميز، الذي يحس بنشوة وكبرياء لا مثيل لهما. وكل هذه الطقوس تمر في جو احتفالي ومرح يدفع النساء إلى الاجتهاد وتحسين أدائهن بشأن تحضير مختلف الأكلات.
ومهما عرفت بادية دكالة من تقدم، نتيجة غزو التكنولوجيا لها، فإن العديد من سكانها ما زالوا يعضون بالنواجد على بعض العادات والتقاليد الجميلة، التي اندثرت بالمدينة منها الفطور الجماعي بالمسجد أو عند مقدم الدوار.