المصطقى دلدو
تعد التنمية شأنا مشتركا بين الحكومة والمؤسسات العمومية والمجتمع المدني، كونها مسؤولية مقتسمة بين جميع مكونات المجتمع، إذ لا تنمية حقيقية دون ديمقراطية تشاركية، التي تقود العمل الجمعوي إلى الفعل الاجتماعي بالأساس، والارتكاز الصلب لبلورة مسار التنمية الدميقراطية بكل المجتمعات.
فما الهدف من الشراكة، إذن؟
لعلها تكتسي أهم الأهداف في مجالات عديدة، فبفضلها نجني ثمار التعاون بين أطراف الشراكة، عبر محطات ذات قوة اقتراحية مصحوبة بتبادل الخبرات، لتكتمل وتنضج كل الجهود.. وبالتالي نلمس قدرتها على تعزيز النمو الاقتصادي في الدولة، مع توفير فرص شغل جديدة، محفوفة بالتطعيم والاجتهادات في التخطيط والقياس..
وبما أن للشراكة أهداف تنموية، فهي لا تبتعد عن اللامركزية بوصفها الإداري، مما يعزز الكفاءة في الأداء، ويضفي عليها ميول المجتمع المدني للخطط التنموية والحرص على تنفيذها، حين يصبح جزءا منها.
لذلك، فللمجتمع المدني دور محوري في عملية التنمية بمحاورها الثلاثة: الاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي، بل إن دوره تعاظَم في العقود الأخيرة نتيجة لكل المتغيرات الظرفية، إذ تتجسد أهمية المجتمع المدني في منظماته، التي تتميز بقدرتها على المساهمة البناءة في التنمية المستدامة..
الديمقراطية التشاركية:
وبما أن الديمقراطية التشاركية تندرج اليوم، ضمن الآليات الدستورية، التي باتت تعتمدها جل الأنظمة الديمقراطية لتتجاوز النقائص، التي تطبع الديمقراطية التمثيلية الكلاسيكية، فإن الجمعيات تشكل واحدة من الدعامات الرئيسية، التي تتأسس عليها فلسفة الديمقراطية التشاركية.. حيث أصبحت مؤسسات المجتمع المدني شريكا أساسيا للدولة، وللوحدات الترابية في تنزيل البرامج والتصورات التنموية..
وقد أضحى هذا العمل في المغرب، من خلال دستور سنة 2011، حقا مدنيا يمارس كرافد رئيس من الروافد الداعمة لدولة الحق القانون.. ومنذ بداية الألفية الثانية ازداد اهتمام السلطات العمومية بالأدوار الإستراتيجية، التي بات المجتمع المدني يلعبها في بلورة السياسات العمومية على جميع الأصعدة سواء المحلية منها، أو الجهوية، أو الوطنية.
وفي هذا الصدد، فإن مفهوم الديمقراطية التشاركية أصبح في صلب اهتمام المخططات التنموية الوطنية، ورهانا استراتيجيا لمملكتنا المغربية، حيث يتم توزيع الأدوار بين المؤسسات المنتخبة من جهة وبين مؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى..
إعلان عن ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
وشكلت سنة 2005 محطة حاسمة وتاريخية في هذا البناء النوعي، وذلك بإعلان عن ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الذي مكن الجمعيات من احتلال مكانة متميزة داخل برامج المنظومة التنموية على الصعيدين المحلي والجهوي. كما توج هذا الاهتمام دستور المملكة لسنة 2011، بدسترته لمبدأ الديمقراطية التشاركية، واعتبرها من مرتكزات النظام الدستوري المغربي.. بإحداثه هيأة استشارية لأول مرة في تاريخ دساتير المملكة، تعنى بالشباب والعمل الجمعوي.
أما على مستوى القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، فقد بوأ القانون التنظيمي المتعلق بالجهات نسيج المجتمع المدني مكانة متميزة على مستوى تقييم وتنزيل السياسات العمومية على الصعيد الجهوي.
توطين الشراكة:
لكل هذه الاعتبارات الجوهرية، وإشعاع منها، أقدمت فيدرالية النسيج الجمعوي بأولاد اسبيطة، دائرة الزمامرة على إعداد مشاريع لتوطين الشراكة بينها وبين جمعيات المجتمع المدني، وحتى المؤسسات العمومية والشبه العمومية والشركات، اعتبارا من أنها تعد بمثابة المقاربة الممنهجة، التي ستعلن حضورها وتفرض ذاتها بتراب الإقليم، الذي تنتمي إليه ألا وهو سيدي بنور، واضعة في اعتبارها المرجع الأول: دستور المملكة لسنة 2011، كركيزة مشوارها التشاركي..
وعن سؤال كيف تتم الشراكة؟ رد ممثل فيدرالية النسيج الجمعوي بأولاد اسبيطة السيد رشيد عوفير: في اعتقادي أن الشراكة تبنى على وضع استراتيجيات مسبقة كمسلك تبتسم نهايته للرسالة المشتركة برؤية سليمة، مع توافق متطلبات وتوقعات العمل بين الشركاء، والاستفادة من نقاط القوة لدى كل شريك، وكذا التعامل مع الخلافات بين الشركاء بمهنية وذكاء..
وصبيحة يوم الخميس 6 يونيو 2024، ابتداء من الساعة الــ11 لغاية ال1 والنصف زوالا، تم حفل توقيع شراكة بين المعهد التقني الفلاحي بالزمامرة وفيديرالية النسيج الجمعوي بأولاد اسبيط.. وذلك بعد قراءة بنود الشراكة ومناقشة مضامينها، حيث رحب الحاضرون بكل البنود دون اللجوء إلى أي تعديل..
ديبـاجـة الشراكة:
وعلى ضوء ذلك حملت ديباجة الشراكة بين طياتها على أن مخطط الجيل الأخضر 2030-2020، الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والذي يترجم رؤية شمولية و متناسقة للدفع قدما بتنمية القطاع الفلاحي، الذي سجل خلال العقد الأخير تقدما ملحوظا لخلق الثروة و تحسين ظروف العيش في العالم القروي.
وحيث أن إستراتيجية الجيل الأخضر تهدف إلى تكوين 140 ألف خريج في مجال التكوين المهني الفلاحي في أفق سنة ن2030 لتزويد سوق الشغل بكفاءات عالية، ويد عاملة مؤهلة قادرة على المساهمة في التنمية الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد.
والهدف من هذه الاتفاقية هو تضافر الجهود بين النسيج الجمعوي، والمعهد التقني الفلاحي بالزمامرة من أجل تقديم ثمرة التأهيل المهني للفلاحة بشتى شعبه للمتكونين، حسب برنامج تحدده لجنة التتبع في بداية كل موسم دراسي. كما تنص هذه الاتفاقية على تكوين 3 مجموعات على الأقل من أبناء الفلاحين حسب كل موسم دراسي.
التزام أطراف الشراكة بما يلي:
في هذا الإطار يلتزم المعهد التقني الفلاحي بما يلي : توفير السكن والأكل للمتدربين بالمعهد، والتأطير والتتبع البيداغوجي، والتكوين النظري والتطبيقي، والسماح للفيدرالية بممارسة نشاطها داخل المعهد بتنسيق مع الإدارة وفق برنامج سنوي مسطر بداية الموسم الدراسي.
فيما تلتزم فيدرالية النسيج الجمعوي بأولاد اسبيطة بما يلي: احترام السير العام و النظام الداخلي للمعهد، وتسجيل الراغبين في التكوين، الحفاظ على ممتلكات المعهد وتجهيزاته، القيام بالأنشطة الموازية والتعاون مع المعهد في خلق حيوية وديناميكية، موافاة المعهد بالبرنامج السنوي بداية الموسم الدراسي والتقرير عقب كل نشاط، الاهتمام بالمتدرب ودعمه ومواكبة تطلعاته واحتياجاته، المساهمة في إدماج الخريجين في سوق الشغل، المساهمة في التدريب الميداني من خلال توفير ضيعات فلاحية، توفير النقل ومكان الزيارات الميدانية لفائدة المتدربين. ولتتبع و تقييم العملية، بلورة البرنامج السنوي وتتبعه، الإشراف على انجاز الأنشطة التي يقوم بها المعهد، ستبادر الأطراف المساهمة في هذا المشروع إلى خلق لجنة تحت الرئاسة الفعلية لمديرة المعهد التقني الفلاحي بخميس الزمامرة.
توقيع شراكة أخرى تعنى بالتراث المادي واللامادي قبل ذلك بأيام
وتماشيا مع روح الشركات كقطب اجتماعي راكم تجارب عدة من خلال ما يمارسه القائمون على أنشطة هادفة وبناءة، سعيا وراء تفعيل مقتضيات ظهير الحريات العامة، نشرا لثقافة الحفاظ على التراث المادي واللامادي، مع إذكاء روح التعاون والتضامن بين مكونات المجتمع.. والحرس على الأهداف النبيلية لحماية بقايا ومخلفات أجدادنا، باعتبارها طريق الوحدة، التي رسموها ووضعوا لها الحجر الأساسي.. حتى يتسنى لنا نحن الأحفاد السهر على ترشيد سيولة الفعل لترميمها وصيانتها وحمايتها في إطار حكامة جيدة.. سعيا منا الوصول لأهداف تنموية واجتماعية وثقافية، وكل ما من شأنه المساهمة لتحقيق أواصر التعاون والإخاء والتضامن وحماية موروثنا الثقافي سواء المادي منه أواللامادي بمنطقتنا النائية..
وتعد الشراكة بين الجمعيات ذات الأهداف الموحدة فرصة لربط الأواصر والإخاء بين مكونات المجتمع المدني، كما أنها تعتبر قناة لم الشمل وحمايته، لإفراغ شحنة الفرح والسرور في قلب الطبقة التي تتطلع إلى حماية الموروث الثقافي، مع رفع كل الحواجز عن مكونات المجتمع.. والاهتمام بنشر الحماية لما يجب حمايته..
ولعل من هذا الباب أطلت علينا الجمعية المغربية للصيادين بالصقور، يوم الأحد 2 يونيو 2024، ابتداء من الساعة الواحدة زوالا لغاية السادسة مساء، في إطار توقيع شراكة تهدف إلى صيانة وحماية التراث المادي واللامادي، رفقة جمعية بنساسي للتنمية والبيئة، بدار بنعبد الكامل، بالجماعة الترابية أولاد اسبيطة، دائرة الزمامرة..
لعل ما ميز فضاء هذه الشراكة هي تلك “الكصعة ديال الطعام المصحوبة بكؤوس اللبن”، التي منحت للحائمين حولها قوة الحوار الجاد وتبادل الآراء والأفكار، فجادت قريحتهم بملتمسات نيرة، تمهيدا لتوافق الطرق والمنهجيات التي ستحدد آفاق ومستقبل الشراكة..
واختتم حفل توقيع هذه الشراكة بجولة حرة بين ممرات الرياض تحت تسرب أشعة الشمس من خلال فتحات أوراق الشجيرات المثمرة..