اسماعيل الحلوتي
يتذكر المغاربة جيدا تلك الوعود الحالمة والشعارات البراقة التي كان يرددها عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار قبيل الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في 8 شتنبر 2021، ويتذكرون كذلك تصريحاته وهو رئيس للحكومة، وخاصة عند مثوله أمام البرلمان بغرفتيه في جلسة مشتركة انعقدت في أبريل 2024 وهو يدافع بقوة عن الحصيلة الجزئية لحكومته بمناسبة مرور نصف ولايتها، حيث أكد حينها أن مشروع الدولة الاجتماعية “ليس شعارات، بل قرارات فعلية وإجراءات ملموسة” وأن البلاد شهدت إبان هذه الفترة ثورة اجتماعية غير مسبوقة على مستوى التغطية الصحية وتعميم نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض، وما إلى ذلك من مزاعم حول عدد من الإنجازات والمشاريع التنموية.
فالدولة الاجتماعية المبشر بها والتي تظل حتى اللحظة مجرد حلم وردي، لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توفرت له مجموعة من الشروط الأساسية، ومن بينها الرعاية الاجتماعية بجميع مضامينها الشاملة من صحة وتعليم وسكن لائق وحقوق متساوية، وكل ما له ارتباط وثيق وعميق بحفظ الكرامة البشرية والإنسانية. ولاسيما أن الفصل 31 من الدستور نص على: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة، الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة… السكن اللائق والشغل والدعم من طرف السلطات العمومية، والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة والتنمية المستدامة” فأين نحن من كل ذلك؟
قد يقول قائل بأن هناك إرادة سياسية لدى الحكومة من أجل وضع أسس الدولة الاجتماعية، باعتبارها ورشا استراتيجيا في سلم أولويات المغرب، مادام أن عاهل البلاد محمد السادس لم يفتأ يؤكد عليه بإلحاح في أكثر من خطاب خلال السنوات الأخيرة، بل هو مبادرة ملكية بامتياز، تسعى التحالف الحكومي الثلاثي إلى محاولة بلورتها في شكل سياسات عمومية، لكن كيف لذلك أن يتحقق في ظل مسلسل الغلاء المتفاحش الذي أضر كثيرا بالقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة؟ وأي أثر لتلك المشاريع والسياسات الموجهة للتنمية على المغاربة في ظل تفشي الفساد والريع وغياب الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة؟
فبعد مرور بضعة شهور على الشروع الفعلي للحكومة في ممارسة مهامها، اكتشف المغاربة فجأة أنهم وقعوا ضحية مغالطات وخدعة سياسية مقيتة، ليس بطلها سوى رئيس حزب “الحمامة” عزيز أخنوش، الذي راهن عدد مهم منهم على أنه سيكون الشخص القادر على حل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية التي تراكمت بفعل التدبير السيء لحكومتي حزب العدالة والتنمية السابقتين وتداعيات “جائحة كوفيد -19″، واتضح لهم جليا أن شعار “تستاهل أحسن” وغيره من الشعارات التي رفعت قبل الاستحقاقات الانتخابية كانت كاذبة، وأن حتى وعوده لم تلبث أن تبخرت في الهواء، مما ساهم في إجهاض آمالهم وأحلامهم.
إذ لا حديث يجري بين الناس في البيوت ومقرات العمل والمقاهي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي إلا عن تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، جراء مسلسل الغلاء الفاحش الذي مس جميع مناحي الحياة، حيث الاحتجاجات الشعبية تكاد لا تتوقف وأخذت مسارات أكثر اتساعا وتنظيما في مختلف القطاعات والمناطق المغربية، ولم يعد هناك أحد يقبل بتواصل ارتفاع أسعار المحروقات وانعكاسه على باقي المواد الأساسية الأخرى، التي بلغت مستويات قياسية غير مسبوقة، وأصبحت يد المواطن مغلولة أمامها إن على مستوى الخضر والفواكه أو على مستوى اللحوم بنوعيها الحمراء والبيضاء والأسماك والحليب وغيره من المنتوجات.
فالمغرب اليوم يشهد احتقانا اجتماعيا كبيرا وسخطا شعبيا عارما بسبب ارتفاع الأسعار الرهيب، وأضحى المواطنون غير قادرين على تحمل المزيد من الضربات الموجعة التي أجهزت على قوتهم اليومي، وبات لديهم استعداد كبير لمقاطعة عديد المنتوجات والخروج للتظاهر في الشارع، خاصة أمام عجز الحكومة عن التصدي للمضاربين وابتكار حلول ناجعة لمواجهة الغلاء، في ظل وجود عدة عوامل تحدد العرض في السوق، ومنها المناخ والكوارث الطبيعية والحروب، التي يمكن للحكومة التغلب على بعضها من خلال تنفيذ القانون مثلا في حق المضاربين ومحاربة الاحتكار.
يبدو أن حكومة أخنوش التي عرف المغرب في عهدها إضرابات واحتجاجات واسعة وطويلة تسير في نفق مظلم بسبب ارتباكها وتخبطها، لذا باتت مطالبة في النصف الثاني من عمر ولايتها بمواجهة مجموعة من التحديات والملفات الشائكة، في قطاعات التعليم والصحة والعدل وأزمة العطش، وعليها أن تضاعف جهودها في اتجاه حل أزمة ندرة المياه ومشكل الأساتذة المتعاقدين وأزمة طلبة كليات الطب والصيدلة التي بلغت الباب المسدود أمام تعنت وزيري الصحة والتعليم العالي. فهل يأتي التعديل الحكومي المرتقب بالحلول الملائمة لهذه الأزمات وغيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية؟
اسماعيل الحلوتي