اسماعيل الحلوتي
بينما كان المغاربة عامة والمهتمون بالشأن التربوي خاصة ينتظرون بشوق كبير أن ينجح وسيط المملكة فيما فشلت فيه باقي الوساطات بين طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان ووزير التعليم العالي والابتكار والبحث العلمي عبد اللطيف الميراوي المحسوب على حزب الأصالة والمعاصرة، ويعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين وإنهاء مسلسل شد الحبل الذي دام قرابة عشرة شهور، احتجاجا على تقليص سنوات التكوين من سبع سنوات إلى ست سنوات فقط.
وفي الوقت الذي استبشرت فيه آلاف الأسر المغربية خيرا جراء إعلان مؤسسة وسيط المملكة عن توصلها إلى تسوية الملف المطلبي بالنسبة لطلبة شعبة “الصيدلة”، إثر توقيع محضر اتفاق مع ممثلي هذه الشعبة والوزارة الوصية في شخص الكاتب، يمنون النفس بأن يتقدم الحوار في اتجاه طي الملف برمته في باقي الشعب. حيث بات هذا الملف الشائك يشكل محور جدل ونقاش عمومي واسع، لم تنفك الدعوات من مختلف الجهات تطالب بضرورة إيجاد حلول جذرية، من أجل رفع معاناة أسر الطلبة وتجاوز حالة التوتر والاحتقان المتصاعدة في كليات الطب عبر كافة جهات المملكة.
فإذا بنا نفاجأ بانتشار مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي توثق لمشاهد تعنيف أطباء الغد، من خلال هجوم القوات العمومية عليهم مساء يوم الأربعاء 25 شتنبر 2024 لفض الاعتصام السلمي الذي نظمه طلبة الطب أمام كليتهم بالعاصمة الرباط، احتجاجا على ما يعتبرونه تعنت الوزارة الوصية وعدم استجابتها لعدد من مطالبهم المشروعة، مما أسفر عن إغماءات وإصابات متفاوتة الخطورة، فضلا عن اعتقال عدد من الطلبة والأطباء الداخليين والمقيمين قبل العودة إلى إطلاق سراحهم.
وقد أثار التدخل الأمني العنيف ضد صفوة الطلبة المتميزين استياء عميقا بين مختلف شرائح المجتمع، وخلف ردود فعل غاضبة في أوساط المنظمات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني وغيرها، مما دفع بالتنسيق النقابي لقطاع الصحة إلى الدخول على الخط والتعبير عن رفضه التام لجوء الحكومة إلى المقاربة الأمنية في تعاملها مع مطالب الطلبة المشروعة، عوض الاتجاه نحو الحوار والتفاوض الجادين، وإدانته الشديدة لما وصفه بالقمع الشرس والاعتقالات والتدخل العنيف الذي مارسته القوات العمومية في حق طلبة عزل، ليس لهم من ذنب عدا أنهم يمارسون حقهم في التظاهر الحضاري والسلمي.
ففي أعقاب مسلسل الاحتجاجات والاعتصامات في مدن الدار البيضاء والرباط وفاس وتطوان وغيرها، لم تجد وزارة الميراوي من سبيل للتملص من مسؤوليتها ومحاولة الهروب إلى الأمام، سوى إصدار بيان يوم الخميس 26 شتنبر 2024 تعلن من خلاله عن أن كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان ستسارع إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لاستعادة السير العادي والسليم بها، وتمكين الطلبة الذين اجتازوا امتحانات الفصل الأول في دورة 5 شتنبر 2024 من استكمال امتحاناتهم خلال دورة استثنائية خاصة. ويضيف ذات البيان بأنه تقرر كذلك إلغاء نقطة الصفر بالنسبة للطلبة الذين لم يجتازوا الامتحانات، كما سيتم الإطلاق الفوري للمساطر الإجرائية من أجل مراجعة العقوبات الصادرة في حق طلبة مسالك الصيدلة، التي لها علاقة مباشرة بالأحداث التي واكبت مقاطعة الدراسة.
بيد أن هذا التدخل المتأخر من قبل عمداء الكليات المعنية لم يمنع “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” من إصدار نداء يوم السبت 28 شتنبر 2024 يندد فيه بالقمع الوحشي والاعتداء السافر الذي قوبلت به الاحتجاجات السلمية لطلبة الطب بالمغرب، ويدعو جميع الطلبة من مختلف التخصصات إلى احتجاج وطني طلابي ومقاطعة الدراسة يوم الثلاثاء فاتح أكتوبر 2024، رافضا تلك الحملة الهوجاء من الاعتقالات غير المسبوقة في حق أطباء المستقبل، ولاسيما بعد أن قررت النيابة العامة يوم الجمعة 27 شتنبر 2024 متابعة مجموعة منهم في حالة سراح بتهم “العصيان وعدم الامتثال لأوامر السلطة، والتجمهر غير المرخص وغير المسلح” مع تحديد تاريخ أول جلسة لانطلاق محاكمتهم في 23 أكتوبر 2024، وذلك على خلفية الوقفة الاحتجاجية التي نظموها رفقة الأطباء الداخليين والمقيمين مساء يوم الخميس 26 شتنبر 2024 أمام المستشفى الجامعي بالرباط.
إننا إذ نندد بالتعامل القمعي في التعاطي غير المسؤول مع الاحتجاجات السلمية لطلبة كليات الطب، حيث عمدت قوات الأمن إلى تفريق اعتصاماتهم بالقوة المفرطة ليلة الأربعاء 25/26 شتنبر 2024 بالعاصمة، نحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية للحكومة في تأجيج الوضع والرفع من منسوب الاحتقان والتوتر بكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، عوض العمل على اجتراح الحلول الكفيلة بطي ملف أطباء المستقبل، من خلال الاستجابة الفورية لمطالبهم المشروعة، ندعو إلى احترام حرية التعبير والتظاهر السلمي والعمل على محاسبة كل من ثبت تورطه في هذا الاعتداء السافر، وبموازاة ذلك نطالب بالتعجيل بفتح حوار واضح وصريح بين ممثلي الطلبة والوزارة الوصية، حفاظا على المصلحة العليا للوطن.
اسماعيل الحلوتي