اسماعيل الحلوتي
تأكد اليوم أن ما كان يروج من أخبار عبر وسائل الإعلام الوطنية وبين الموظفين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حول استعداد حكومة أخنوش لتذويب الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “CNOPS” الذي ظل يدبر التغطية الصحية في القطاع العام على مدى أزيد من 70 سنة، في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي “CNSS”، أصبح واقعا ملموسا بعد مصادقة مجلس الحكومة المنعقد يوم الخميس 7 نونبر 2024 على مشروع قانون رقم 23.54 بتغيير وتتميم القانون رقم 00.65 المتعلق بالتأمين الإجباري عن المرض وبسن أحكام خاصة، من خلال اعتماد هيئة تدبير واحدة لأنظمة التأمين وإلغاء النظام الخاص بالطلبة.
ويشار في هذا السياق إلى أن هذا القانون الذي جاء ضدا على المقاربة التشاركية وأثار حفيظة التعاضديات والنقابات، يندرج في إطار مراجعة النصوص التشريعية المتعلقة بالحماية الاجتماعية طبقا لأحكام المادة 18 من القانون الإطار رقم 21.09 المرتبط بالحماية الاجتماعية. وأن وزير الصحة والحماية الاجتماعية السابق خالد آيت الطالب كان قد أكد في مذكرة تقديمية بأن الهدف من مشروع القانون هو “تبسيط إجراءات التأمين الصحي وتوحيد أنظمة الحماية الاجتماعية”، وأن مهمة النظر في جميع المسائل المرتبطة بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاعين العام والخاص، وكذلك النظام الخاص بالأشخاص غير القادرين على أداء واجبات الاشتراك وأنظمة التغطية الصحية المدبرة من “كنوبس”، ستسند جميعها لمجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي ستنقل إليه كل الأصول والخصوم والأرصدة المودعة في الحسابات البنكية وكذا مرجوعات التعويضات عن ملفات المرض من حسابات نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاع العام…
وجدير بالذكر أيضا أنه سبق للحكومة تأجيل مناقشة المشروع في صيغته الأولى التي أبدت بشأنها النقابات اعتراضا عليها خلال شهر شتنبر الماضي، قبل أن تعود لتطرحه ثانية بعد إدخال مجموعة من التعديلات عليه، وتنال صيغته الجديدة في الأخير دعم الفاعلين الاجتماعيين. ومع ذلك، فإن القرار الحكومي مازال يثير جدلا واسعا وردود فعل متباينة، ولاسيما أن فئات عريضة من المجتمع المغربي وفي صفوف الموظفين والمتقاعدين ومستخدمي الكنوبس، تبدي قلقها وتخوفاتها الشديدة مما يمكن أن يترتب عن هذا “التذويب” من تداعيات غير محسوبة العواقب، سواء تعلق الأمر بجودة الخدمات الصحية التي تقدم للمستفيدين أو على مستوى العاملين بالصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.
وبصرف النظر عما قد يكون لهذا القرار الذي نزل على الرؤوس كالصاعقة من أهداف إيجابية، فإن ما يعاب على الحكومة أنها وكالعادة حاولت تمرير هذا المشروع المثير للكثير من الجدل والتذمر، دون الرجوع للحوار الاجتماعي مع الجسم النقابي والتعاضد المغربي، خاصة أن صيغته الأولى كانت تنص على إجراءات جد خطيرة حسب العارفين بخبايا الأمور. وأن أحد القادة النقابيين راسل رئيس الحكومة خلال شهر ماي قصد تنبيهه إلى ما يتخلل هذا الإجراء من عيوب ويتضمن من نقائص تمس في العمق بحقوق ومكتسبات ما لا يقل عن ثلاثة ملايين منخرطا وذوي الحقوق، بالإضافة إلى أن من شأن تفعيله المس بالاستقرار الاجتماعي لمستخدمي الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، ومصير التعاضد المغربي الذي سيتعرض للتهميش بعد تحويل القطاع التكميلي لشركات التأمين، علما أنه منصوص عليه في الفصل 31 من الدستور إلى جانب الخطب والرسائل الملكية السامية…
وفي ذات السياق وبناء على عدد من القرارات الحكومية الجائرة واللاشعبية، يتساءل الكثير من المواطنات والمواطنين المغاربة والمهتمين بالشأن العام بالمغرب عن مشروع الدولة الاجتماعية، التي يقتضي بناء قواعدها أن يكون مرتكزا على تكريس العمل التعاضدي وليس هدمه، لاسيما أن نظام التعاضد المغربي يقدم خدمات اجتماعية للمنخرطين دون أي هدف ربحي، إذ أن المئات منهم يجرون تحاليل بالمجان في مختبرات “كنوبس”، وهي المكتسبات التي يخشى المؤمنون أن يعصف بها القانون الجديد وتفويتها لقطاع التأمينات. ثم هل نسي الواقفون خلف تذويب “كنوبس” وتحويل مقرات التعاضد ومؤسساته ورصيده المالي للقطاع الخاص، أنه بأموال المنخرطين تم تطوير التعاضد المغربي والارتقاء بالخدمات الاجتماعية؟
فما يتمناه المنخرطون والعاملون بالكنوبس هو أن ترقى الصيغة الجديدة من مشروع القانون إلى مستوى تطلعاتهم، من حيث حماية حقوقهم وعدم المساس بها، الحفاظ على مكتسباتهم الاجتماعية ومن بينها الحق في التعويضات الصحية والعلاجية وضمان الانتقال السلس ودون تعقيدات للمستخدمين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي…
إن ما يغيظ الكثير من المواطنين وفعاليات المجتمع المدني وغيرها، هو ما تنهجه حكومة أخنوش من سياسة لا شعبية وتعتمده من تغول وذبح للديمقراطية في واضحة النهار، حيث أنها تكاد لا تكف عن استفرادها بالقرارات وتمرير مشاريع القوانين، التي غالبا ما تأتي بها بشكل انفرادي وتحاول فرضها بلا تشاور ودون اللجوء إلى فتح حوار جاد ومسؤول مع المركزيات النقابية إلا لماما وتحت الضغط، مما يساهم في الرفع من منسوب الاحتقان الاجتماعي واندلاع الاحتجاجات والإضرابات التي تشل المؤسسات العمومية.