بقلم : عبد الصمد ادنيدن
عن جريدة جريدة بيان اليوم (الإثنين 25 أبريل 2022 )
مع اقتراب عيد الفطر المبارك ومواكبة منه للوضعية الاقتصادية الراهنة أصدر المجلس العلمي الأعلى رأيا وتوجيها بخصوص زكاة الفطر، إذ رأى أن يكون مقدارها بالنقود لهذه السنة عشرون درهما (20 درهما) كحد أدنى، مما يشكل زيادة 5 دراهم عن العام الماضي (كانت قد حددت في 15 درهما)، و7 دراهم عن السنوات السابقة التي كانت محددة في 13 درهما.
واعتبارا لكون الأصل في الزكاة أن تخرج من غالب قوت أهل البلد، بما مقداره كيلوغرامين ونصف (2,5 كلغ) كما يؤكد ذلك المجلس العلمي -الوزن ثابت لا يتغير-، فهذا يعني مما لا شك فيه ارتفاع أسعار قوت الشعب المغربي بشكل كبير وملفت.
إن ارتفاع قيمة الزكاة لهذا العام بقرابة 54 في المائة، يعني ضمنيا ارتفاع نسبة التضخم الاقتصادي وكلفة المعيشة مقارنة مع السنتين الأخيرتين، في ظل ثبات قيمة أجور العمال والموظفين والتعويضات العائلية إضافة إلى الحد الأدنى للأجور الذي تعتمده مئات الشركات كأجر قار لآلاف العمال بعدد من القطاعات الصناعية والخدماتية (الأمن الخاص، الكابلاج، النسيج…).
أمام هذه الوضعية، أصبح المواطن في مواجهة وصدام مباشرين مع حاجياته المعيشية الأساسية، التي فاقت قدرته المادية الضعيفة في أصلها بشكل كبير جدا، دون أي تدخل يذكر للحكومة، حيث لا وجود لقفة المغربي ضمن أولوياتها وسياساتها العمومية كما وعدت في حملتها الانتخابية.
لذا، فاجتهاد المجلس الأعلى يؤكد أنه من غير المقبول أن تستمر حكومتنا اليوم في تجاهلها لقوت الشعب، وما عايشته منذ الحملة الانتخابية، حيث كانت قفف من قنينات زيت وعلب شاي إضافة إلى كيلوغرامات من القمح كفيلة للتغرير بالعديد من الضعفاء في وضعية هشاشة، وكانت كافية لإيصال العديد من مكوناتها لقبة البرلمان، إضافة إلى التقارير الرسمية وغيرها المتقاطرة منذ أشهر عدة حول ضعف القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار…، كلها عوامل كافية جدا لتعي حجم تردي الواقع المعيشي الذي أمسى يتخبط فيه الشعب، لدرجة أصبح يبيع فيها صوته ومستقبل بلاده مقابل قفة.
إذا غضت الحكومة الطرف عن هذا الواقع، واختارت التغريد بعيدا عن هموم الشعب، فهل تتعظ اليوم من قرار المجلس العلمي الذي بنى تحديده لقيمة الزكاة على واقع معيشي لا غبار فيه، ولخص من خلاله ضمنيا الوضع الاقتصادي والمعيشي، الذي يفترض أن تكون حكومتنا بوزرائها ودواوينهم، إضافة إلى مكاتب الدراسات التي تخصص لها ملايير الدراهم، أكثر دراية به، ومعرفة بالحلول اللازمة، (فهل تتعظ) وتلتفت للشعب المغربي، خاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة والهشة، وتعي بأن القفة التي حصل عليها بعض المصوتون الفقراء لن تكفي حتى لأسبوع واحد، وليس لخمس سنوات كما تظن.
إن حكومتنا اليوم، خاصة بعد هذه الدورية الخاصة بالمجلس العلمي، ملزمة بأن تتوقف عن الهروب من التزاماتها والتنصل من مسؤولياتها، وتعمل كخطوة أولى، على نهج وبشكل مستعجل، سياسة خاصة حقيقية لدعم القدر الشرائية للشعب، لإخراجه من عنق زجاجة الفقر والهشاشة التي أضحى يعيش فيها منذ سنوات قبل أن تشتد عليه الأزمة مع بداية انتشار وباء كورونا وتزداد حدتها في الشهور الأخيرة موازاة مع الارتفاعات المتتالية لأسعار المحروقات والمواد الأولية.
كما أنه على حكومتنا التي رفعت إحدى مكوناتها شعار “تستاهلو أحسن”، العمل في خطوات موالية قريبة الأمد، الرفع من قيمة الحد الأدنى للأجور الذي لم يعد يعادل حتى سومة كراء شقة بسيطة بالمدن الكبرى، إضافة إلى مراجعة أجور الموظفين والأجراء بمختلف الرتب، حتى تتوازى مع الوضع المعيشي الحالي، ثم الرفع من قيمة التعويضات العائلية.
وعلى الحكومة التفكير في خلق فرص شغل حقيقية، بأجور محترمة تمكن من العيش الكريم، بدل تبديد المال العام في برامج صورية تبيع الوهم للشباب، كرصاصة تنهي آمالهم وطموحاتهم في الوقت الذي تشكل فيه ريعا تستفيد منه وبشكل غير منطقي مقاولات وشركات في ملكية رأسماليين جشعين.
ويجب عليها أيضا التفكير في حاملي الشواهد الذين يعانون البطالة، حيث من غير المقبول تركهم في حال سبيلهم يواجهون قلة الحاجة، وسط ظروف نفسية مزرية، دون أي مساعدة أو تحفيز على البحث عن عمل، من خلال تخصيص مقابل مادي قار لمدة محددة -على الأقل- يمكنهم من الاندماج داخل المجتمع ويسهل تحركاتهم، حيث أن العديد من خريجي الجامعات والمعاهد العليا يعجزون حتى عن تدبير بدلة خاصة بلقاء عمل، أو مبلغ السفر إلى المقابلة، أو مصاريف تدبير الشهور الأولى بالعمل إلى حين تمكينهم من أجورهم.
وأخيرا، على حكومتنا اليوم أن تتعظ من إعلان المجلس العلمي -الذي قدم درسا مجانيا في تدبير الأزمة التي يعيشها المواطن- وتتخذ قراره كلبنة تنطلق منها لوضع سياسات عمومية حقيقية تهم الشعب الذي وضع فيها ثقته بشكل أو بآخر، حتى يتمكن من مسايرة الوضع الاقتصادي الراهن، وحتى تجد أيضا الفئة المتوسطة منه ما تجود وتزكي به على الفئة المحتاجة، خاصة أننا في بلد تقوم فيه أغلب الأسر على مبدأ الاتكال، حيث تجد أسرة كاملة أو أكثر أحيانا تتكل على فرد واحد ضمنها وتراهن عليه لضمان حاجياتها الأساسية حفاظا على السلم الاجتماعي، ونحن على أبواب عيد العمال؛ فهل تستوعب حكومتنا الموقرة هذا الدرس المجاني جيدا؟