بقلم : محمد عصام
ماذا يريد أن يقوله وزير الثقافة بحضوره للعرض الأول لفيلم “الإخوان”؟ وما هي الرسالة من راء هذا الحضور؟
يبدو أن وزراء هذه الحكومة لم يتخلصوا بعد من دهشة الموقع، وأنهم لم يستوعبوا بعد أنهم يمثلون المملكة المغربية شعبا وتاريخا بصفاتهم تلك الرسمية، وأن ما يقترفونه من أفعال ويأتونه من ممارسات يجب أن ينضبط انضباطا تاما لما تفرضه مواقعهم الرسمية، وأنهم في المحصلة ليسوا أحرارا ليفعلوا ما شاءوا وكيفما شاءوا !!!!!
فما معنى أن يحضر وزير الثقافة لعرض هذا الفيلم بالذات، وهو الفيلم الذي أسال كثيرا من المداد حتى قبل خروجه إلى قاعات العرض، هل يعني ذلك أن السيد الوزير ومعه الحكومة التي انتحلت زورا مسمى “حكومة كفاءات” يتبنيان ما جاء في الفيلم جملة وتفصيلا، ويعتبرانه معبرا عن قناعة الحكومة في الموضوع؟ فإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا تخصيص هذا الفيلم بالذات بهذا الحضور؟ أم أن الوزير “ما عندو ما يدار” فحضوره مجرد تجزية للوقت، وهذه سبة أكبر من الأخرى !!!!
إن هذا الفيلم الذي انتدب لإنتاجه أحد أغنياء “صحافة التفاهة والفضائح”، ولكتابته حفنة ممن حظهم في الكتابة يكاد يكون صفرا أو دونه، واعتذر عن التشخيص فيه حسب ما رشح من أخبار ممثلون محترمون، هو فيلم شارد عن السياق المغربي، ومحاولة لاستيراد النموذج المصري في تشويه المتدينين والتعريض بهم، في سياق قد يكون له ما يبرره في وقت ما في مصر حين اشتداد المواجهة بين الدولة المصرية وجماعات متطرفة في ثمانيات القرن الماضي، واستمر هذا التوجه في الدراما المصرية للأسف إلى اليوم وكان كثير من الإعلام المصري طرفا في هذه المواجهة يشعل لهيبها وينفخ في أوارها.
بينما نحن في المغرب لنا تجربة خاصة في التعامل مع هذا الموضوع، بحكم كسبنا التاريخي ووجود إمارة المؤمنين، ووحدة المذهب الفقهي واختيارنا العقدي وطريقتنا في السلوك، ولسنا هنا في حاجة إلى التذكير أن المغرب في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وفي عز المواجهة الدموية في كل من مصر، واشتعال سياسة تجفيف المنابع في تونس، والعشرية الدموية في الجزائر، كان المغرب يقاطع مؤتمرات وزراء الداخلية العرب التي كانت تخصص لمواجهة التيارات “المتطرفة”، وكان أغلبها يعقد في مصر وفي شرم الشيخ تحديدا، وكان المغرب على عهد الراحل الملك الحسن الثاني رحمه الله، يبرر عدم حضوره لتلك الاجتماعات الأمنية، بكون التطرف لا وجود له في المغرب مطلقا، وأن المغرب ليس معنيا بالتطرف لوجود مؤسسة تضمن الأمن الروحي للمغاربة وترعاه رعاية خاصة ومتميزة هي مؤسسة إمارة المؤمنين.
فهل يعي السيد الوزير عمق هذا الكلام؟ وهل يعرف حقيقة و بلا “دهشة” أنه وزير في حكومة بلد اسمه المملكة المغربية، بلد عميق في التاريخ وبمؤسسات راسخة وتجربة تاريخية باذخة؟
وحتى عندما وصلنا بعض من شرر التطرف في أحداث 16 ماي، كانت المقاربة المغربية متميزة، وكان لدى جلالة الملك محمد السادس الشجاعة والجرأة أشهرا فقط بعد تلك الأحداث بالاعتراف للصحافة الإسبانية حينها بأنها وقعت تجاوزات لم يكن لها أن تقع في إطار الاعتقالات التي تمت حينذاك، وتوسع البعض فيها لتصفية حسابات ضيقة، وانجرت حينها أطراف سياسية لتصفية حساباتها مع العدالة والتنمية تحديدا وصلت الدرجة المطالبة بحل الحزب وتحميله ما سمي حينها بالمسؤولية المعنوية عن الأحداث، لكن حكمة صاحب الجلالة الموصولة العرى بالكسب التاريخي لهذا البلد العريق وبالتجربة الخاصة لإمارة المؤمنين، فوتت الفرصة على من كانوا يراهنون على “جرف” المغرب واستنزافه في دوامة صراع، الله وحده يعلم مداها ومستقرها.
فهل مرة أخرى يعلم السيد الوزير بهذه الوقائع وهل يملك القدرة على استخلاص ما يجب استخلاصه منها؟ أم أن التاريخ عنده ابتدأ فقط يوم أن أصبح بضربة حظ وزيرا في حكومة قيل إنها ” حكومة كفاءات” والله أعلم ؟
ولنعد إلى الفيلم الذي أريد له أن يخلق الضجيج حتى قبل عرضه، ولنسائل السياق الذي نزل فيه، فنحن على مرمى حجر من ذكرى أحداث 16 ماي الأليمة التي نُسج إجماع شعبي على إدانتها واعتبارها لحظة شاردة في تاريخ استقرارٍ حمته الملكية ورعته إمارة المؤمنين، فماذا يريد أصحاب هذا الفيلم فكرة وتنفيذا وتمويلا باختيارهم لهذا التوقيت بالذات لعرضه؟ هل يفكرون في كتابة تاريخ آخر للمغرب لم يحصل ولم تسعفهم لحظة 16 ماي من ولوجه؟
ثم إن الفيلم جاء أياما قلائل بعد عفو ملكي استفاد منه 29 شخصا أدينوا في قضايا تتعلق بالإرهاب، في إطار مصالحة أتت وتؤتي أكلها بإذن ربها، انخرط فيها المغرب بكل شجاعة ومنذ سنوات، فهل أصحاب الفيلم يستدركون على ما تم ويتم من مصالحات؟ أم لهم رأي آخر يريدون قوله بهذا الفيلم !!
الفيلم أيضا تم عرضه قبل يومين فقط من انطلاق مؤتمر دولي بمراكش حول الإرهاب والاستقرار بإفريقيا، فما هي يا ترى الرسالة التي يريد من يقف وراء الفيلم إرسالها للمؤتمر؟
إن المغرب ليس بلد “قطر به السقف”.. المغرب بلد يعيش تنوعه في وحدته، ويمارس تدينه العميق والأصيل في وسطية جامعة، وليس مهيئا لاستنبات تجارب لا تناسب كسبه التاريخي ولا تراعي خصوصيته، فنحن ولله الحمد في بلد لا تطرف فيه، رغم محاولات النفخ في بعض المظاهر والتمثلات الهامشية، التي لا تشكل إلا استثناء من القاعدة، والشاذ كما يقال لا حكم له، كما أن البلد اليوم ليست في حاجة إلى خلق اصطفاف من هذا النوع الذي لا مصلحة ولا عمل تحته، فمعارك المغرب اليوم هي الفقر والتشغيل والصحة والتعليم، ما عداها فهو تجريف للوعي وتزييف له، ولا أظن أنه سينطلي هذا على المغاربة أبدا!!!