بقلم: نورالدين قربال
مرتكزات التنظيم الجهوي والترابي
إن توظيف الدستور مصطلح الجماعات الترابية مؤشر على أخذ التراب الذي يجمعنا جميعا بعين الاعتبار ، كل من زاويته في إطار التكاملية بين السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والجامعة. وتشكل الثقافة جزءا لا يتجزأ من مفهوم المشاريع لأنه في الغالب يغلب البعد المادي في هذا الإطار. مع العلم أن الثقافة تؤطر كل فعل تنموي على مستوى الجماعات الترابية.
ومن المرتكزات الجوهرية للتنظيم الجهوي والترابي نستحضر: مبادئ التدبير الحر، والتعاون والتضامن، وإشراك الساكنة في تدبير شؤونهم، ومساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة. ويمكن أن نخلص مما سبق أن المقومات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تشكل أسس التنمية المستدامة، تؤطر ببنية تحتية ثقافية. التي تتخذ شكلا أفقيا وعموديا من أجل صفات الاستدامة والاندماج، ويبقى تحقيق التنمية البشرية مرتبطا بالاهتمام بالموارد البشرية فرديا وجماعيا. إذن جدلية الثقافي والتنموي خيار استراتيجي من أجل إنجاح ورش الجهوية المتقدمة.
الثقافي والبيئي والجهوية المتقدمة
إضافة إلى ما ذكر يمكن التأكيد دستوريا على أن الجماعات الترابية تحتاج إلى خلفية ثقافية من أجل المساهمة في تفعيل السياسة العامة للدولة، وإعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين. و تمكين المواطنات والمواطنين من المساهمة في إعداد برامج التنمية وتتبعها. وذلك من خلال وضع آليات تشاركية للحوار والتشاور. انطلاقا من المرافعة عن طريق العرائض. وفي تقديري إن إنجاح ممارسة وإنجاز المشاريع الجهوية مرتبط بدور السلطة المركزية في الجماعات الترابية، ونخص بالذكر الولاة والعمال. باعتبارهم يؤمنون تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة، ويساعدون الرؤساء على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وينسقون أنشطة المصالح اللاممركزة. وهذا من باب التعاون بين اللامركزية واللاتمركز الإداري.
الثقافي والتنموي من زاوية الاختصاصات والصلاحيات.
إن مبدأي الالتقائية والتكاملية مرتبط باحترام كل جهة اختصاصاتها المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية. ومن أهم هذه الاختصاصات على مستوى الجهة، نستحضر التنمية المندمجة والمستدامة، وتحسين الجاذبية. واعتبرت الثقافة من ركائز التنمية الجهوية، بحجة أن مسؤولية الجهة في هذا الإطار، الاهتمام بالمواقع الأثرية، والترويج لها، والقيام بالمهرجانات الثقافية، والترفيهية. وتشكل الثقافة البيئية أسا من أسس التنمية الجهوية. وكون التعاون الدولي خاصية متاحة للجهة مع جهات دولية، فإن هذه العلاقة تحتاج إلى زاد ثقافي معرفي حتى تمارس الدبلوماسية الترابية بمهنية واحترافية.
ويبقى برنامج التنمية الجهوية فرصة لتضمين ما ذهبنا إليه. مع مراعاة التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة. حتى تسهل عملية التعاقد بين الدولة والجهة. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار التوجهات الواردة في التصميم الجهوي لإعداد التراب، ومراعاة هاتين الوثيقتين يؤهلنا إلى التوفر على رؤية استراتيجية، واستشرافية. والخلاصة أن للتنمية الجهوية توجهات واختيارات متنوعة من ضمنها البعد الثقافي.
وتركز الاختصاصات المشتركة على الاهتمام بتراث الجهة، والثقافة المحلية، والآثار مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الجهة، انسجاما مع مفهوم الترابية. ويمكن للجهة الاجتهاد في إحداث وتدبير مؤسسات ثقافية كما يؤشر لها القانون بذلك. وركزت الاختصاصات المنقولة كذلك على الثقافة . وتشير صلاحيات الجهة إلى الاهتمام بالبعد الثقافي، والتعاون والشراكة مع القطاع العام والخاص.
الآليات التشاركية للحوار والتشاور
لا يمكن أن نطبق مبدأ التشاركية إلا بضبط ثقافة تشريعية وتنظيمية وفلسفية. تشعر بضرورة التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. التي أصبحت تشكل أسا من أسس التنظيم الدستوري للمملكة. خاصة وأن الجهة مطالبة بتوفير ثلاث هيئات تهتم بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، والقضايا الاقتصادية، واهتمامات الشباب. كما يمكن توظيف العرائض من أجل المطالبة بإدراج نقطة في جدول أعمال دورات الجهة.
وللإشارة تضع الجهة وكالة جهوية لتنفيذ المشاريع. وهذه المشاريع قد تتخذ أبعادا متنوعة، لأنها تقدم المساعدة عند إعداد الجهة المشاريع وبرامج التنمية، كما تنفذ مشاريع وبرامج التنمية، وقد تقترح إنشاء شركة من شركات التنمية الجهوية.
كما يتيح القانون للجهات تشكيل مجموعة تهتم بالعمل المشترك، وتدبير مرافق ذات اهتمام عام. كما يمكن تشكيل مجموعات الجماعات الترابية للقيام بالعمل المشرك، أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة، وعقد اتفاقيات التعاون والشراكة. وإنجاز مشروع أو نشاط ذي فائدة مشتركة.
نخلص مما سبق أن الثقافة رافعة أساسية مؤطرة لكل فعل تنموي جهوي وترابي، ومن تم لابد من تنمية الموارد المالية الذاتية والمحولة من ميزانية الدولة. مع الإشارة إلى الصندوقين المنصوص عليهما في الدستور: صندوق للتأهيل الاجتماعي، وصندوق للتضامن بين الجهات. واعتماد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. إن عدم استحضار جدلية الثقافي والتنموي بشقيه البشري والاستدامي سيفقد لا محالة البوصلة المؤطرة للفعل التنموي الجهوي والترابي، ويتعثر مسار الجهوية المتقدمة التي تشكل رهانا كبيرا للمغرب في علاقتها بالنموذج التنموي الجديد.