إسماعيل الحلوتي
على غرار باقي بلدان العالم في تخليد اليوم العالمي لمحاربة ظاهرة التدخين، التي اختارت لها منظمة الصحة العالمية يوم 31 ماي من كل سنة، عادت بلادنا مرة أخرى عبر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، لإطلاق حملة وطنية للتحسيس بمضار التدخين تحت شعار “لنوقف التدخين من أجل صحتنا وصحة بيئتنا”، ابتداء من 31 ماي إلى غاية 21 يونيو 2022. وتهدف الحملة إلى توعية المواطنات والمواطنين بما لهذه العادة السيئة من مخاطر، داعية إلى التعجيل بالإقلاع عنها، حفاظا على صحتهم وسلامتهم.
فالتدخين آفة العصر بامتياز كما تؤكد ذلك عديد التقارير الدولية والدراسات العلمية، ويعد من بين السموم الرهيبة، لما تحتوي عليه السيجارة من مواد كيميائية، تؤدي حتما إلى حدوث درجات متفاوتة الخطورة على حياة الإنسان وإتلاف أجهزة كاملة في جسمه، ومن ثم إلى هلاكه وإن بشكل بطيء. إذ أنه يشكل أحد أبرز أسباب الإصابة بأخطر الأمراض وفي مقدمتها داء السرطان، وخاصة سرطان الرئة الذي ينتشر بنسبة مرتفعة لدى المدخنين، علاوة على أمراض أخرى تنفسية والتهابية وأمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم وإضعاف جهاز المناعة وغير ذلك كثير وخطير.
وتجدر الإشارة هنا بهذه المناسبة إلى أن تدخين التبغ يتسبب ليس فقط في الإصابة بسرطان الرئة، الذي يعد مسؤولا عن وفاة ثلثي الحالات، وأن التعرض لدخانه وإن بشكل غير مباشر في البيت أو في مقرات العمل يزيد هو الآخر من الإصابة بسرطان الرئة، بل يعد كذلك سببا رئيسيا في الإصابة بالانسداد الرئوي المزمن، وهي حالة ينتج فيها عن تراكم المخاط المليء بالصديد في الرئتين سعال حاد ومؤلم إلى جانب صعوبات تنفسية مرفوقة بآلام مبرحة. ويرتفع خطر الإصابة بداء الانسداد الرئوي المزمن بصفة خاصة في أوساط الذين يتعاطون التدخين في سن الشباب، حيث يؤدي دخان التبغ إلى إبطاء معدل نمو الرئتين ويفاقم حالة الربو، مما يحد من نشاط المدخنين…
لأجل ذلك وغيره لم يأت اليوم العالمي للامتناع عن التدخين اعتباطا، وإنما جاء بهدف المساهمة في حماية الأجيال الحالية والصاعدة من العواقب الصحية الوخيمة لانتشار هذه الآفة الخطيرة، وتفادي المصائب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية الناجمة عن تعاطي التبغ والتعرض لدخانه. حيث أنه من المتوقع طبقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، أن يزيد عدد وفيات ضحايا التبغ والنيكوتين عن ثمانية ملايين شخصا سنويا في أفق سنة 2030. وهو ما يفوق بكثير وفيات جائحة “كوفيد -19” التي هزت العالم، أدخلت الرعب في قلوب كافة الشعوب وغيرت نمط حياة الأشخاص وسلوكاتهم، إذ أن حالات الوفاة بسبب الجائحة لم تتجاوز خلال العامين الماضيين 3,6 مليون.
وبالرغم من كل التحذيرات والحملات الوطنية والدولية عبر مجموعة من التقارير الإذاعية والتلفزية، الرامية إلى تذكير المدخنين وغيرهم بخطورة هذا القاتل الصامت، الذي يقضي حاليا على حياة حوالي ستة ملايين شخصا سنويا من بينهم ستمائة ألف من الأطفال والنساء في مختلف بقاع الأرض، وضرورة التعجيل بالتخلص من هذه العادة السيئة، تحاشيا لمزيد من الأضرار البليغة الخطورة، فإن أعداد المدخنين في تزايد مقلق، حيث تشير بعض الدراسات إلى أنها زادت بنحو 150 مليون شخص خلال التسع سنوات الأخيرة، ليصل إجمالي المدخنين في العالم إلى 1,3 مليار شخص، استهلكوا من التبغ حسب أرقام منظمة الصحة العالمية ما يعادل 7,4 تريليون سيجارة في عام 2019، أي ما يقابل استهلاك 20,3 مليار سيجارة يوميا في جميع أنحاء العالم…
إذ أنه وفي ظل ضعف السياسات العمومية لمعالجة مثل هذه الآفة، سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن كشف في تقرير له حول تفشي ظاهرة الإدمان وتعدد أشكاله، عن حقائق ومعطيات صادمة بشأن سلوكات الإدمان وعدد المدخنين، الذي بلغ 6 ملايين شخصا منهم 5,4 من البالغين ونصف مليون من القاصرين دون سن 18 سنة، مشيرا إلى أنه يتم استهلاك 15 مليار سيجارة سنويا.
فحسب المسح الوطني تبلغ نسبة المدخنين المغاربة 13,4 في المائة من البالغين، بما في ذلك 26,9 من الرجال و0,4 من النساء. وتصل نسبة المتعاطين لتدخين التبغ في صفوف المتمدرسين المتراوحة أعمارهم ما بين 13 و15 سنة إلى 6 في المائة (سنة 2016)، فيما يتعرض حوالي 35,6 في المائة من الساكنة للتدخين غير المباشر في الأماكن العامة والمهنية.
من هنا وبالنظر إلى ما للإقلاع عن التدخين من فوائد صحية كثيرة حتى بعد ظهور بعض الأمراض المرتبطة به، ولاسيما إذا كان ذلك في وقت مبكر، فإن المديريات الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية في جميع جهات المملكة تأبى إلا أن تسارع إلى الانخراط في توجهات واستراتيجية الوزارة الوصية، من خلال تعبئة أطرها وموظفيها في اتجاه تحقيق الأهداف المتوخاة من الحملات الوطنية المعلن عنها، عبر إرساء آليات التوعية والتحسيس بمختلف المؤسسات الصحية، معتمدة في ذلك على تسريع دينامية الاستشارة الطبية لمساعدة الراغبين في الإقلاع عن التدخين، تنظيم موائد مستديرة مع الشركاء وفعاليات المجتمع المدني، وبث وصلات تحسيسية عبر الصفحة الرسمية للوزارة وشبكات التواصل الاجتماعي وفي قاعات الانتظار ومختلف الفضاءات، قصد الرفع من درجة الوعي إزاء مضار ومخاطر التدخين وأهمية التعجيل بالإقلاع عنه…
إن الإقلاع عن التدخين لن يفيد المدخن فقط في الحفاظ على صحته وحماية الأشخاص المحيطين به داخل البيت وخارجه، وإنما سيؤدي إلى تجديد وزيادة مادة الكولاجين، المنشطة للدورة الدموية والداعمة للبشرة ويجعلها أجمل. فضلا عن أنه يصبح بإمكان المدخن توفير الكثير من الدراهم، تختفي لديه رائحة الفم الكريهة، تزداد أسنانه نصاعة وابتسامته أكثر إشراقا…