الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

الاعتراف سيد الادلة ، اليس كذلك ؟

بقلم ابو ايوب


اقرار و اعتراف متعدد الاوجه ما افرزته الحرب الاوكرانية… وجوديا، عسكريا ، اقتصاديا و  جيوبوليتيكيا  بلغة شيكسبير أو  الجغرافيا السياسية بلغة الضاد . بحسب المنظومة الاطلسية الغربية ، منظومة تهاوت الى فج سحيق بشهادة عراب السياسات الامريكية منذ امد بعيد ، و اعني به هنري كيسينجر الذي تقلب في عدة مناصب من بينها وزارة الخارجية الامريكية منذ حرب فييتنام ، شخصية ذات ارث و ثقل قل نظيره في يومنا هذا ، فماذا قال الشيخ الهرم الذي شارف المئة سنة من عمره ( مومياء و ثعلب سطوة و جبروث الغرب في مختلف بقاع العالم ).
في تصريح له لوسائل الاعلام الامريكية ( الواشنطن بوسط مثال) ، اعترف بعدم قدرة امريكا على مجاراة الاندفاعة الروسية في ظل الحرب الاوكرانية ، ثم اردف بان امريكا ليست في مصلحتها بتاتا نشوب حرب عالمية ثالثة ، و لن تسمح بخسارة روسيا للحرب في اوكرانيا ، تفاديا لنشوب حرب نووية كما هدد بها بوتين ، و لتفاديها ما على المنظومة الغربية في شموليتها الا بالتراجع و تقديم تنازلات حفاظا على ما تبقى من هيبة العم سام .
وجوديا :
هيبة امريكا شاخت و هرمت و حان اوانها و ما هي الا مسالة وقت ، دليل هذا بتقديري ، التمرد الخليجي و الامتناع عن الاصطفاف وراء امريكا كما جرت العادة بمجلس الامن الدولي و الامم المتحدة على حد سواء ، امتناع يعد في حد ذاته انتفاضة على السياسات الامريكية ، و هذا ما لم يكن متاحا ابان حرب افغانستان و حرب العراق و سوريا و ليبيا و اليمن منذ بداية الازمة ، و للدلالة اكثر ، امتناع السعودية و دول الاوبيك على زيادة الانتاج و اغراق السوق الدولية للنفط ، كمساهمة لخفض الاسعار و ما ترتب عن ارتفاع الاسعار من تداعيات على اقتصادات الغرب و ما تولد عنها من ازمة طاقية أنت و لا زالت تئن تحت وقعها دول الغرب عموما .
بالتالي اوربا اليوم و الحلف الاطلسي يعيشان ازمة طاقة لم توفرها او تضمنها امريكا رغم كثرة الوعود ، اذ ان امريكا نفسها تعيش على وقع كوابيس الطاقة في ظل جبهة داخلية تتصدع يوما بعد يوم ، منذرة بقلاقل اجتماعية و سخط شعبي عارم جراء ارتفاع اسعار المحروقات …..الغذاء من بينها ، ما اثر سلبا على حياة المجتمع الامريكي ، حيث نسبة التضخم فاقت 10% و هي نسبة لم تعهدها امريكا منذ عشرات السنين ، كذلك الامر بالنسبة لكلبها الوفي بريطانيا حيث بلغت نسبة التضخم 9,7 ٪ ، و هي بالمناسبة نسبة لم تعهدها منذ حكومة مارغريت تاتشر .
فما ادراك بالدول الاوروبية و على رأسها اقوى الاقتصادات ( المانيا 1 اوروبيا و المرتهنة للغاز الروسي بقرابة 50%/ ايطاليا الثانية بنسبة 30%/ فرنسا….اسبانيا ….) ، اقتصادياتها تعتمد بالاساس على الغاز الروسي للاستعمال المنزلي او لتوليد الكهرباء و تدوير عجلة المصانع ….ازمة طاقة و غذاء لم تألفها اوروبا منذ نهاية الحرب العالمية اثانية في ظل انعدام البديل ! ، بالتالي ما عليها سوى القبول بنهاية السطوة الغربية و تقبل ميلاد عهد جديد على انقاض الزمن الغربي ( خلاصة تصريحات بلينكن وزير الخارجية الامريكية اخيرا ).
عسكريا :
لجوء روسيا الى استراتيجية السجادة دون الانجرار الى استراتيجية الارض المحروقة في الحرب على اوكرانيا ، مكنها من عزل و تقطيع اوصال و قضم الجغرافيا الاوكرانية ، و هي بالمناسبة نفس الاستراتيجية العسكرية التي انتهجتها بسوريا منذ انطلاق خريف الجمهوريات العربية ( حتى لا اقول مغالطة بالربيع العربي) ، تطهيرها لماريوبول جنوب شرق مكنها من السيطرة الكاملة على بحر ازوف ، كما ساعدها على تأمين الارتباط الترابي مع جزيرة القرم ، فضلا عن بسط سيطرتها على غرب اوكرانيا بالبحر الاسود و فرض حصار بحري مطبق على الصادرات الاوكرانية نحو الخارج ، و على راسها القمح و عباد الشمس مما خلق ازمة حبوب و زيوت عالمية .
المناورات النووية التقليدية الروسية الاخيرة بالمحيط الهادي عربون استعداد للاسوء ، اي بمعنى الاخذ بعين الاعتبار فرضية نشوب حرب نووية عالمية كما هدد بها بوتين ، في حال اقدمت امريكا على تسليم صواريخ متوسطة المديات لاوكرانيا تطال الجغرافيا الروسية ، بالتالي هي رسالة ردعية للمنظومة الغربية في شموليتها بما يشمل الحلف الاطلسي ، دليل الردع الاختبارات الناجحة و بدقة عالية لصواريخ سيركون و سمارت الفرط صوتية ، اختبارات تجسست عليها الاقمار الصناعية الغربية و تابعتها مختلف قنوات الاعلام ، فماذا كانت الخلاصة ؟ التفوق الروسي بامتياز بما يشمل الاسلحة المضادة للاقمار الصناعية ( اعماء عيون الغرب ).
اقتصاديا :
فرض العقوبات الغربية و مساعي حصار روسيا و التحفظ على ودائعها بالمصارف الغربية ….نجم عنه تعافي الروبل مقابل الدولار و تهاوي باقي العملات ( الين الياباني. اليورو مثال) ، بالتالي امسى المحاصر بكسر الصاد الى محاصر بفتحها ، اذ ارتفعت نسبة البطالة على ضوء ارتفاع اسعار الطاقة و الغذاء عمت الدول الغربية ، و ما تولد عنها من سخط شعبي ( بولونيا مثال) طال دول اوروبية كبريطانيا و فرنسا و اسبانيا …مما ساهم الى حد بعيد في تأزيم ازمات الغرب حيث بلغت مستويات منذرة بالتفكك و التحلل .
في الجهة المقابلة نرى الروس غير عابئين او متوجسين بتداعيات الحرب الاوكرانية ، و لعلي بلسان حالهم يتغنى بالتحالف الاستراتيجي بين بلادهم و الهند و الصين ( كبريات الدول المصدرة للغذاء من ارز و قمح …) ، في ظل الحصار المطبق على اوكرانيا التي تعد من المصدرين الاوائل للغذاء، تغنيهم هذا راجع بالاساس الى الامن و الاستقرار التي تنعم به الجغرافيا الروسية طاقيا و غذائيا رغم وجود بعض تاثيرات الحرب على اوكرانيا ، لكن الامر في مجمله يسوده الارتياح من النتائج التي حققها بوتين لروسيا ، و هي بالمناسبة مبعث افتخار للروس عموما .
جيوبوليتيكيا :
روسيا اليوم استعادت مكانتها الدولية كفاعل رئيسي على مسرح الاحداث و التطورات الميدانية بمختلف بقاع العالم ، و هي في مسعاها هذا مؤازرة بالنفوذ و القوة الاقتصادية و العسكرية لجمهورية الصين الشعبية ، فضلا عن العلاقات المتميزة و التنسيق الوثيق مع كل من الهند و باكستان ( قوتان نوويتان ) ، ضمن ما بات يعرف بالمحور و الحلفاء بما يشمل ايران و الجزائر و فنزويلا…مثال ، و هو المحور الساعي الى محاربة السياسات الامريكية و الغربية عموما ، و بخاصة في القارة السمراء العذراء الواعدة افريقيا .
زيارة الرئيس السينغالي الاخيرة لروسيا و لقاءه ببوتين و ما تولد عنها من تصريحات النأي بالنفس لم تكن زيارة دولة، بقدر ما كانت زيارة باسم الاتحاد الافريقي كمنظمة قارية تسعى الى اعادة تموقعها في رقعة الشطرنج العالمية ، اي بما معناه ، حاجتها الملحة الى مشاريع التنمية البشرية المستدامة و تامين غذاء شعوب دولها لضمان امن و استقرار دولها ، بعيدا عن الاصطفافات و سياسة الاحلاف و التكتلات التي الفتها كارث استعماري استغل خيرات الشعوب ، ما دفع بدول القارة السمراء مجتمعة الا من رحم ربك ، الى اعادة التموقع و اختيار التموضع حفاظا على استقلالية القرار السيادي السياسي الافريقي ، بعدما ضاق الافارقة درعا بوحشية و بشاعة الاستغلال الغربي لخيرات القارة و لماضيه الاستعماري.
روسيا او الصين و الهند معا لم يسبق لهم ان استعمروا افريقيا و لا نية لهم في ذلك ، و هم بالمناسبة من اوائل المصدرين للمواد الغذائية ، بالتالي تحتم على دول افريقيا البحث عن مصالح شعوبها على ضوء الحرب الروسية الغربية باوكرانيا ، و ما تولد عنها من ازمات افريقيا في غنى عنها و لديها ما يكفيها و اكثر من ازمات ، بالتالي اختارت الحياد المنحاز الى الطرح الروسي الصيني ، او بمعنى اخر ، خوض تجربة الاستعمار الاقتصادي التنموي بدل الاستعمار الاستغلالي الغربي ، و لعلي بها قد احسنت الاختيار بما يشمل اكثر من صعيد …، و للحديث بقية .

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *