بقلم: سالم تالحوت.
لتصور هذا التخلي أو الاستقالة الجماعية، يمكن تتبع مظاهرها بتحديد علاقة المفترض فيهم رعاية المؤسسة التعليمية واحتضان قضاياها. فكيف استقال اطر الوزارة والمدرسون وأولياء أمور المتعلمين ؟.
المسؤولون – عامة – في البلاد ربما تغيب عنهم الصورة التي يوجد علها التعليم بالمغرب العمومي والخصوصي منه. ذلك أن أغلب أطر وزارة التربية الوطنية ابتداء من الموظفين الصغار بالمديريات الاقليمية، انتهاء ببعض المعلمين يدرسون أبناءهم في المؤسسات الخصوصية.
وغالبا يضعون فيها الثقة العمياء، فلا يتتبعون ماذا وكيف يدرس أبناؤهم؛ إذ عادة ما توجد المؤسسات بعيدة عن مقرات سكناهم، وبالتالي لا يزورونها، وأن اغلبهم يكتفي بإرسال المقابل الشهري مع أبنائهم أو السائق أو “الخادمة” او يحولونها عبر الوكالات المالية.
عدم التتبع هذا يجعل موظفي الوزارة يسيرون القطاع العمومي بعقلية تختلف عن عقلية من يدرس أبناءه بالقطاع العمومي. أي أن المسيرين يدبرون القطاع بشكل تقني بارد، ولا يهتمون بالوضعية التي توجد عليها تلك المؤسسات وذلك القطاع ومن يدرس فيه…
سبق وأن صدعنا بأن فصل التوظيف واعتماد التعاقد سيجعل الموظف غير منذمج، ومع مرور الوقت لن يشعر بأن القطاع ملكا له، وسيتراجع منسوب الاهتمام به؛ ذلك أن الموظف الغيور على القطاع سيبدأ يلاحظ منذ دخوله من الباب وهو يسجل ما ينبغي أن يتم تجويده، ويزود الادارة والنقابة بأي اختلال… هل ننتظر من موظف مقصي ان تكون له غيرة ؟
إذن نحن أمام ظاهرة استقالة المدرس الذي لن يرتبط بالقطاع عن طريق البعد المكاني والوجداني، واستقالة الذي فرض عليه التعاقد المشؤوم، تتجلى في ما فرضه على مستوى التخلي عن مهمة الدفاع عن المرفق.
إضافة إلى استقالة الموظف والمدرس الطبيعية، سجل منذ زمان انسحاب الاسرة، التي لم تعد لها صلة بالمؤسسة التعليمية، وغير منخرطة في هموم المدرسة العمومية. ولا تنتمي إلى هياكل المدرسة انتماء حقيقيا.
لقد مضى ذلك الزمن الذي تتضافر فيه جهود الانتماء إلى المدرسة العمومية، الموظفون العموميون وعلى رأسهم المدبر على مختلف مستويات هياكل الوزارة استقالوا، وتخلى معهم الموظفون في مختلف القطاعات العمومية كالصحة والامن والقضاء…
لقد كان أبناء وبنات مختلف الطبقات يدرسون بمدرسة مدعومة بأسرهم، التي تخلت اليوم وانسحبت. فلا هي على اطلاع بما يقع في الخاص، ولا هي على دراية بما يحدث في الحجرات العمومية.
يمكن أن تقبر السياسات المستقيمة وتحارب وتبعد…، ويمكن أن تحل محلها السياسات الفاسدة تدريجيا، كما يمكن أن تستقطب الدولة سياسات مثالية، فذلك سيان. لكن حينما تتخلى الأسرة عن التعليم العمومي الذي تدبره الهياكل العمومية وتضع مسافة كبيرة بينها والذي تدبره الإدارات الخصوصية فذلك هو التخلي الكبير، وتلك هي كبيرة الموبقات التي نرتكبها في حق الوطن.