شعيب البطار
تعتبر اللغة العربية الإطار المعرفي الذي من خلاله يمكن للانسان العربي أن يفكر وينتج المعرفة ، ولاشك أنها تجسد الهوية العربية شكلا ومضمونا . شكلا من خلال كونها لغة زاخرة بالمصطلحات ، هذه المصطلحات التي تكتسب حضورها وخلودها من خلال طبيعتها الاشتقاقية، مما يجعلها تنسج وشائج لغوية كثيرة مما يجعل منها لغة قوية متماسكة، ومن جهة أخرى من خلال ارتباط الانسان العربي بها ارتباطا وجوديا أنطولوجيا؛ وقد نالت في ذلك المحل الأشرف؛ باعتبارها لغة القرآن وهو النص المقدس، اذ ساهم تقديس المسلمين للقرآن الكريم في اكساب اللغة العربية تقديرا واحتراما.
اما مضمونا فإننا نتجاوز هنا الحديث عن اللغة العربية كوسيلة للتواصل، إلى كونها مجمعا وحاضنا، وحافظا وناقلا للثقافة العربية وللمعرفة التي أنتجها العقل العربي، وكذا إطارا معرفيا استطاع العربي من خلاله أن يفكر في كل مجالات المعرفة بلا استثناء، كعلوم القران والفقه والحديث والفكر والفلسفة والسياسة والأدب والشعر والفن، بل قد عبر اللسان العربي عن ما لا تستطيع اللغة أصلا التعبير عنه ، حيث تتعطل لغة الكلام وأعني هنا التصوف، والذي قيل فيه “كلما اتسع المعنى ضاقت العبارة” لكن في حال اللغة العربية لم تضق العبارة بل اتسعت، بفضل قدرة اللغة العربية على الوصف والتجسيد ، وبالفعل
فقد نجحت اللغة العربية في التعبير عن الأحوال الانسانية والذوقية والتي لا تدرك إلا بالتجربة القلبية من خلال الرمز والمجاز.
وإذا كانت اللغة العربية قادرة على وصف هذه الأحوال الوجدية كما رأينا، فإنها بالأحرى قادرة على سبر أغوار الجمال والتعبير عنه، .
فاللغة العربية لا شك لغة الجمال؛ ويتجلى جمالها في طريقة كتابتها وفي تنوع أصوات حروفها وانسجامها مع التركيبة الفزيلوجية للانسان وعلاقتها بالأجراس الصوتية وبمخارج الحروف.
ولاشك أنه لا يعرف عظمة اللغة العربية إلا من خبرها وتذوق جمالها وسحرها.
وإذا كانت اللغة العربية تمثل الهوية العربية والاسلامية، فإنها تمثل البيت الذي نسكنه والهواء الذي نتنفسه ، مما يدفعنا للاعتزاز بها وغرس هذا الفخر في نفوس أبنائنا .
فإذا كانت الهوية تتجسد في الشعور الواعي للفرد، فإن اللغة العربية تتجاوز ذلك الى تأثيث الشعور غير الواعي للفرد وربطه ربطا متينا بثقافته العربية والاسلامية مما يزيد المجتمع أكثر تماسكا وترابطا.