اسماعيل الحلوتي
بتاريخ 19 أكتوبر 2022 انعقد المجلس الحكومي برئاسة عزيز أخنوش الأمين العام لحزب الأحرار، باعتباره رئيسا للحكومة، وقد تم تداول مشروع قانون المالية برسم سنة 2023 والمصادقة عليه، إلى جانب النصوص المرافقة له. وهو المشروع الذي صيغ بناء على فرضيات حددت نسبة النمو في 4 في المائة، نسبة التضخم في حدود 2 في المائة وعجز الميزانية في 4,5 في المائة. ويمكن تلخيص أولوياته وفق البلاغ الحكومي في أربعة محاور، وهي كالتالي: ترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية، إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال دعم الاستثمار، تكريس العدالة المجالية واستعادة الهوامش المالية لضمان استدامة الإصلاحات…
وككل الحكومات المتعاقبة التي لا تتوقف عن التطبيل والتزمير لكل ما تزعم أنه إنجاز غير مسبوق، فإن حكومة أخنوش بدورها تقول بصدد مشروع قانون المالية لسنة 2023، إنه جاء في إطار وفائها بالتزاماتها المسطرة في برنامجها الحكومي، وفي مقدمتها تأسيس الدولة الاجتماعية التي يعد تعميم التغطية الصحية والاجتماعية من أهم ركائزها الأساسية، وأنها ماضية في هذا الاتجاه من خلال التكفل بتكاليف الاشتراك في التأمين الإجباري عن المرض لفائدة أكثر من أربعة ملايين أسرة في وضعية هشاشة. وأنها ستحرص على تأهيل المنظومة الصحية من خلال تخصيص موارد مالية ضخمة مقارنة بالسنوات الماضية، وعلى القدرة الشرائية للمواطنين عبر دعم صندوق المقاصة ب”26″ مليار درهم وإحداث مزيد من مناصب المالية فضلا عن تنزيل خارطة الطريق لإصلاح منظومة التربية والتعليم والحفاظ على توازنات الدولة المالية رغم الظرفية الدولية الصعبة التي يتعذر في الوقت الراهن التكهن بمآلاتها…
بيد أنه خلافا لما تروج له الحكومة من عزمها الأكيد على إرساء أسس الدولة الاجتماعية، يرى عدد من الملاحظين أن مشروع قانون المالية 2023 الذي تم تقديمه أمام نواب الأمة في الغرفة الأولى بالبرلمان، جاء موافقا فقط لطموحاتها في الرفع من مداخيلها إلى ما يناهز 50 مليار درهم أي ما يمثل زيادة 19 في المائة عن القانون المالي السابق، وفي ذات الوقت أتى محبطا ومخيبا لآمال الكثير من المغاربة الذين ظلوا يراهنون على أن يكون مخالفا لما سبقه من قوانين مالية في السنوات الماضية، ويرفع عنهم تلك المعاناة التي ما فتئت تعبث بأعصابهم، وتخفيف العبء عليهم من فرط الزيادات المتوالية التي أرهقت كاهلهم وقوضت قدرتهم الشرائية…
وتجدر الإشارة هنا إلى أن فرقا من المعارضة البرلمانية سبق لها أن قامت بقراءة نقدية للمذكرة التأطيرية حول مشروع القانون المالي لسنة 2023 متوخيا من ذلك التنبيه إلى أبرز النقائص من أجل تجاوزها في حينه، ولاسيما أن المذكرة لم تكن تحمل معها أي جديد مفيد، كما أنها لم تقدم أرضية واضحة للبديل الاقتصادي والاجتماعي الذي تدعيه الحكومة، إذ أنه عدا المشاريع الملكية المؤطرة برؤية استراتيجية واضحة المعالم والأهداف وبأجندة ومصادر تمويل محددة، فإن المشروع يفتقر إلى تلك النظرة الاستشرافية والاستراتيجية الإصلاحية، التي يمكن لها أن تفتح أبواب الأمل حول المستقبل…
وعلى هذا الأساس لم تجد المعارضة أمامها من وصف يليق بمشروعها عدا “القانون الافتراضي”، لكونه قانونا يخلو من أي جديد من حيث الوفاء بالوعود، وأن ما تدعيه الحكومة من زيادات في أجور مهنيي الصحة والتعليم، ليست في واقع الأمر سوى تصحيحا لوضعية تلك الفئات وتسوية أوضاعها التي ظلت تناضل من أجلها المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية. حيث أنها اعتبرت أن المشروع هو عبارة عن مجموعة من الفرضيات، شيدت عليها الحكومة أحلامها من خلال ميزانية قابلة للتحقق كما لعدمه، مستغربة من تعهد الحكومة على تحقيق نسبة نمو تصل إلى 4 في المائة، حصر معدل التضخم في حدود 2 في المائة في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار، بالإضافة إلى خلق 48 ألف و212 منصبا ماليا مقابل 43 ألف و860 منصبا ماليا بالنسبة لسنة 2022، من خلال مشروعها “السحري” المشوبة بعض مؤشراته بعدم الدقة، لقيامه على مجرد فرضيات غير مؤكدة…
صحيح أن مشروع قانون ميزانية عام 2023 جاء في سياق دولي موسوم بعدة أزمات كبرى، من قبيل جائحة “كوفيد -19” وتداعيتها، الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عنها من ارتفاع في أسعار المحروقات وباقي المواد الأساسية وكذا موجة الجفاف التي ضربت الموسم الفلاحي وغيرها، غير أنه لا يمكن لنا أن ننسى أنه جاء كذلك مؤطرا بالتوجيهات الملكية السامية وبمخرجات النموذج التنموي الجديد، فهل ستكون الحكومة في مستوى التدبير الأمثل لهذه الميزانية والتنزيل الجيد لمضامين الخطب والتوجيهات الملكية، وهي التي مازالت تتخبط في قراراتها؟
إننا بعيدا عن تبادل الأدوار بين الأغلبية والمعارضة في الحكومات المتعاقبة، نقدر ما يبذله مدبرو الشأن العام من مجهودات، لاسيما إذا كانت مرفوقة بحس وطني وروح المسؤولية، إيمانا منا بقول الرسول الأعظم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر واحد”
بيد أن ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان، هو أن المغاربة بالرغم من كونهم تربوا على التضامن، وجبلوا على تقديم التضحيات الجسام من أجل حماية الوطن مهما كلفهم الأمر من ثمن، فإنهم يرفضون التلاعب بعواطفهم والتمادي في حرمانهم من الحلم بغد أفضل والعيش الكريم، وإلا فما جدوى سن سياسات عمومية وصياغة مشاريع قوانين مالية، إذا لم تكن ذات آثار إيجابية عليهم في عملهم وقوتهم اليومي وتعليم أبنائهم وعلاجهم؟