الإعداد العلمي: نورا عبه جي.
تتعدد التسميات التي لها دلالة على طبيعة أنظمة الحكم في العالم، كالأنظمة الديمقراطية أو الأوتوقراطية أو الثيوقراطية أو البيروقراطية أوالارستقراطية أوالتكنوقراطية أو الكليبتوقراطية …
فماهي الكليبتوقراطية؟؟!! وما هو مفهومها !!
مفهوم الكليبتوقراطية:
يعود أصل كلمة الكليبتوقراطية إلى اليونانية من كلمتي كليبتو – Κλεπτο والتي تعني لص، وكلمة قراط – κρατ والتي تعني حكم، ومن هنا بإمكاننا ترجمة الكليبتوقراطية ”بحكم اللصوص“. وهو نمط الحكومة الذي يراكم الثروة الشخصية والسلطة السياسية للمسؤولين الحكوميين والقلة الحاكمة، الذين يكوّنون الكربتوقراط، وذلك على حساب الجماعة. وعادة ما يكون نظام الحكم في تلك الحكومات في الأصل ديكتاتورياً أو استبدادياً، ومع ذلك فقد تظهر الكليبتوقراطية في بعض النظم الديمقراطية التي انزلقت من الأولغارشية.
والكلِيبتوقراطية مصطلح يرد تفسيره في معجم العلوم السياسية؛ بكونه تعبيراً عن نظام حكم جوهره الفساد واللصوصية أو نهب الثروات العامة. وتقوم سلطة الفساد على وحدة مكينة بين السلطة السياسية وسلطة مافيات لصوصية تسطو على الثروة العامة بوسائل عديدة يتم شرعنتها، بآليات عمل حكومية رسمية عبر برامج مشروعات وهمية وأشكال من التَسَتُّر من قبيل إحالة ما يُفتضح من أمور للجان تحقيقية تنهض بمهمة تمييع القضايا وسط تراكمها وكثرتها وضخامة ما فيها وفوضى ما ينثر حولها.
كما تُعَرِّفْ الموسوعة العربية الكلبتوقراطية بأنها مصطلح يطلق لا على نظام مُقَنَّنْ من أنظمة الحكم بقدر ما يحاول وصف نظام يعتريه الفساد من الداخل بسبب ضعف الحكم أو تسخيره للمصالح الفردية ولو بالخروج عن القوانين، أو عدم قدرته على تطبيق القانون أو عدم أهليته لذلك، بسبب انحرافه عن مبادئ العدالة والديمقراطية، لترتدي روابط المنفعة مظاهر هذا الانحراف أردية مختلفة لمصلحة قلة من شبكات المنتفعين دوناً عن الصالح العام، ولو كانت عن طرق غير مشروعة.
ويتضح مما سبق بأن الكليبتوقراطية لديها مرتكزات أساسية تحافظ على ديمومتها وتأمين السرقات، والحفاظ على السارقين في مناصبهم وتعزيز قوتهم، وتمكنهم من القبض على مصير الناس والتحكم بثروات البلاد. والآلية المعروفة هي إحداث التفرقة والصراعات الداخلية وفقا لمفهوم “فرّق تسد“، ولهذا يمكن الاستدلال على أنظمة الحكم اللصوصية من الواقع الذي أوجدته، فإن هي سعت لإحداث الصراعات الدامية ما بين أبناء المجتمع، فهذا يعني أنها تدعو لذلك لكي تحافظ على سرقاتها وتنميتها، وإن هي دعت إلى الوحدة الوطنية والتماسك الوطني فإنها ليست كذلك. وهذه آلية معمول بها منذ قرون، حيث شرعها ميكافيلي باعتباره “السياسة فنّ تحقيق المكاسب الخاصة تحت ستار تحقيق المصلحة العامة والوصول للسلطة والمحافظة عليها مرتبط بكل مفاسد الأخلاق من كذب وغدر وتزوير وقسوة وإفساد”.
فئات الحكم في الكليبتوقراطية
ينبغي ألا يُفهم الفساد الحكومي الحادّ باعتباره فشلاً أو تشويهاً للحكم، بل نظاماً فاعلاً تستخدم فيه الشبكات الحاكمة أدوات قوة مختارة للاستيلاء على مصادر دخل محددة. ويلقي هذا الجهد في كثير من الأحيان بظلاله على الأنشطة المرتبطة بإدارة الدولة، ويمكن تقسيم الكليبتوقراطية إلى فئتين:
الفئة الأولى: هي تلك الدول التي تعاني الفساد المنظّم نسبياً ، الذي يتعلق بذروة الهرم السياسي، أي فساد الرؤساء والحكام من خلال استغلال سلطاتهم لتحقيق مكاسب شخصية، ويستولي على أدوات عمل الحكومة الأساسية، مما يؤدي إلى تطويع موارد الدولة لخدمة المصالح المادية للنخبة الحاكمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث تسيطر تلك الشبكات على وظائف الحكومة المهمة، وتحاول تطويع أدوات القوة الرسمية وغير الرسمية لمصلحتها، من خلال استمالة السلطات الثلاث لمصلحتها، لضمان الإفلات من العقوبات القانونية، وأهم ما يميز تلك الشبكات إضفاء المشروعية على أنشطتها الفاسدة من خلال استصدار تشريعات محددة من السلطة التشريعية، تخدم مصالحها.
الفئة الثانية: وهي تلك الدول التي تعاني الفساد الذي يسري داخل النظام السياسي ذاته ، ولكن ليس بالدرجة نفسها في الفئة الأولى (ذروة الهرم) ، لأن النخب الحاكمة في تلك الدول غالباً ما تكون أقل تناسقاً وتنظيماً واحتكارها لأدوات القوة الأقل اكتمالاً، ولذلك قد تنخرط في منافسة علنية وعنيفة للاستيلاء على مصادر الدخل وموارد الدولة مع شبكات فساد منظمة أخرى لا تنتمي إلى النخب الحاكمة ، حيث يكون الاستيلاء على الهياكل الحكومية المحلية الأكثر هشاشة من نظيرتها الوطنية، وتلعب المناطق الواقعة على الحدود على وجه الخصوص دوراً مهماً بالنسبة إلى شبكات الاتجار وقد تكون اهدافاً رئيسة.
مصادر الدخل في الكليبتوقراطية
يختلف اختيار مصادر الدخل في البلدان المختلفة، اعتماداً على الجغرافيا والطوبوغرافيا والعوامل التاريخية، ولذا ينبغي أن تتم دراسته في إطار رسم صورة شاملة لبنية كليبتوقراطية معيّنة. وقد يساعد فهم مصادر الدخل التي تخدم أساساً دعم وتمكين الفساد الحكومي المتعسّف، في مقابل المصادر التي توفّر بعض المنافع للسكان، في التعريف بالأعمال الأكثر إيجابية التي يقوم بها القطاعان العام والخاص. وبطبيعة الحال، الثروة هي الهدف المنشود في كلتا فئتي الحكم الكليبتوقراطي.
ففي الدول الغنية بمصادر الدخل من الموارد الطبيعية، – إذا ماتمّ النظر إليها بطريقة أخرى – تسعى الحكومات الفاسدة تماماً للاستيلاء عليها. وقد يساعد تحديد مصادر الدخل هذه بحسب كل بلد على فهم أفضل لطبيعة كل بنية فاسدة واقتراح سبل تحسين محاربتها بعض مصادر ريع النخبة مميّزة جداً في تأثيرها لجهة ارتباطها بفئة خاصة من القصور الحكومي.
وفي البلدان الفقيرة بالموارد، تعتبر الأراضي العامة مصدراً للثروة، ولذلك تسعى أغلب الشبكات الكليبتوقراطية إلى الاستئثار به وتخصيصه لنفسها. وفي البلدان القاحلة، يعتبر الوصول إلى المياه ومدى صلاحية الأرض للزراعة السّمة الرئيسة التي تحدّد قيمة قطعة ما من الأرض. وفي أماكن أخرى، قد يكون أهم عامل هو القرب من شاطئ البحر أو المناطق السياحية الأخرى. كما تتيح السيطرة على الممرّات البرية للمسؤولين الفاسدين الهيمنة على السلطة الجمركية والاتجار بالأسلحة والمخدرات والسلع الأخرى المزعزعة للاستقرار وفي عالم اليوم المعولم، لايوجد بلد أو نظام حكم يعيش في فراغ. إذ يجري تسهيل قدرة الحكومات الفاسدة للغاية على احتكار الموارد في بلدانها من جانب أطراف خارجية مساعدة، هي في الغالب مؤسّسات وأفراد غربيون محترمون.
ينبغي ألا يقلّل المسؤولون الدوليون من مستوى تنظيم الشبكات الفاسدة لنفسها بغية احتكار المساعدات المالية الخارجية، وقد يتم أيضاً تأسيس “منظمات غير حكومية تديرها الحكومة”، بصورة متعمّدة للاستيلاء على المنح التنموية، أو قد تطلب الحكومات توجيه المساعدة الخارجية إلى ميزانية الدولة مباشرة، وتستغلّ حساسية الدول المانحة لقضايا السيادة أو رغبة العاملين في مجال التنمية في تشجيع الملكية المحلّية وتجنّب خلق هياكل موازية.
وأيضاً عندما تجمع ماتسمى الرشوة الصغيرة، يتّضح أنها ليست تافهة على الإطلاق، ويمكن أن تمثّل مصدراً كبيراً للدخل. وثمّة إمكانية لأن تحدث المبالغ الإجمالية القياسية فرقاً حقيقياً في الاقتصادات الوطنية، ويؤدّي الكم الهائل من المال الذي يُوظَّف في السياسة إلى تشويه العملية السياسية، وغالباً مايكون غطاءً للرشوة الصريحة والمباشرة.
يضرّ الفساد الحادّ بالنظم البيئية المادية على نحو يتعذّر محوه أو إزالته. وتقوّض الشبكات الكليبتوقراطية التنوّع الاقتصادي لبلدانها، لأنها تركّز طاقات الحكومة على مصادر الدخل التي يمكنها الاستيلاء عليها. وتنكمش القطاعات الاقتصادية الأخرى أو تضعف بسبب الغش الذي يُمارس في المنافسة غير المشروعة. وبالتالي تنعدم الفرص الاقتصادية، وترتفع معدلات البطالة، وإثارة غضب الشعوب ويمكن أن تتسبّب التشوّهات الناجمة عن ذلك في تأثيرات تزعزع استقرار النظم البيئية الاقتصادية بأكملها.
يعتبر معيار الشفافية الوسيلة الناجحة للمساهمة في الكشف عن نقاط الفساد الحاد والمنظم المتفشي في المجتمع، كما أنها تؤدي إلى إدراك ما يحدث على جميع الارصدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتمكن المواطنين من الاطلاع على تفاصيل تلك الحقائق وسياسات الحكومة المتعلقة بتسيير المال العام وتوزيعه،عن طريق وسائل الاعلام المختلفة والتي إذا أتيحت لها الفرص عن التعبير بكل حرية تسهم في لعب دور هام في الكشف عن الفساد الحكومي وجرائم نهب المال العام و سرقته.
___________
المصادر والمراجع:
كليبتوقراطية”، موقع صحيفة الأهرام المصرية، 14 مايو 2011 ريم عزمي.
الحوار المتمدن ، العدد 4105 تيسير ، نظام الكليبتوقراطية وطبقة الكربتوقراط وتطبيقات لتفسير المصطلح اقتصاسياسيا.
الموسوعة العربية، المجلد الثامن.
أكرم بدر الدين- ظاهرة الفساد السياسي- النظرية و التطبيق- دارالثقافة – القاهرة -1992
الحرب على المواد ( الجغرافيا الجديدة للنزاعات العالمية)، مايكل كلير ، ترجمة : عدنان حسن ،دار الكتاب العربي ، 2002.
مايكل جونسنون،متلازمات الفساد( الثروة و السلطة والديمقراطية) ، ترجمة : نايف الياسين ، النشر،العبيكان، 2008.
محمد عبد الفتاح ياغي ، مبادئ الأخلاقيات العامة، دار ياسين للنشر، عمان 1995.
الفقر والفساد في العالم العربي ، سمير التنير، دار الساقي ،بيروت 2009.
Sarah Chayes, “Thieves of States: Why Corruption threatens Global Security”, (New York City: W. W. Norton & Company, 2015).
Marc Badia-Miró, Vicente Pinilla, and Henry Willebald, editors, Natural Resources and Economic Growth: Learning from History. New York: Routledge, 2015