اسماعيل الحلوتي
نحن لا نقصد هنا بالكلاب الشاردة تلك الكلاب البشرية التي لا تتوقف عن النباح خلف قوافلنا المحملة بالنجاحات، وإنما نعني بها تلك الحيوانات التي ما انفك يشكو منها الكثير من المواطنات والمواطنين في مختلف مدن المملكة المغربية. حيث أصبحت ظاهرة انتشار الكلاب الضالة تزعجهم وتثير مخاوفهم خلال السنوات الأخيرة، لما تشكله من خطر على سلامتهم وسلامة أبنائهم، خاصة أن معظمها غير ملقح ولم يخضع لأي تعقيم. فضلا عما خلفه هجومها من آثار جسدية ونفسية عميقة على بعض السكان هنا وهناك، فيما تظل السلطات واقفة تتفرج، عاجزة عن حمايتهم واجتراح الحلول الكفيلة بمعالجة هذه الظاهرة.
إذ يشهد المغرب حسب بعض الإحصائيات الرسمية انتشار ما يقدر بحوالي 3 ملايين من الكلاب الضالة، وأكدت وزارة الداخلية في عام 2019 أن المكاتب الجماعية لحفظ الصحة تقوم بجمع أزيد من 140 ألف كلب سنويا. ثم ليس وحدهم المواطنون العاديون من يتذمرون من استفحال هذه الظاهرة التي تثير القلق والرعب، بل وصل صداها حتى قبة البرلمان، حيث طالما نبه بعض النواب البرلمانيين من خلال أسئلتهم إلى التنامي اللافت لظاهرة الكلاب الضالة في عدد من الأحياء والشوارع بالمدن المغربية، محذرين السلطات المعنية من مغبة الاستمرار في التغاضي عنها، لما باتت تشكله من تهديد حقيقي ويومي للساكنة داخل الأماكن المنتشرة فيها، ومستنكرين في ذات الوقت الغياب شبه التام للمصالح الجماعية، خاصة منها تلك المسؤولة عن حفظ الصحة التابعة لمجالس المدن.
وعوض اتخاذ مدبري الشأن المحلي الإجراءات اللازمة والرامية إلى الحد من هذه الظاهرة في اتجاه حماية المواطنين من مخاطر الكلاب الشاردة، لم تجد سلطات مدينة طنجة التي كانت تتهيأ لاحتضان افتتاح بطولة العالم للأندية في كرة القدم “الموندياليتو” المقرر يوم الأربعاء فاتح فبراير 2023، من وسيلة للتخلص منها عدا القيام بحملة واسعة لملاحقتها وإعدامها رميا بالرصاص في واضحة النهار وأمام الأنظار. مما خلف موجة عارمة من السخط والاستياء في أوساط ساكنة المدينة وزوارها…
فقد انتشرت في حينه بشكل واسع مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي توثق لعمليات إعدام عدد من الكلاب من طرف السلطات العمومية بمحيط ملعب “ابن بطوطة” وغيره من المناطق المجاورة. وهو الفعل الذي انتقده عديد الحقوقيين والمنتسبين إلى جمعيات الرفق بالحيوان، واعتبروه جريمة شنعاء تستوجب محاسبة مرتكبيها والواقفين خلفها، لأنها تخالف مبادئ الرحمة والإنسانية التي نص عليها الدين الإسلامي في معاملة الحيوان، وتتعارض كذلك مع تعليمات وزارة الداخلية التي سبق لها أن أصدرت منشورا تمنع من خلاله مدبري الشأن المحلي من قتل الكلاب بواسطة الأسلحة النارية أو المواد السامة، داعية إلى اعتماد أساليب أخرى أرحم من قبيل الإخصاء والتعقيم للحيلولة دون استمراها في التناسل.
وهو المنشور الوزاري الذي لقي في إبانه ترحابا من قبل جمعيات الرفق بالحيوان في مختلف المدن، ولاسيما أن وزارة الداخلية سبق لها أن وقعت في سنة 2019 اتفاقية مع الهيئة الوطنية للأطباء البياطرة والمكتب الوطني للسلامة الصحية، تنص على تعزيز التعاون والتنسيق من أجل محاربة الكلاب الضالة، التي تشكل خطرا على صحة الإنسان، وذلك عبر عملية الإخصاء للحد من تكاثرها وتلقيحها ضد داء السعار. كما نادى ناشطون آخرون في المجال الحقوقي بتعقيمها جراحيا، منبهين إلى أنه بإمكان الكلبة الواحدة أن تلد ما لا يقل عن ثلاثين جروا في السنة…
ألا يعلم أولئك الذين أقدموا على جريمة إعدام كلاب شاردة بمدينة طنجة قبيل “الموندياليتو” أنه سبق لإحدى المحاكم المغربية بمدينة الناظور أن أصدرت حكما يقضي بفرض غرامة مالية على بلدية الناظور، بسبب استعمال الرصاص الحي في قتل كلاب ضالة، موضحة في نص الحكم بأن “لجوء البلدية إلى قتل الكلاب بوسيلة الذخيرة الحية، مشروط بأن يكون هو الوسيلة الوحيدة لكف أذاها وضررها، ومع مراعاة الإحسان في قتلها، وهو ما لم تثبته” وأضاف بأن “تطور المجتمع لا يقاس فقط بتعامله مع البشر، وإنما بتعامله كذلك مع الحيوانات، وهو الأمر الذي يفرض اللجوء إلى بدائل لاحتواء الظاهرة في إطار حضاري يلائم مقتضيات العصر”؟ ذلك أن جمعية أمم للرفق بالحيوان وحماية البيئة تقدمت بشكوى في شهر فبراير 2022 لدى المحكمة الإدارية، تفيد بأن بلدية مدينة الناظور قامت بعملية “إبادة للكلاب الضالة وسط مشاهد مروعة وأصوات إطلاق الرصاص الحي ومناظر لجثث الكلاب المقتولة والمجروحة والدماء على الأرصفة والطرقات” معتبرة أن العملية تمت خارج الضوابط القانونية والاتفاقية الموقعة بين وزارة الداخلية والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة والمكتب الوطني للسلامة الصحية.
إن خير ما يمكن أن نختم به ورقتنا هذه هو ما ورد في حديث نبوي شريف حول الرفق بالحيوان، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته”. فأين نحن من الإحسان والرحمة في تعاملنا مع الكلاب الشاردة؟ ألم يكن حريا بأولئك الذين يقدمون على قتلها بطرق لا إنسانية، القيام مثلا بوضع برامج لتلقيحها وتعقيمها أو توفير ملاجئ ذات معايير دولية لاستقبالها، حتى يكون المواطنون في مأمن من مخاطرها؟