اسماعيل الحلوتي
يحز في النفس كثيرا أن تخصص جميع البلدان في مختلف بقاع الأرض يوما عالميا أو عيدا أمميا، من أجل الاحتفاء بفئة من فئات المجتمع وتسليط الضوء على معظم مشاكلها، مانحة إياها فرصة التعبير عما بات يشغل بالها من قضايا ويخالج صدرها من هموم للعمل على إيجاد حلول ناجعة لها ورفع المعاناة عنها، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لليوم العالمي للمكفوفين أو اليوم العالمي للطفل أو اليوم العالمي للمرأة أو عيد الشغل كذلك وغيره، من الأيام والأعياد، فيما يظل المعطلون الشباب بدون يوم وطني ولا عيد أممي. أليس لهذه الفئة المقهورة الحق في التعبير عن معاناتها في البحث عن الشغل، أو الاستفادة هي الأخرى على غرار باقي الفئات من لحظات فرح عابرة؟
ويحز في النفس أيضا أن يقضي شبابنا أزيد من عقد ونصف من الكد والاجتهاد على مقاعد الدراسة في أسلاك التعليم الأساسي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، ثم الدراسات العليا بالمدارس العليا للتقنيات والجامعات المغربية ومراكز التكوين المهني، ليجدوا أنفسهم في آخر المطاف عرضة للضياع، حيث يقضون الكثير من الوقت في البحث بكل الوسائل المتاحة عن فرص شغل مناسبة تحفظ لهم كرامتهم من دون جدوى. ثم أي خيبة أمل وإحباط تصاب بهما أسرهم التي أنفقت من المال والجهد الكثير، يحذوها الأمل الكبير في أن تراهم يوما في أحسن المراتب والمراكز الاجتماعية؟
فلا أحد من غير العاطلين أو المعطلين كما بات يسميهم الكثيرون، باعتبارهم غير مسؤولين عن الوضعية التي وجدوا أنفسهم محشورين فيها قسرا، بإمكانه الشعور بحجم الألم الذي تخلفه له هذه الوضعية المشؤومة، ولا تلك المعاناة التي يكابدها هؤلاء الشباب، الذين يرفضون أن يصبحوا من جديد عالة على أسرهم الفقيرة والمعوزة، والذين يكاد الكثيرون منهم في ظل قلة المباريات أو أمام عدد من الشروط التعجيزية من قبل تسقيف السن أو الخبرة الضرورية، لا يتوقفون عن إرسال سيرهم الذاتية عبر الإنترنت لمئات الشركات والمؤسسات في مدنهم وخارجها طلبا للشغل، وأحيانا أي شغل حتى وإن كان لا يتناسب مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم، دون أن يحظوا حتى برد مهما كان محبطا وصادما.
وحسب ما توفر لدينا من إحصائيات رسمية مستقاة من تقارير المندوبية السامية للتخطيط برسم سنة 2022، نجد أن قرابة 3 من 10 عاطلين عن العمل أي ما يمثل 29,7 في المائة هم من الشباب، ويسكن حوالي ثلاثة أرباع أي 75,8 في المائة من الشباب العاطلين بالوسط الحضري و67,3 في المائة هم ذكور و90,1 في المائة حاصلون على شهادة تعليمية. وقد بلغ معدل البطالة على الصعيد الوطني 31,8 في المائة في صفوف الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة مقابل 13,7 بالنسبة للأشخاص المتراوحة أعمارهم بين 25 و44 سنة، و3,8 في المائة الذين تصل أعمارهم إلى 45 سنة فما فوق. وأنه حسب المستوى العلمي، بلغ معدل البطالة لدى الشباب بين 15 و24 سنة من الحاصلين على شهادة ذات مستوى عال 61,2 في المائة، بينما بلغ لدى حاملي شهادة من مستوى متوسط 30,4 في المائة، و12,9 في المائة بدون أي شهادة.
وجدير بالذكر أن البطالة لدى الشباب المغربي تتجلى بشكل أكبر بالوسط الحضري وبين النساء الشابات، حيث يصل المعدل ذروته عند 46,7 في المائة بالوسط الحضري مقابل 15,9 في المائة بالوسط القروي، ويفوق المعدل لدى الإناث نظيره له الذكور ب”13″ نقطة أي (41,9 مقابل 28,4 في المائة) ويبقى ارتفاع معدل البطالة ملحوظا لدى الشباب خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع ب”6,9″ نقطة مقابل “3,1” نقطة لدى مجموع السكان النشيطين ما بين سنتي 2019 و2021، كما تجدر الإشارة إلى أن بطال الشباب المغربي هي بطالة طويلة الأمد إلى حين الولوج لأول شغل، وهكذا نجد أن 70,4 في المائة من العاطلين الشباب هم في وضعية بحث مستمر عن منصب شغل منذ سنة أو أكثر، وحوالي ثلاثة أرباع الشباب أي 73,4 في المائة هم في وضعية بطالة دائمة دون أن يسبق لهم الاشتغال. هذا دون إغفال أن هناك الربع من الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة (26 في المائة أو 1,5 مليون شاب) على الصعيد الوطني لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين…
إنها بالفعل أرقام مقلقة ومؤرقة تكشف بوضوح عن عدد من الشباب الضائع، بالرغم مما أنفقت عليهم أسرهم والدولة أيضا من ميزانيات ضخمة في التعليم والتكوين، ولأشد ما بتنا نخشاه في ظل تزايد أعدادهم واستمرار الحال على ما هو عليه من إهمال وعدم خلق فرص شغل مناسبة، أن يسيطر عليهم اليأس وحب الانتقام، ويتحولوا إلى قنابل مؤقتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة وحين تأتي على الأخضر واليابس، وعليه نقترح أن يخصص لهم يوم وطني للجهر بمعاناتهم وإسماع صوتهم لمن يهمهم الأمر.