اسماعيل الحلوتي
بدا واضحا الآن أن النظام العسكري الجزائري لم يجد من واجهة مدنية تمثله جيدا وتكون قادرة على خلافة الرئيس المنتهية ولايته، عدا عبد المجيد تبون نفسه لما تتوفر فيه من شروط الإذعان للأوامر، مما دفع بعدد من التنظيمات السياسية والفعاليات المدنية التي تأتمر بأوامر العصابة الحاكمة في قصر المرادية، إلى أن تهب عن بكرة أبيها، داعمة إياه في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 7 شتنبر 2024، ودعوة الشعب الجزائري بكل أطيافه إلى المشاركة بكثافة، بدعوى أنه ليس هناك من شخص غير “عمي تبون” أنسب لقيادة البلاد نحو مزيد من التنمية والازدهار وتعزيز الاستقرار.
فعن أي تنمية، وأي ازدهار يتحدث لاعقو أحذية “الكابرانات”، والعالم أجمع لم ينفك يتفرج منذ تولي عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر على طوابير الجزائريين المغلوب على أمرهم أمام المحلات التجارية والفضاءات الكبرى بمختلف ولايات الجزائر تكاد لا تنقطع، حيث الازدحام والتدافع والمعارك الضارية من أجل الظفر بما تيسر من مواد غذائية في ظل ندرتها، إلى الحد الذي أصبح فيه أرباب تلك المحلات التجارية والأسواق يرددون بسخرية على مسامع المتقاتلين على الحليب والعدس وغيرهما عبارة: “الجزائريون يموتون في الطوابير أكثر من الأشخاص الذين يموتون في الحروب”؟ !
وتبون الذي اختاره الكابرانات لعهدة ثانية، طالما تحول إلى مادة دسمة للسخرية بسبب خرجاته الإعلامية غير المحسوبة العواقب، إذ أبى إلا أن يدشن حملته الانتخابية بتصريحات سخيفة وجد غريبة، مما جعل الكثيرين يشككون فيما إذا كان الرجل في كامل وعيه، حيث قال بلغة “الواثق” من نفسه يوم الأحد 18 غشت 2024 خلال تجمع انتخابي بمحافظة قسنطينة: “نقسم ليكم بالله، لو يساعدونا ويحلو لينا الحدود بين مصر وغزة، عندنا ما نديرو” وأضاف بأن “الجيش الجزائري على أتم الاستعداد والجهوزية لدخول غزة لو كانت الحدود مفتوحة، من أجل تشييد ثلاثة مستشفيات في ظرف عشرين يوما، وبعث مئات الأطباء إلى القطاع، وكذا المساعدة في إعادة بناء ما دمر من طرف الصهاينة”
فكان أن ضجت منصات التواصل الاجتماعي بردود فعل ساخرة داخل الجزائر وخارجها، إذ فضلا عما قال أحد المعارضين الجزائريين بأن “تصريحات مرشح الرئاسة غير مسؤولة ولا تعدو أن تكون محاولة لدغدغة مشاعر الجماهير، وستكون لها بالتأكيد تبعات على العلاقات المصرية/الجزائرية إثر الاتهام غير المباشر للقاهرة بإغلاق الحدود وعرقلة وصول ودخول المساعدات إلى غزة”، هناك من وصف تصريحاته البلهاء ب”الشعبوية” المقيتة، وقال بأن الجيش الجزائري ليس له من مهام عدا قمع الشعب الجزائري، وهناك كذلك من رد عليه بالقول: “عاون غير شعبك اللي راه يعاني وما لقاش ما ياكل.. والله سنكون خصمك يوم القيامة” وتساءل آخر كيف لمن لم يستطع حتى إنهاء الأشغال بمستشفى العبادلة بولاية بشار منذ سنة 2008 أن يدعي القدرة على بناء ثلاثة مستشفيات بغزة خلال عشرين يوما؟
وليس غريبا على من اعتاد إطلاق الكلام على عواهنه بكل حرية، أن يواصل سخافاته وإثارة مزيد من السخرية مادام “الكابرانات” راضين عنه، أليس هو من سبق له التصريح في شتنبر 2023 أمام ملوك ورؤساء الدول والحكومات الحاضرين خلال المناقشة العامة في الدورة 78 من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن بلاده انطلقت في تنفيذ برنامج تحلية مياه البحر، للوصول مع نهاية سنة 2024 إلى إنتاج مليار و300 مليون متر مكعب يوميا من الماء الشروب. وأنه من مكر الصدف أن يردد نفس الرقم “الفلكي” الذي سبق للمغرب الإعلان عن التطلع إلى تحقيقه سنويا وليس يوميا في أفق عام 2030 من خلال محطات معالجة مياه البحر التي تم إنشاؤها والمحطات المبرمجة.
وهو ذاته الذي قال في خطاب رسمي بمناسبة العيد الأممي للعمال في ماي 2024 أمام عدد من المسؤولين المدنيين والعسكريين، متقمصا شخصية الزعيم الذي ترتعش لذكر اسمه الفرائص: “تجيني بالكلام لحلو معليهش، كلامك نحسبو عليك، بصح راني شاد حجرة في يدي، تخرج من الصف نعطيك” وهي اللغة التي تشهد على أنه يفتقر إلى أبسط مقومات شخصية رجل الدولة وميكانيزمات الخطاب السياسي، وأنه ليس في الواقع سوى دمية في يد “شنقريحة” يحركها متى شاء وكيفما يشاء.
ولعل من بين أفظع فضائحه التي لا يمكن تجاوزها هي تطاوله على الذات الإلهية أمام البرلمان الجزائري، حيث أنه تجاوز كل الخطوط الحمراء عندما سمح لنفسه بالقول “إن الجزائر آية، الشعب حررها وربك وقعها” في تحريف أرعن لقول الشاعر الجزائري المفدي زكرياء في قصيدة “اقرأ كتابك”: “إن الجزائر في الوجود رسالة الشعب حررها وربك وقعا”، مما خلف ردود فعل غاضبة بين المواطنين الجزائريين، الذين اعتبروا كلام رئيسهم إهانة في حق رب السماوات والأرض…
إن إعادة انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر لولاية ثانية، ليس له من معنى سوى أن النظام العسكري الجزائري مصر ليس فقط على الاستمرار في إحكام قبضته على الشعب الجزائري واستنزاف المزيد من ثروات البلاد، بعدما تمكن من تدجينه ومحاصرته إعلاميا وتجويعه وتسخير كل عائدات النفط والغاز لدعم شرذمة من الانفصاليين الصحراويين، بل والتمادي أيضا في كره واستفزاز المغرب ومعاكسته في وحدته الترابية، حتى وإن كان يعلم جيدا أن ملف “الصحراء الغربية” قد حسم لصالح المغرب.
اسماعيل الحلوتي