الأربعاء. ديسمبر 4th, 2024

الموظفون الأشباح: عود على بدء!

اسماعيل الحلوتي 

بينما كان عديد المواطنات والمواطنين المغاربة يعتقدون جازمين أن ظاهرة “الموظفين الأشباح” التي ظلت لسنوات طويلة تثير جدلا واسعا بينهم، سواء في البيوت أو في المقاهي ومقرات العمل أو على منصات التواصل الاجتماعي وتشغل بال المسؤولين وتقض مضاجعهم، قد أصبحت جزءا من الماضي إثر الحملات التي طالما شنتها السلطات عليها من أجل محاربتها، وأن المؤسسات التي كانت إلى وقت قريب تشكو كثيرا من استنزاف هؤلاء “الموظفين” الطفيليين لميزانياتها تخلصت منهم بصفة نهائية.
فإذا بهم يباغتون بما فجره رئيس مجلس مقاطعة مولاي رشيد محمد اجبيل المنتمي إلى حزب “الأصالة والعاصرة” من فضائح ذات العيار الثقيل حول تفشي ظاهرة الموظفين الأشباح بمجلس مدينة الدار البيضاء، الذين يلتهمون المال العام دون القيام بمهامهم، حيث أشار في تصريحات إعلامية يوم 27 فبراير 2024 إلى أن هؤلاء الموظفين كانوا يستنزفون 60 في المائة من ميزانية الجماعة التي يرأس مجلسها منذ 1992، كاشفا عن أن 400 موظف بالمقاطعة من أصل 450 موظف لا يقومون بأي عمل ويعتبرون في عداد الأشباح، حيث أنهم يتلقون دون موجب حق أجورا تزيد قيمتها الإجمالية عن ثلاثة ملايير سنتيم سنويا.
ويشار في هذا الإطار إلى أنه سبق لعمدة الرباط السابقة أسماء اغلالو “المستقيلة” في 28 فبراير 2024 أن أثارت جدلا واسعا في الشارع المغربي وعلى مختلف وسائل الإعلام، جراء ما صرحت به في أحد اللقاءات التلفزيونية خلال شهر يونيو 2022 من وجود نحو 2400 “موظف شبح” من أصل 3400 موظف يعملون في مجلس المدينة، وهم أشخاص يتسلمون أجورهم بصفة منتظمة دون قيامهم بأي خدمة في غياب المراقبة والمحاسبة، مؤكدة على أن منهم من يتواجدون خارج أرض الوطن، مما اضطرها إلى مباشرة مسطرة العزل في حقهم، واصفة ظاهرة “الموظفين الأشباح” بأنها شكل من أشكال “الريع واستغلال النفوذ” وداعية إلى ضرورة الانكباب على محاربتها بكل حزم.
وبعد أشهر قليلة من تفجيرها فضيحة الموظفين الأشباح بمجلس المدينة، وتطبيقا لمقتضيات القانون رقم 62-99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية وبناء على البرنامج السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، قام المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط-سلا-القنيطرة بتوجيه مراسلة إلى عمدة الرباط، كاشفا بواسطتها عن شروعه في مراقبة تدبير الموارد البشرية عبر تعيين لجنة للمراقبة مكونة من مستشارين، ومطالبا إياها (العمدة) بضرورة تزويدهم بكل المعلومات الخاصة، كالهيكل التنظيمي، سجل الحضور، ملفات التوظيف، ملفات الموظفين الموضوعين رهن الإشارة، ملفات الموظفين الخاصة بالإحالة على الاستيداع، ملفات الترقية، ملفات خاصة بالتكوين، محاضر وقرارات المجالس التأديبية وملفات النزاعات المتعلقة بالموظفين…
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نقل برلمانيون الملف إلى المؤسسة التشريعية وطالبوا الحكومة بفتح تحقيقات حول تلك التصريحات التي خلفت استياء واحتقانا شديدين حتى خارج صفوف موظفي جماعة الرباط وغيرها من الجماعات الترابية، التي مازالت تعج بأعداد غفيرة من صنف “الموظفين الأشباح”. إذ فضلا عما شكلته تصريحات عمدة الرباط من صدمة للرأي الوطني وتجاوز صداها الحدود المغربية، وما كشف عنه مؤخرا التقرير الصادر عن المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط -سلا -القنيطرة حول وضعية الموارد البشرية بجماعة الرباط، بخصوص صرف أجور لموظفين لا يؤدون عملهم، هناك تذمر واسع في أوساط الموظفين والشباب العاطلين ذوي الشهادات الجامعية، الذين يطالبون بتطبيق القانون والمساطر الجاري بها العمل في حق الموظفين الأشباح كيفما كان شأنهم، وضد كل من ثبت تواطؤه معهم والتستر عليهم…
فمن غير المستساغ أن يتواصل استنزاف المال العام من قبل “موظفين أشباح” دون حسيب ولا رقيب، في وقت تتفاقم فيه معدلات البطالة وما انفك ملك البلاد ومعه شرفاء الوطن ينادون بتخليق الحياة العامة وتفعيل الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أن ما يتردد من أقوال حول محاربة الظاهرة لا يعدو أن يكون كلاما للاستهلاك، وغالبا ما لا يترجم إلى إجراءات مشددة وملموسة على أرض الواقع. ثم كيف يعقل أن تصرف المجالس والجماعات الأجور لموظفين أشباح وتمتعهم بالامتيازات والترقيات على غرار الموظفين الفعليين، لا لشيء سوى أنهم ينتمون لأسر ذات نفوذ سياسي أو اقتصادي وغيره أو أقارب لمسؤولين كبار هنا وهناك في المؤسسات المنتخبة؟
مؤسف حقا أن تستمر ظاهرة “الموظفين الأشباح” في إسالة مداد الغيورين وإثارة الكثير من السخط وردود الفعل الغاضبة، علما أن بلادنا أصبحت اليوم في عصر التكنولوجية المتقدمة و”الرقمنة”، تتوفر على كافة الإمكانات والوسائل التي من شأنها الإسهام بفعالية في التصدي لها، وأنه يكفي فقط أن يمتلك المسؤولون القليل من الجرأة والإرادة السياسية اللازمة لمواجهة مختلف مظاهر الفساد، والضرب بيد من حديد على كل من ثبت تورطهم في استنزاف المال العام…

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *