اسماعيل الحلوتي
مواطنات ومواطنون مغاربة كثر وفي مقدمتهم فعاليات حقوقية ومهتمون بالشأن العام، مازالوا غير مقتنعين بالتعديل الحكومي الموسع الذي عرفته حكومة عزيز أخنوش يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 على بعد سنتين فقط من نهاية ولايتها، حيث أنه جاء عكس تكهناتهم ودون مستوى ما كانوا يتطلعون إليه من تغيير إيجابي، ويستغربون بامتعاض شديد لبقاء عبد اللطيف وهبي الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة المثير للجدل على رأس وزارة العدل في النسخة الثانية من ذات الحكومة.
فمنذ تعيينه وزيرا للعدل في النسخة الأولى من حكومة رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار أخنوش، وعبد اللطيف وهبي يكاد لا يتوقف عن تصريحاته الإعلامية المستفزة لمشاعر المواطنين وقراراته الانفرادية الهوجاء، مما كان ومازال يثير جدلا واسعا ويشعل مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات الحادة. وطالما احتشد أصحاب البذلة السوداء في وقفات احتجاجية داخل المحاكم وأمام وزارة العدل ومقر البرلمان وفي فضاءات أخرى، داعين إلى مزيد من النضال والصمود من أجل ترسيخ محاماة حرة ومستقلة، رافعين شعارات قوية بلغ بعضها أحيانا حد المطالبة برحيله، دفاعا عن استقلالية المهنة التي ينتسب إليها هو نفسه، وحفاظا أيضا على مكتسبات وحقوق هيئة الدفاع والمواطنين.
إذ سبق للمحامين في عديد المناسبات التنديد بالسلوك الاستفزازي وغير المسؤول لوزير العدل عبد اللطيف وهبي في تعاطيه الأرعن مع مهنة المحاماة، وخاصة إبان تسريب مسودة مشروع قانون تنظيم المهنة، التي عبروا عن رفضهم التام والمطلق لها، باعتبارها مسودة تشكل تراجعا صارخا عن الحقوق والمكتسبات، خاصة أنها أعدت بصفة انفرادية ولا ديمقراطية، مستنكرين بذلك أسلوبه “الفج” في التعامل وانتهاجه لسياسة التضييق على المهنة وفرض الأمر الواقع على ممارسيها…
وجدير بالذكر أن هيئة المحامين لم تنفك تشجب بقوة ما يصدر عن وزير العدل من استعلاء ورفض لإعمال المقاربة التشاركية، والامتناع عن الرد على اتصالات ومراسلات النقباء والجلوس إلى طاولة الحوار بخصوص عزم الحكومة على إصدار عدة مشاريع قوانين ذات الصلة بمهنة المحاماة، ومنها مشروع قانون المهنة ومشروع قانون المسطرة المدنية ومشروع قانون المسطرة الجنائية وسواها، وتماديه في مقاطعة أنشطة جمعية هيئة المحامين بالمغرب، التي أوضح أحد أعضائها أن الوزير “يضرب المبدأ الدستوري الذي ينص على إعمال المقاربة التشاركية عرض الحائط” وأنه “لا يرغب في الحوار مع المهنيين، ويسارع إلى تمرير القوانين دون طرحها للنقاش” مشددا على أن موقفه يعد سابقة خطيرة، لأنه يعتبر الوزارة وكأنها في ملكيته الشخصية، والحال أنها مرفق عمومي يتطلب تفعيل المقاربة التشاركية. لذلك، وفي ظل تعنت الوزير لم يجد المحامون من حل سوى اللوذ بالتصعيد.
فبمجرد ما بدأت الحياة تدب في أوصال المحاكم بعد أن شلتها إضرابات كتاب الضبط لفترة طويلة، حتى خرج المحامون في خطوة تصعيدية وأكثر حرارة من سابقاتها، للرد عن إصرار وزير العدل على عناده المستمر وشروع وزارته في مناقشة مشاريع قوانين دون إشراكهم في بلورتها وصياغتها، والإعلان عن نيتهم في الانبراء لكل محاولات النيل من الوضع الاعتباري للمهنة، من خلال اتخاذ هيئاتهم قرارا بتعليق عملهم ابتداء من فاتح نونبر 2024 “حتى إشعار آخر”، لتنطلق معركة كسر العظم بين النقابات المهنية للمحامين ووزارة العدل. وهو القرار الذي أملاه “عدم التفاعل مع كل المبادرات والإشارات التي تضمنتها الحملة الترافعية لمكتب الجمعية التي خاضها على كل المستويات” و”الإصرار على استهداف المكانة الاعتبارية لمهنة المحاماة كفاعل رئيسي في تنزيل مفاهيم العدالة في الدول الديمقراطية” فضلا عن عدم الاكتراث بالوضع المتأزم لقطاع المحاماة.
وقد أثر الإضراب المفتوح سلبا على السير العادي لمحاكم المملكة وأربك عديد الملفات، حيث بلغت نسبة نجاحه معدلا قياسيا إثر الاستجابة الواسعة للمحامين ومقاطعة الجلسات والتقديم والأداء في الصناديق. وفي خضم هذا الوضع المحتقن، أبت هيئة المحامين إلا أن تحمل كامل المسؤولية للحكومة في تعطيل مصالح المواطنين وحالة التردي التي بلغ إليها القطاع على يد وزير العدل وهبي، وتندد باستمراره في نهج أسلوبه “القمعي” والاستبداد بالرأي بدعوى الإصلاح، الذي يهدف إلى محاولة تجاوز الاختلالات القائمة على حساب مكتسبات المتقاضين والمهنيين، بينما يتطلب الأمر اجتراح حلول شاملة ومتكاملة تنبني على مبدأ التشاركية وحماية مصالح كل الأطراف المعنية.
من هنا يؤكد المحامون أن فاتح نونبر لهذه السنة الذي يشهد انتفاضة قوية ضد وزير العدل وهبي، سيظل يوما موشوما في الذاكرة الحقوقية المغربية، حيث جاء ردا عما تواجهه مهنة المحاماة من تعسف وتضييق، فضلا عن عدم الأخذ برأيهم والتشاور معهم في سن مشاريع قوانين تهم المهنة والمرتفقين. ويشددون على أنهم باتوا يجسدون صوتا واحدا في الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم، من خلال هذه الخطوة النضالية التي ستتبعها دون شك خطوات أخرى أكثر قوة إذا ما استمرت الوزارة الوصية في تعنتها.
وعليه تطالب جمعية هيئات المحامين عبر التراب الوطني بالتصدي لقرارات الوزير المجحفة وغير المنصفة، وتحصين المكتسبات الدستورية والحقوقية للمتقاضين وللوطن، إقرار نظام ضريبي عادل، تثمين مكتسبات المحامين في المجال الاجتماعي وتكريس مبدأ ضمان المساعدة القانونية للمواطنين.
اسماعيل الحلوتي