الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

اسبانيا بين الثابث و المتحول وفق منطق الربح و الخسارة ( العلاقات مع المغرب و الجزائر مثال).

بقلم ابو أيوب


اجماع الاعلام الاسباني بخاصة صحيفة الكونفيدونسيال على ان اسبانيا تعيش ازمة سياسية خطيرة ، ازمة قد تعصف بالحكومة الائتلافية برئاسة بيدرو سانشيز ، و من المرتقب الدعوة الى حل الحكومة و اجراء انتخابات مبكرة . سبب الازمة الموقف الجديد الذي اعلن عنه رئيس الحكومة الداعم لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية ، و هو الموقف الذي جر عليه وابلا من الانتقادات و الرفض داخليا و امميا كما جاء على لسان ستيفان دوجاريك الناطق الرسمي باسم الامم المتحدة و امينها العام غوتيريش .
11 كثلة نيابية بالكورتيس الاسباني نددت بموقف رئيس الحكومة الائتلافية سانشير ، معتبرة اياه بموقف شخصي و ليس مؤسساتي و يتعارض مع الشرعية الدولية ، حيث خصص الكورتيس جلسة مسائلة لرئيس الحكومة لم ينجح خلالها في اقناع المعارضة و الموالاة على حد سواء بموقفه الاخير الداعم للمملكة المغربية ، جلسة عرفت مشاركة كل الطيف السياسي من يمين و وسط و يسار حيث رفعت خلالها اعلام ( جمهورية الصحراء) ، و قد تزامنت هذه التطورات مع وقفة احتجاجية امام وزارة الخارجية الاسبانية نظمها نشطاء صحراويون و اسبان ، تخللتها مسيرات مؤيدة لجبهة البوليساريو شهدتها مختلف المدن الاسبانية بما فيها العاصمة مدريد .
انعطافة سانشيز الاخيرة وجدت لها تجاوبا و صدى ايجابي بالمغرب ،و هو ما عبرت عنه المكالمة الهاتفية التي اجراها العاهل المغربي مع بيدرو سانشير مثمنا موقفه هذا مع توجيه دعوة ملكية له لزيارة المغرب ( بلاغ الديوان الملكي) . الانعطافة هذه بقدر ما سعت الى توثيق العلاقات الثنائية بين المملكتين و الدفع به الى الامام ، بقدر ما فتحت صدعا في الائتلاف الحاكم نتج عنه اجماع الطبقة السياسية على رفض الخطوة مطالبة بضرورة التراجع عنها ( حزب بوديموس. الحزب الشعبي. حزب فوكس اليميني. انقسام الحزب الاشتراكي حزب الرئيس بين مؤيد و معارض….مثال).
كما تجدر الاشارة الى مسوغات و تحليلات الزعماء السياسيين و محللي الصحيفة ذاتها ، تحليلات برروا من خلالها اسباب رفض الخطوة التي لم يستشاروا بشانها قبل اتخاذها ، فضلا عن كونها لم تعرض بالكورتيس لمناقشتها ، فيما تسائل اخرون كيف يمكن حل ازمة مع الشريك المغربي و خلق أخرى مع الشريك الجزائري ، متسائلين في نفس الوقت عن المكتسبات المحتمل الحصول عليها( اقتصاديا. استثمارات مالية. طاقة. تعاون امني استخباراتي. هجرة الافارقة. مكافحة الارهاب و المخذرات….) من زاوية الربح و الخسارة في علاقة اسبانيا بدول جوارها الجنوب- متوسطي.
من مسوغات رفض أكثرية الساسة الاسبان للخطوة التي اقدم عليها بيدرو سانشيز ، نستعرضها اليوم في مقالنا هذا مصحوبة ببعض تحليلات المراقبين الاسبان انفسهم ، مع العلم ان اسبانيا هي الرابح الاكبر من وراء الخطوة مع المغرب ، كما انها الخاسر الكبير جراء تأزم العلاقات مع الجزائر ، كيف ذلك ؟.
مع المغرب :
* اسبانيا ربحت فتح الحدود و انسياب حركة المبادلات التجارية لا سيما فيما يتعلق بفتح المعابر مع سبتة و مليلية و ما يمثله هذا من انفراجة اقتصادية بالمدينتين .
* اسبانيا تمكنت من اقناع المغرب بقبول تسلم المهاجرين الغير شرعيين المغاربة بعدما كان يرفض في السابق
* اسبانيا كسبت عودة المغرب للعب دور الدركي لحماية حدودها الجنوبية في وجه جحافل المهاجرين المغاربة و الافارقة من دول الساحل و الصحراء.
* اسبانيا غنمت عودة التعاون الأمني و التنسيق الاستخباراتي في مجال الحرب على المخذرات و مكافحة الارهاب و تبييض الاموال .
* اسبانيا تمكنت من اقناع المغرب بحدودها الحالية و ان لا مجال للخطوات الاحادية الجانب ( اشارة الى ترسيم الحدود البحرية للمغرب/ الجزر المتوسطية/ جزر ارخبيل الكناري).
مع الجزائر :
* اسبانيا خسرت تموضعها الطاقي كمنصة انطلاق الغاز الجزائري نحو اوروبا ، و هو المشروع الذي روج له سانشيز في جولاته الاوروبية ، بالتالي اسبانيا فقدت تموقعها الاستراتيجي على حساب مصالحها السياسية و الاقتصادية لصالح ايطاليا التي حظيت باعادة تموقعها جنوب المتوسط و خاصة بكل من ليبيا و الجزائر .
* اسبانيا خسرت التعاون الجزائري في مجالات التنسيق الامني/ التعاون الاستخباراتي في مكافحة الارهاب/ وقف التنسيق في مجال الهجرة الغير شرعية مع اعلان الجزائر عن رفضها تسلم مواطنيها .
* اسبانيا خسرت المشاريع المشتركة بالمنطقة البحرية قبالة ساحل جزيرة كابريرا بالمتوسط ، و هي جزيرة تقع حدود المياه الاقليمية للدولتين .
* اسبانيا سوف تتعرض لضغوط طاقية اضافية ( بترول.غاز.كهرباء) على ضوء اعلان الجزائر عن مراجعتها لبنود اتفاقية توريد الغاز عبر انبوب ميدغاز وفق تقلبات اسعار الغاز بالسوق الدولية ، و ليس تمييزا او تميزا و باعار تفضيلية ، و ياتي الاعلان هذا بالتزامن عما اعلنته موسكو عن امكانية قطع الغاز الروسي عن اوروبا في حالة مواصلة رفضها التسديد بالروبل بدل الدولار و اليورو .
* اسبانيا على صفيح اقتصادي ساخن بعد اعلان الجزائر اعادة النظر في الاستثمارات الاسبانية بالجزائر و تعويضها بشركات ايطالية. المانية.صينية….، و ما يتولد من خسائر مالية ضخمة و ما يمثله من فقدان عدة مناصب شغل …..و اسبانيا لم تبرأ بعد من تداعيات كورونا .
* تقليص عدد الرحلات الجوية للخطوط الجزائرية نحو اسبانيا ، و تغيير الجهة نحو كل من مصر.تركيا.روسيا….( السياحة مثال) ، فضلا عن التلويح بمراجعة اتفاقية انشاء خطوط بحرية مشتركة مع اسبانيا و بعض المدن الاسبانية ( اشارة الى مينائي مليلية و سبتة ) .
* الأزمة السياسية بين الدولتين ستطول ، و من شأن هذا اتساع شرخ الازمة السياسية الداخلية باسبانيا ، و ما قد يترتب عنها من دعوة اجراء انتخابات مبكرة مع الاعلان عن استقالة الحكومة الائتلافية ، و هي بالمناسبة اضعف حكومة في تاريخ اسبانيا الحديث ، و ما لم يتراجع سانشيز عن موقفه المؤيد للمقترح المغربي فلن تحصل انفراجة في علاقات البلدين ، بالتالي يكون سانشيز قد رهن مستقبله السياسي بيد كف عفريت ، ان لم نقل بانتهاء دوره كزعامة طبعت الحياة السياسية الاسبانية ، ميزتها الاساس ضعف و غياب الكاريزما و انعدام التجربة .
في المقابل ماذا ربح المغرب ؟ صحيح ان بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الائتلافية الاسبانية اعلن عن دعمه للمقترح المغربي المتمثل في منح حكم ذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية ، و هذا امر جيد لكنه لم يرقى للأجود و الأفيد ، كما هو صحيح كذلك انه لم يصرح بأنه الحل الاوحد للنزاع حول الصحراء ، لكن الأكيد انه لم يعترف رسميا و علنا بمغربية الصحراء ، كما هو مؤكد ايضا استحالة فتحه لقنصلية اسبانية بالصحراء وفق الأعراف و الممارسات الديبلوماسية .
بالتالي موقفه هذا يعبر عن خروجه من المنطقة الرمادية ( بحسب الوصف المغربي) لتحقيق مكتسبات سياسية و اقتصادية لبلده ، كما يعتبر ايضا ولوجا لمنطقة ضبابية يجسد انفصاما سياسيا و هذا ما عبر عنه بارتباك شديد في جلسة الكورتيس ( المسار الأممي و دعم مجهودات المبعوث ديميستورا) ، و هو نفس تصريح كاتب الدولة في الخارجية الامريكية انتوني بلينكن على موقع الوزارة ، و كما جاءت على لسانه في ندوته الصحفية بسفارة امريكا بالجزائر العاصمة.
و النتيجة تصريحين مناقضين للاعتراف الذي اعلنه ترامب و الدعم الذي قدمه سانشيز ! نيويورك تايمز مثلا نشرت مقالا تطرقت فيه الى رفض الادارة الامريكية الحالية فتح قنصلية بالداخلة رغم الضغوط الاسرائيلية و بعض الدول العربية ، كما انه منذ اسابيع خلت شرع مجلس الشيوخ قانون المساعدات الخارجية ، نصيب المغرب منها قسمين واحد للمغرب و الثاني للصحراء الغربية باشراف مغربي( بحسب القانون الدولي هي اشارة الى الادارة و ليست اعترافا بالسيادة ) ، و هذا بالضبط ما وثقته اتفاقية مدريد الثلاثية سنة 75 بين اسبانيا و المغرب و موريتانيا التي قدمت للأمم المتحدة .

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *