د. بنداود رضواني
منقول عن موقع: تبيان
الناس منذ وجدوا؛ سيرهم نحو الموت ظل أمرًا حتميًا لم يشذ عنه أحد. ولا يزالون سائرين إليه رغمًا عنهم حتى هذه الدقائق التى تُقرأ فيها هذه السطور. نرى حصاده كل صباح في الصحف، وكل مساء في التلفاز؛ وعلى مدار اليوم في الإنترنت.
فالحي مقدر عليه بالموت؛ ويتهدده في كل لحظة. لذا على المرء أن يُبقي نعليه في قدميه طـوال الـوقـت، وأن يستعد للرحيل بمجرد إخطاره. لكن ورغم أنه مدرك -لا محالة- لهذه الحقيقة المزعجة، إلا أنه غير مستعد بتاتًا لمواجهتها؛ فبمجرد التفكير فيها تضحى الدنيا بين عينيه أشبه بالنفق المظلم، وتحاصره استفهامات وجودية وفطرية حول ماهية الاحتضار والمصير بعده، والاضمحلال الذي لا بد منه، والفردية الخالصة التي ستطبق على المحتضر؛ والتي يشعر معها أنه يموت وحده لا يشاركه في موته أحد، وإن كان من كان، وبلغ ما بلغ من القوة والجاه.
ففي “الإحياء…” عبارات لأبي حامد الغزالي تجلي فعل الموت في الناس وترسم لوحة مخيفة عما هو ظاهر منه؛ خصوصًا لأولئك الذين تاهوا عن حقيقته وتعلقوا بأستار الدنيا. إذ يقول رحمه الله: “الحمد للّٰه الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، و قصر به آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة؛ حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة، فنقلوا من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود؛ ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان؛ ومن التنعم بالطعام و الشراب إلى التمرغ في التراب؛ ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة؛ ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل. فانظر هل وجدوا من الموت حصنًا وعزًا؛ واتخذوا من دونه حجابًا و حرزًا؛ و انظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا”.(1)
ودون ريب فالخروج من حيز الزمن الفيزيائي، والرحيل عن جاذبية الأرض بغتة وبلا عودة، من أقوى أسباب انزعاج الغالبية من الموت. فهو اللحظة القاصمة لكينونة الإنسان، عبر بوابتها يغادر الأماكن ويودِّع الأشخاص بل يودِّع نفسه، فيتلاشى شكله المادي ويُنتزع ثوب جسده؛ وتنهدم أركانه بلا توقف، وتذوب ملامحه تحت التراب حتى يصير هو الآخر ترابًا.
إلي هنا يتوقف العقل المادي في نظره إلى الموت، فهو بالنسبة إليه لا يعدو في النهاية إلا عدمًا واضمِحلالًا. “فما الدنيا إلا أرحام تدفع وأرض تبلع. وليس وراء ذلك شيء”، و”أن العالم بما فيه يبقى بلا معنى والحياة خالية من الجدوى مادام الفناء يلاحقها…”. أفكار ومقالات تناوب على ترديدها الملاحدة والعدميون حتى اليوم. فشأنهم هذا؛ أنهم ما أدركوا كنه الموت ولا فهموا فلسفته؛ ولا تفكروا في غائيته. وما استوعبوا قانونيته.
ويبدو أن أول الأسباب في ذلك؛ هو تلك النظرة العدمية لماهية الإنسان والكون؛ والتي تقبع جميع كلياتها وتفاصيلها في سجن اللامعنى، مكبلة بسلاسل التفسيرات التشيئية الخاطئة؛ والمرتكزة على فكرة استبعاد الإله من كل شيء وعن كل شيء. يقول نيتشه: “لا أريد هذه الأشياء تبعًا لإرادة إلَهٍ ولا عملًا بوصيّةٍ أو ضرورةٍ بشريّة؛ فأنا لا أريد أن يكون لي دليلٌ يهديني إلى عوالم عُليا وجناتِ خلود.”(2) فمن الطبيعي -إذن- أن تكون قراءة القضايا الوجودية بشكل عام، وقضية الموت بوجه خاص هي الأخرى أسيرة التحليل العبثي نفسه؛ فالشخص الذي لديه فكرة خاطئة عن الحياة حتمًا ستكون فكرته خاطئة عن الموت.
وأما ثاني هذه الاسباب؛ فكامن في مضمون العلاقة القائمة بين العلم والغيبيات؛ أو ما يطلق عليه في علم العقيدة بـ”السمعيات”. ففي مبحث الموت؛ يصل العقل إلى حدوده القصوى، لكن دون طائل؛ إذ الحواس لن تبلغ كنهه أصلًا؛ ولا سبيل إليه. فهي آليات مبروءة على التفاعل مع عالم البيولوجيا والفسيولوجيا والجيولوجيا فقط. أما مطالعة المُغَيَّبات وكشف الحجب عن الماورائيات فلا قِبل لها بذلك، لأن روافد العقل التي نَظُن أن تُزوِّده بالحقيقة تبقى عاجزة أمامه؛ إن لم تكن مفقودة أساسًا.
ومن وراء تيه هؤلاء عن حقيقة الموت وما بعده كذلك، سبب ثالث. يرتبط هذه المرة بمشاهداتهم العالقة بالوجه الظاهري للموت فقط؛ والعاجزة عن تصوره عما هو في الباطن. وهذا هو السبب الذي وراء معضلة الموت في المخيال العبثي؛ لذا يقومون على الدوام بتصويرِهِ تصويرًا مخيفًا وينسجون حوله المراثي الشعرية والروائية؛ وكأنه جلَّاد دون رحمة وجبٌّ بلا قاع.
لقد شردوا عن أنصع الحقائق الوجودية؛ وهي أن المجيء إلى الحياة الدنيا تم بخلق وبتقدير إلهي، كذلك الرحيل عنها هو أيضًا بخلق وتقدير وحكمة وتدبير إلهي. قال جل جلاله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور﴾ الملك/2. وأن الموت ليس عدمًا أبدًا ولا انقراضًا كما يتوهمون. بل نهاية طبيعيَّة للأشياء، وتغيير للأبعاد المألوفة وإجازة وانتهاء من أعباء وظيفة ومهمة مرسومة. فالموت صفة وجودية خُلقت ضد الحياة.(3) يقول القرطبي في تعريفه:
قال العلماء: الموت ليس بعدمٍ مَحْض، ولا فناء صِرْف وإنما هو انقطاع تعلُق الروح بالبدن، ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتَبَدُّل حالٍ، وانتقال من دار إلى دار.(4)
وحدث ضروري وتمهيدي وصيرورة لوجود آخر وحياة أخرى.
فَلِم يُنحّى إمكان فناء الدنيا وزوالها، وإنه لمن أهون الواردت لو اصطدم كوكب سماوي بالأرض لفنيت؟! ولِمَ يجحدون تبدل الأحوال من الدنيا إلى الآخرة؛ وهم يعاينون كيف تتبدل فصول السنة وتتعاور ما بين صيف وشتاء وربيع وخريف؟!
لكن يبدو أن جوهر الخوف عندهم من الموت هو خوف من المجاهيل التي قد تلفهم بعده، لا من الموت ذاته. خصوصًا إذا علمنا أن الحياة ما بعد الموت شعور مركوز في النفس منذ اللحظة الأولى التي يدرك فيها المرء أنه كائن يتقلب بين الموت والحياة. يعزز هذا الشعور النظام البديع الذي نراه في الدنيا اليوم؛ حيث يسير الكون وفق ترتيبٍ غاية في الدقة والحكمة. والذي يؤكد حتمية الاستمرار بالضرورة. فالله -جل جلاله- قادر على إخراج الموتى من القبور كإخراج النبات من الأرض، وإحياء الأرض العظيمة بعد جفافها وموتها. وفي القرآن الكريم من هذا النوع من الاستدلال الشيء الكثير والمعروف بـ”الاستدلال على البعث
موتك البيولوجي؛ ما الذي يعنيه؟! مقالة في نقض العبثية.
الناس منذ وجدوا؛ سيرهم نحو الموت ظل أمرًا حتميًا لم يشذ عنه أحد. ولا يزالون سائرين إليه رغمًا عنهم حتى هذه الدقائق التى تُقرأ فيها هذه السطور. نرى حصاده كل صباح في الصحف، وكل مساء في التلفاز؛ وعلى مدار اليوم في الإنترنت.
فالحي مقدر عليه بالموت؛ ويتهدده في كل لحظة. لذا على المرء أن يُبقي نعليه في قدميه طـوال الـوقـت، وأن يستعد للرحيل بمجرد إخطاره. لكن ورغم أنه مدرك -لا محالة- لهذه الحقيقة المزعجة، إلا أنه غير مستعد بتاتًا لمواجهتها؛ فبمجرد التفكير فيها تضحى الدنيا بين عينيه أشبه بالنفق المظلم، وتحاصره استفهامات وجودية وفطرية حول ماهية الاحتضار والمصير بعده، والاضمحلال الذي لا بد منه، والفردية الخالصة التي ستطبق على المحتضر؛ والتي يشعر معها أنه يموت وحده لا يشاركه في موته أحد، وإن كان من كان، وبلغ ما بلغ من القوة والجاه.
ففي “الإحياء…” عبارات لأبي حامد الغزالي تجلي فعل الموت في الناس وترسم لوحة مخيفة عما هو ظاهر منه؛ خصوصًا لأولئك الذين تاهوا عن حقيقته وتعلقوا بأستار الدنيا. إذ يقول رحمه الله: “الحمد للّٰه الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، و قصر به آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة؛ حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة، فنقلوا من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود؛ ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان؛ ومن التنعم بالطعام و الشراب إلى التمرغ في التراب؛ ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة؛ ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل. فانظر هل وجدوا من الموت حصنًا وعزًا؛ واتخذوا من دونه حجابًا و حرزًا؛ و انظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا”.(1)
ودون ريب فالخروج من حيز الزمن الفيزيائي، والرحيل عن جاذبية الأرض بغتة وبلا عودة، من أقوى أسباب انزعاج الغالبية من الموت. فهو اللحظة القاصمة لكينونة الإنسان، عبر بوابتها يغادر الأماكن ويودِّع الأشخاص بل يودِّع نفسه، فيتلاشى شكله المادي ويُنتزع ثوب جسده؛ وتنهدم أركانه بلا توقف، وتذوب ملامحه تحت التراب حتى يصير هو الآخر ترابًا.
إلي هنا يتوقف العقل المادي في نظره إلى الموت، فهو بالنسبة إليه لا يعدو في النهاية إلا عدمًا واضمِحلالًا. “فما الدنيا إلا أرحام تدفع وأرض تبلع. وليس وراء ذلك شيء”، و”أن العالم بما فيه يبقى بلا معنى والحياة خالية من الجدوى مادام الفناء يلاحقها…”. أفكار ومقالات تناوب على ترديدها الملاحدة والعدميون حتى اليوم. فشأنهم هذا؛ أنهم ما أدركوا كنه الموت ولا فهموا فلسفته؛ ولا تفكروا في غائيته. وما استوعبوا قانونيته.
ويبدو أن أول الأسباب في ذلك؛ هو تلك النظرة العدمية لماهية الإنسان والكون؛ والتي تقبع جميع كلياتها وتفاصيلها في سجن اللامعنى، مكبلة بسلاسل التفسيرات التشيئية الخاطئة؛ والمرتكزة على فكرة استبعاد الإله من كل شيء وعن كل شيء. يقول نيتشه: “لا أريد هذه الأشياء تبعًا لإرادة إلَهٍ ولا عملًا بوصيّةٍ أو ضرورةٍ بشريّة؛ فأنا لا أريد أن يكون لي دليلٌ يهديني إلى عوالم عُليا وجناتِ خلود.”(2) فمن الطبيعي -إذن- أن تكون قراءة القضايا الوجودية بشكل عام، وقضية الموت بوجه خاص هي الأخرى أسيرة التحليل العبثي نفسه؛ فالشخص الذي لديه فكرة خاطئة عن الحياة حتمًا ستكون فكرته خاطئة عن الموت.
وأما ثاني هذه الاسباب؛ فكامن في مضمون العلاقة القائمة بين العلم والغيبيات؛ أو ما يطلق عليه في علم العقيدة بـ”السمعيات”. ففي مبحث الموت؛ يصل العقل إلى حدوده القصوى، لكن دون طائل؛ إذ الحواس لن تبلغ كنهه أصلًا؛ ولا سبيل إليه. فهي آليات مبروءة على التفاعل مع عالم البيولوجيا والفسيولوجيا والجيولوجيا فقط. أما مطالعة المُغَيَّبات وكشف الحجب عن الماورائيات فلا قِبل لها بذلك، لأن روافد العقل التي نَظُن أن تُزوِّده بالحقيقة تبقى عاجزة أمامه؛ إن لم تكن مفقودة أساسًا.
ومن وراء تيه هؤلاء عن حقيقة الموت وما بعده كذلك، سبب ثالث. يرتبط هذه المرة بمشاهداتهم العالقة بالوجه الظاهري للموت فقط؛ والعاجزة عن تصوره عما هو في الباطن. وهذا هو السبب الذي وراء معضلة الموت في المخيال العبثي؛ لذا يقومون على الدوام بتصويرِهِ تصويرًا مخيفًا وينسجون حوله المراثي الشعرية والروائية؛ وكأنه جلَّاد دون رحمة وجبٌّ بلا قاع.
لقد شردوا عن أنصع الحقائق الوجودية؛ وهي أن المجيء إلى الحياة الدنيا تم بخلق وبتقدير إلهي، كذلك الرحيل عنها هو أيضًا بخلق وتقدير وحكمة وتدبير إلهي. قال جل جلاله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور﴾ الملك/2. وأن الموت ليس عدمًا أبدًا ولا انقراضًا كما يتوهمون. بل نهاية طبيعيَّة للأشياء، وتغيير للأبعاد المألوفة وإجازة وانتهاء من أعباء وظيفة ومهمة مرسومة. فالموت صفة وجودية خُلقت ضد الحياة.(3) يقول القرطبي في تعريفه:
قال العلماء: الموت ليس بعدمٍ مَحْض، ولا فناء صِرْف وإنما هو انقطاع تعلُق الروح بالبدن، ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتَبَدُّل حالٍ، وانتقال من دار إلى دار.(4)
وحدث ضروري وتمهيدي وصيرورة لوجود آخر وحياة أخرى.
فَلِم يُنحّى إمكان فناء الدنيا وزوالها، وإنه لمن أهون الواردت لو اصطدم كوكب سماوي بالأرض لفنيت؟! ولِمَ يجحدون تبدل الأحوال من الدنيا إلى الآخرة؛ وهم يعاينون كيف تتبدل فصول السنة وتتعاور ما بين صيف وشتاء وربيع وخريف؟!
لكن يبدو أن جوهر الخوف عندهم من الموت هو خوف من المجاهيل التي قد تلفهم بعده، لا من الموت ذاته. خصوصًا إذا علمنا أن الحياة ما بعد الموت شعور مركوز في النفس منذ اللحظة الأولى التي يدرك فيها المرء أنه كائن يتقلب بين الموت والحياة. يعزز هذا الشعور النظام البديع الذي نراه في الدنيا اليوم؛ حيث يسير الكون وفق ترتيبٍ غاية في الدقة والحكمة. والذي يؤكد حتمية الاستمرار بالضرورة. فالله -جل جلاله- قادر على إخراج الموتى من القبور كإخراج النبات من الأرض، وإحياء الأرض العظيمة بعد جفافها وموتها. وفي القرآن الكريم من هذا النوع من الاستدلال الشيء الكثير والمعروف بـ”الاستدلال على البعث بنظيره”.
عدالة الموت:
ما الذي يحدث لعدمية الوضع الإنساني ولعبثية الحياة والموت التي يعلنها إمبدوقليس الإغريقي الشكاك وشوبنهاور ونيتشه وغيرهم من العدميين الجدد؟! وبصيغة أخرى؛ ما الغاية من الأخلاق في أمة خالدة؟ فإذا كان الإنسان لا يصيبه نصب ولا مخمصة ولا يضعف ولا يمرض ولا يموت، فما الحاجة للأخلاق؟! إن دنيا هذا حالها ستصير مهزلة مجردة من المعنى.
ورد في تفسير “الظلال” في سورة الروم في قوله تعالى ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ الآية7؛ أن “الغفلة عن الآخرة تجعل كل مقاييس الغافلين تختل، وتؤرجح في أكفهم ميزان القيم؛ فلا يملكون تصور الحياة وأحداثها وقيمها تصورًا صحيحًا. ويظل علمهم بها ظاهرًا سطحيًا ناقصًا؛ لأن حساب الآخرة في ضمير الإنسان يغير نظرته لكل ما يقع في هذه الأرض”، هذا من جهة. ومن جهة ثانية؛ فإن عدل الله وحكمته يستلزمان قيام “محكمة كبرى” تعاقب الظالم وترد الاعتبار للمظلوم. ولإن كانت محاكم الدنيا تقضي بمكافأة المحسن وعقاب المسيء؛ إلا أن العدالة لا تتحقق بالشكل التام على الأقل. فلا بد -إذن- من لحظة يحدث فيها ذلك، وهذه اللحظة تبدأ بعد الموت مباشرة.
إن المظلومين في هذا العالم يمثلون جزءًا مهمًا من تاريخ البشرية. فإن لم يكن “الإيمان بالدار الآخرة” عونًا وسلوى لهم؛ فإن المنية التي يجدونها أمامهم تُصَيِّر الدنيا -بلا ريب- معتقلًا كبيرًا لهم؛ ويجعل من الحياة تضاعيف من العذاب الأليم لهم! ولكن ما إنْ يمدهم الإيمان بالحياة بعد الموت بالتفاؤل إلا وتتسع صدورهم انشراحًا، وتبتهج نفوسهم فرحًا. فالأمم الشاردة عن الله والدار الآخرة من الطبيعي أن تنتشر فيها المظالم والرذائل، ويُمَكَّن فيها للبطش والتعدي لا للحِلم والمحبة.
المصادر:
إحياء علوم الدين. أبو حامد محمد الغزالي. دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 2005. ج 1، ص 102.
هكذا تكلم زرادشت. فريدريك نيتشه، ترجمة فليكس فارس، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. القاهرة. ط 2014، ص 63.
التوقيف على مهمات التعاريف. محمد عبد الرؤوف المناوي؛ تحقيق: محمد رضوان الداية. دار الفكر المعاصر /مفردات الراغب الاصفهاني، ص497/ التعريفات للجرجاني، ط حلبية، ص 211.
كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة. أبو عبدالله محمد القرطبي.، تحقيق ودراسة صادق بن محمد بن إبراهيم. ج 1. مكتبة دار المنهج، الرياض. ط 2004. ص 111. د. بنداود رضواني
دكتوراة في الفكر الإسلامي ومقارنة الأديان باحث في قضايا الاستغراب.